بعد تقرير لجنة “تشيلكوت”.. ماذا تبقى من “الدولة العراقية”؟

بعد تقرير لجنة “تشيلكوت”.. ماذا تبقى من “الدولة العراقية”؟

xresize.jpg.pagespeed.ic.YRoguwdcAZ

جاء تفجير مرقد السيد محمد بن الهادي ببلدة بلد جنوب محافظة صلاح الدين، الذي ذهب ضحيته نحو أربعين شخصًا، بعد أيام قليلة على تفجير حي الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد، الذي أوقع 300 ضحية وعددًا مماثلًا من المصابين؛ ليكشف ضعف أحهزة الدولة والفساد الذي ينخُر في عظامها، والصراع الطائفي الذي قضى على بنية الدولة العراقية، وكيف جرى تعيين القيادات، ولم يحاسب أحد على التقصير في الأداء، بل بالعكس يتم بقاء بعضهم في مناطبهم أو نقلهم بالرتب نفسها إلى أماكن أفضل، وبقي السؤال ماذا تبقى من الدولة العراقية؟.

نسخة مكررة

ويعتبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، نسخة مكررة من سابقه نوري المالكي، ومعالجة الخلل الكبير في الأجهزة الأمنية والعسكرية بالاقالات، تعد الإجراءات ذاتها التي كان يقوم بها المالكي، ولم تعرف بعد نتيجة التحقيقات حول فرار 20 ألف جندي عراقي من “الموصل” ثاني أكبر مدينة عراقية، وترك أسلحتهم غنيمة لـ”تنظيم الدولة”، ولم تعرف بعد نتائج التحقيقات في مجزرة قاعدة “سبايكر”، التي جرت بعد أسر طلاب القوة الجوية في القاعدة الجوية من العراقيين في يوم 12 حزيران/يونيو 2014، بعد سيطرة تنظيم الدولة، ولم يعرف بعد من الذي سلم 40% من الأراضي العراقية لـ”تنظيم الدولة”؟.

خلل بنيوي

وقال مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، يحيى الكبيسي، “لا أحد يريد الاعتراف بأن خللا بنيويا يضرب الدولة العراقية، حيث لم يعد أحد يصدق أن إقالة شخص ستصلح هذا الخلل”، مؤكدًا أن نوري المالكي سبق العبادي في إقالة قادة أمنيين، لكن ما إن تمضي فترة قليلة حتى يعاد تدويرهم.

وقال الكبيسي، إن قائد شرطة الرمادي الذي سلم معظم مدن المحافظة لتنظيم الدولة أقيل ثم أعيد إلى منصبه وهو اليوم مدير شرطة الأنبار، مؤكدا أن إجراءات العبادي مجرد ماكياج أمني، وأن البلاد في طريق مجهول، وأن تفجيرات كثيرة سابقة دامية صحيح أنها ليست مماثلة لما حدث في الكرادة، لكنها كانت تستوجب البدء بهذه الإصلاحات.

من المالكي للعبادي

وعد العبادي، بعد توليه منصبه بدعم إقليمي ودولي وضغوط مورست على المالكي، بمحاكمات للمفسدين والمتقاعسين، وأعلن منع عدد ممن تولوا مناصب كبيرة من السفر، مؤكدًا بناء أجهزة الدولة على أسس سليمة، ولكن كل شيء تبخر، حتى المعارك التي حقق فيها تقدما والأراضي التي انتزعت من تنظيم الدولة تصدر المشهد “ميليشيا الحشد الشعبي” الشيعية، وعلت فيها الهتافات الطائفية، ورفعت الرايات المذهبية.

وأعلن العبادي رسميا عن تعيين القائد العسكري الإيراني “قاسم سليماني”، مستشارا عسكريا لرئيس الوزراء، وأنه هو الذي يقود المعارك، تحت مظلة طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبقي الحديث عن الأجهزة الأمنية المزيفة، التي أعلن عنها منذ 2008 كما هو.

كما أعلن التيار الصدري تكليف “سرايا السلام” التابعة له بحماية المراقد الشيعية، كما فعلت في سامراء، وهذه الخطوة من التيار الصدري تدخل في إطار صراع الميليشيات الشيعية، إذ يريد مقتدى الصدر القول “نحن نقوم بمهمة فشل فيها الآخرون”؟، ما يكشف “الصراعات السياسية العنيفة داخل البيت الشيعي”.

“تقرير تشيلكوت”

تتواكب الأحداث العنيفة في العراق مع “تقرير تشيلكوت”، وكيف كذب رئيس الوزراء على الشعب والبرلمان البريطاني؟، وسار في ركاب الولايات المتحدة الأمريكية، والأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون والبريطانيون التي دفعت بالعراق نحو الكارثة، منذ وصول طلائع القوات الأمريكية إلى مشارف بغداد في 9 نيسان / أبريل 2003، وإعلان بول بريمر حل الجيش العراقي وتسريحه، وإصدار سلسلة من القرارات دمرت العراق، والآن يحن العراقيون للاستقرار والنظام والأمن الذي كان إبان حكم صدام.

وأوضح عراقيون، أن صدام ذهب، ولكن لديهم الآن ألف صدام، وأنه لم يكن الوضع هكذا في زمنه، رغم حكمه القاسي، وأنه قاد البلاد نحو سلسلة من الحروب المدمرة، وتسبب في فرض عقوبات دولية قاسية على العراق، ولكن بعد 13 عاما، يبدو العالم الذي كان سائدا قبل الغزو عالمًا أكثر استقرارًا وهدوءًا بالنسبة للكثير من العراقيين اليوم، فلم يخبر العراقيون يومًا واحدًا من السلام منذ سقوط النظام السابق.

إقالات أمنية وعسكرية

وعلى طريقة نوري المالكي، أعفى حيدر العبادي الفريق الركن عبد الأمير الشمري، قائد عمليات بغداد بالجيش، إضافة إلى مسؤولي الأمن والاستخبارات من مناصبهم، بعد أيام من تفجير “الكرادة”، الذي أودى بحياة 292 شخصًا، وقال بيان صادر عن مكتب العبادي، إن رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، أصدر أمرًا بإعفاء قائد عمليات بغداد، إضافة إلى مسؤولي الأمن والاستخبارات في العاصمة من مناصبهم”.

تفجير الكرادة

ويتزامن قرار الإعفاء مع ارتفاع عدد ضحايا التفجير الذي وقع وسط منطقة “الكرادة”، الأحد الماضي، إلى 292 شخصًا بينهم 177 شخصًا لم يتم التعرف على هوياتهم بسبب تعرضهم إلى حروق، وفق وزارة الصحة العراقية، كما يأتي بعد 3 أيام على استقالة وزير الداخلية، محمد الغبان، على خلفية التفجير نفسه.

وشهدت محافظة صلاح الدين، شمال البلاد، تفجيرات انتحارية استهدفت مرقدًا شيعيًا، ما أسفر عن مقتل 48 قتيلًا وإصابة 70 آخرين، في حصيلة أولية، وتبنى تنظيم “داعش” الهجوم على المرقد الشيعي، وقال إن ثلاثة انتحاريين بينهم امرأة نفّذوا الهجوم، الذي يعد الأعنف في العراق منذ الغزو، الذي أطاح بصدام حسين في العام 2003.

وخسر تنظيم الدولة كثيرا من الأراضي منذ العام الماضي، أمام القوات الحكومية التي تدعمها الولايات المتحدة، والفصائل الشيعية التي تدعمها إيران في المناطق التي يسيطر عليها شمال وغرب العراق، لكنه لا يزال قادرًا على تنفيذ هجمات في قلب العاصمة.

الأخطاء المتراكمة

وقال مسؤول أمني عراقي بارز، طلب عدم ذكر اسمه، إن إقالة قائد عمليات بغداد جاء نتيجة لأخطاء متراكمة لا يمكن غض البصر عنها”، مضيفا -طبقا لـ”رويترز”- أن القرار صعب للغاية، ويأتي في وقت حرج لأننا منشغلون بمعركة شرسة مع الدولة الإسلامية، لكن لا بد من اتخاذه بسبب الفشل الكارثي الذي حدث.

وأكد المسؤول، أن قائد العمليات المشتركة الفريق أول الركن طالب شغاتي يتولى مسؤولية الأمن في العاصمة بصورة مؤقتة، وتتولى قيادة العمليات المشتركة التنسيق بين القوات المسلحة العراقية والدعم الجوي، الذي يقدمه تحالف تتزعمه الولايات المتحدة في عمليات عسكرية ضد الدولة الإسلامية.

ضعف الوضع الأمني

وأضاف المسؤول الأمني، أن التفجير يمثل دليلًا واضحًا على ضعف الوضع الأمني في العاصمة، وأن السيارة الملغومة أتت من خارج العاصمة وعبرت عشرات السيطرات “نقاط التفتيش”، قبل أن تصل إلى الهدف، واستقال وزير الداخلية محمد الغبان، الثلاثاء الماضي، وألقى مسؤولية الهجوم على الافتقار للتواصل بين الأجهزة المتعددة المعنية بأمن العاصمة.

وانتقد المرجع الأعلى لشيعة العراق، آية الله علي السيستاني، فشل الحكومة في التعامل بشكل فعال مع خطر تنظيم الدولة، قائلًا في خطبة الجمعة التي تلاها ممثل له في مدينة كربلاء الشيعية جنوب بغداد، إن التهاون مع الفاسدين والفاشلين على حساب دماء وأرواح المواطنين أمر لا يطاق ولا بد من وضع حد له”.

مرقد محمد بن الإمام الهادي

ونوه وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، بأن الهجمات الانتحارية التي استهدفت مرقدًا شيعيًا بقضاء بلد، في محافظة صلاح الدين، جاءت نتيجة “تقصير أمني”.

وقال العبيدي، خلال مؤتمر صحفي عقده بموقع تفجير مرقد السيد محمد بن الإمام الهادي، إن هناك خرقًا أمنيًا حدث في قضاء بلد، وهناك تقصير من القوات الأمنية المكلفة بحماية المكان، تسبب بتمكن أربعة مسلحين انتحاريين من “داعش” من الوصول إلى بوابة المرقد، وهم يحملون أسلحة وقنابل يدوية، وتفجير أنفسهم في المكان، متسببين بخراب كبير.

وأضاف العبيدي، “حذرنا قبل العيد، من أن داعش سيلجأ إلى تحريك الخلايا النائمة له، في مختلف محافظات العراق؛ لمهاجمة الأهداف المدنية بعد خسارته للمعارك العسكرية خصوصًا في الفلوجة”.

توزيع المهام الأمنية

وتابع العبيدي “سنجري محاسبة شديدة لكل مقصر”، مشيرًا إلى أن هناك مشكلة كانت موجودة في قضاء بلد، تتعلق بعدم توزيع المهام الأمنية بين القوات المكلفة بحماية المكان، وأن الحادث كان من الممكن ألا يحدث لو كان هناك عملًا أمنيًا وتوزيعًا للمسؤوليات.

ودعا جميع القوات الأمنية، إلى الحذر واليقظة من تكرار هجمات “داعش”، في مختلف المدن، كردّ على الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية في مختلف المناطق خصوصًا في شمال البلاد وغربها.

المحافظات الشمالية والغربية

وقال المحلل السياسي العراقي “هشام الهاشمي”، المقيم في بغداد، إن الهجوم يزيد احتمالات تفاقم الصراع الطائفي في البلاد، ويشكل الشيعة غالبية سكان العراق لكن المحافظات الشمالية والغربية يغلب على سكانها السنة بما في ذلك محافظة صلاح الدين، حيث يوجد مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي، الذي تعرض للهجوم، وأمر رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر سرايا السلام التابعة له بالانتشار حول المرقد قرب قضاء بلد في محافظة صلاح الدين على بعد نحو 93 كيلومترا شمال بغداد.

وانتشرت سرايا السلام أيضًا في سامراء المجاورة، والتي تضم مرقد الإمام علي الهادي، الذي تعرض لهجوم في العام 2006، ودمّر “القبة الذهبية” للمرقد وفجر موجة من العنف الطائفي.

جواسيس لإرضاء رئاسة الوزراء

وقالت صحيفة “التايمز” في تقرير أعده شون أونيل بعنوان “الجواسيس الحريصون على إرضاء رئاسة الوزراء، خدعتهم مصادرهم”، واستهل الكاتب تقريره بالحديث عن تقرير أعدته الاستخبارات البريطانية (MI6) في الذكرى الأولى لأحداث سبتمبر، يتحدث عن تخطيط العراق لإنتاج واستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية.

وأكدت الصحيفة، أن التقرير كان هو ما يحتاجه رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، توني بلير، لتبرير المشاركة في الحرب ضد العراق، وتحدثت “التايمز” عن دائرة ضيقة وحميمة كانت مقربة من بلير أكثر من حكومتها، من ضمنها سير ريتشارد ديرلوف، مدير الاستخبارات الخارجية (MI6).

الاستخبارات المركزية الأمريكية

وأوضحت الصحيفة “أصبحت نوايا الولايات المتحدة بخصوص العراق واضحة، واتخذ بلير قراره بالانضمام إليها، وأنه لجأ للاستخبارات الخارجية من أجل المشورة حول الأسلحة التي يملكها صدام وإمكانياته، وتعاون جهاز (MI6) مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) بخصوص إمكانيات العراق وتسليحه، وخلال 3 أشهر كانت وكالة (MI6) أعدت 3 تقارير، كلها تصب في خانة التشجيع على الحرب”.

وذكر أحد مصادر المعلومات الاستخباراتية، أن العراق بنى مختبرات للأسلحة الكيماوية، ولأن بلير وبوش كانا مقتنعين أن الرئيس العراقي صدام حسين ضاعف أسلحته الفتاكة، التي استخدمها ضد الأكراد، فقد اتخذا القرار بغزو العراق.

بلير خدع الأمة

أما صحيفة “الجارديان”، قالت في تقرير لها عن لجنة “تشيلكوت” بعنوان “بلير خدع الأمة في حرب العراق.. وشيء مشابه يمكن أن يحدث مرة أخرى”، إن تقرير “تشيلكوت” رغم أنه تكلم بلهجة معتدلة، فإن الانتقادات التي وردت فيه قاتلة ومدمرة، مشيرة إلى أنها لا تتفق مع من يقولون، إن التقرير برّأ ساحة توني بلير.

الذهاب إلى الحرب

ورأت “الجارديان”، أن التقرير أوضح أمورًا، وإن لم يقلها صراحة، منها أن بلير عاهد جورج بوش على الذهاب إلى الحرب معه، قبل 8 أشهر من الحرب نفسها، وأن الحرب لم تكن الملاذ الأخير، وأن الجهود الدبلوماسية لم تكن فشلت بالكامل، علاوة على أن النصائح والاستشارات القانونية لم يتم الإنصات لها.

وخلصت الصحيفة إلى أن كل هذه الأمور تؤكد، أن بلير لم يكن أمينًا في تواصله، والمعلومات التي قدمها لكل من حكومته أو البرلمان أو حتى الشعب البريطاني، مضيفة “قراءة التقرير أعادت إلى مشاعر قديمة، بعد التأكد واختلاط الأفكار والقلق”.

بريطانيا التابعة

وأضافت “الجارديان”، أن بريطانيا كانت تابعة لأمريكا في الحرب، وأن تقرير “تشيلكوت” أوضح أن بريطانيا كان تأثيرها ضعيفا، إن كان موجودًا أصلًا، في عملية صنع القرار، سواء في قرار شن الحرب أو حل حزب البعث أو تفكيك الجيش العراقي.

وقالت إن هذه القرارات قطعت أوصال المؤسسات الإدارية العراقية، وآلت في النهاية إلى تفشي الفوضى وانعدام الأمن، خلال فترة الغزو والفترة التي تلتها، وهو ما سبب صدمة للعراقيين، الذين كانوا يأملون في الأفضل، بعد التخلص من صدام حسين.

ونوّهت بأن خلاصة كل هذا الخداع والفشل هي معاناة العراقيين المستمرة حتى الآن، ما يدفع البريطانيين إلى طاطأة أعناقهم في خجل.

عبداللطيف التركي – التقرير