نصرالله.. كارت محروق

نصرالله.. كارت محروق

Hassan-Nasrallah

بعد أيام قليلة تحل الذكرى العاشرة للحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، في أعقاب هجوم نفذه حزب الله اللبنانى وأسر خلاله جنديين إسرائيليين، في ذلك الوقت كانت القضية الفلسطينية لا تزال تتصدر وهج الإعلام العربى ويلتف حولها التعاطف الشعبى، كانت القضية في بؤرة الاهتمام حتى ولو باليسير من الجهد، وكان حزب الله بمثابة الأمل في قوة عربية مقاومة للاحتلال الإسرائيلى ترفع راية النضال والعمل المسلح رغم عدم التكافؤ في القوة والعتاد، غير أن حزب الله كان له بريق آسر لقلوب الشعوب العربية لأنه كان يعبر عن مكنون ذاتهم ونبضهم في مجابهة إسرائيل التي كاد أن يطمسه خنوع الأنظمة وجنوحها للتطبيع تحت عنوان السلام.

حزب الله كان يتصدر مانشيتات الصحف العربية والاجنبية وحتى العبرية، قام بعمليات نوعية ضد جيش الاحتلال جعلت منه ايقونة لمقاومة كادت أن تختفى من القاموس السياسى العربى، أو على أقل تقدير تتوارى إلى أن تندثر، ومع كل صيحة انتقام كانت تنفذها المقاومة اللبنانية وحوب الله ضد الجيش الاسرائيلى أثناء الحرب، كانت السماء ترعد بالهتاف والتكبير معلنة التأييد لحسن نصرالله ورفاقه في المقاومة، ورغم أن الحرب كان لها أثمانها الباهظة على لبنان واللبنانيين، وكان لها أيضا معارضوها، غير أن الالتفاف الشعبى العربى كأن الأكثر وضوحا في المعادلة، وكانت الأصوات المؤيدة لحزب الله أكثر ارتفاعا وصخبا.

الآن وبعد مرور عشر سنوات على الحرب كثر خلالها الجدل والانتقاد والتحليل حول جدواها ومن الكاسب والخاسر فيها، تغيرت الخريطة وطفا على معالم جغرافيا المنطقة العربية مستجدات خطيرة وعلى سياسات الدول منعطفات حادة وعلى حماس الشعوب خفوت ملحوظ وصل لحد اللامبالاة، فالربيع العربى الذي ضرب عصب المنطقة العربية بأسرها مثل إعصار أجهز على الأخضر واليابس، غير ملامح العلاقات السياسية بين الدول تماما مثلما غير ملامح الجغرافيا، ومع حلول ذكرى الحرب العاشرة وتقارير وتحليلات إسرائيلية تتحدث عن أنها كانت فشلا مدويا، وحديث هامس عن حرب قادمة، إلا أن الواقع يؤكد وجود ردع متبادل وأن حربا جديدة ستكون كارثة على الجميع بما في ذلك إسرائيل.

ومع ذلك لايزال الإسرائيليون يوجهون انتقادات للجيش والحكومة بسبب أدائهما خلال هذه الحرب التي سقط خلالها أكثر من مئة صاروخ يوميا على إسرائيل إضافة إلى إخفاقات الجيش الذي وصف زورا بأنه «الجيش الذي لا يقهر أبدا»، وجاءت الحرب لتدحض هذه الخرافة وتعرى سوءة جيش الاحتلال الإسرائيلى وتثبت أن القوة ليست بالعتاد، بل الإيمان بعدالة ما نحارب من أجله ونضحى بالغالى والنفيس في سبيل تحقيقه، فما الذي تغير خلال السنوات العشر؟

المتغيرات كثيرة ومتشابكة سقطت أنظمة وارتقت أخرى، انهارت دول واعتلى عروشها الإرهاب وتكالبت دول أخرى على جاراتها لتنفذ أجندات خارجية تمنحها هامشا من التحرك بحرية لتكون خارج بؤرة الخطر، سيطر الإسلام السياسى على دول وتحولت إلى ساحات حروب ضارية، والتهمت شعوبها في وجبات طازجة كان يجهزها مطبخ الدول الكبرى، تاركة مخلفاتها من الهدم والتدمير والتشرذم والأخطر تفتييت وحدتها وارتكانها إلى الطائفية، ولا أعتقد أن حزب الله الذي كان يحظى بالتأييد والإعجاب مازال يمسك بخيوط اللعبة، فقد أصبح في بؤرة الجدل والهجوم والتشكيك في ظل عنفوان الحرب الدائرة في سوريا، أصبح ينظر له بعين الريبة بعد أن تغيرت تحالفاته وانحرف مسار سياساته، أصبح يغرد خارج السرب بعد أن ضرب زلزال الطائفية المنطقة العربية برمتها فدمر بنيتها التحتية وفرق بين شعوبها، وبدأ التعامل على الهوية، انفض الإجماع حول المقاومة وأصبح لها أكثر من معنى وتفسير، ولو قدر لحزب الله أن يخوض معركة جديدة ضد إسرائيل لن يلقى الحفاوة أو التأييد الذي كان يحظى به في حرب 2006 التي كان وقودها الشعب وليس النظام، أصبح حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله كارتا محروقا تتقاذفه الأيدى يمينا وشمالا، ويكفى أن تراهن إسرائيل على أن حربا قادمة مع حزب الله قد تكون في مصلحة تل أبيب خاصة وأن حزب الله منشغل بالحرب الدائرة في سوريا، ومشاركته في الحرب في سوريا قد غيرت من طبيعته، وبالتالى فإن الأولوية بالنسبة لحزب الله وإيران الداعم الرئيسى له هي الحفاظ على نظام بشار الأسد، ومن شأن فتح جبهة مع إسرائيل أن يصرف حزب الله جل جهوده عن سوريا، والخسائر التي سيتكبدها حزب الله في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلى ستضعف سيطرة النظام السورى وايران في الأجزاء التي بقيت تحت سيطرتهم بالإضافة إلى تعرض حزب الله لانتقادات وهجوم شرس من جانب خصومه ومعارضيه في لبنان.

ويظل الأهم والأخطر أن جذوة المقاومة التي كان يدغدغ بها حزب الله مشاعر الشعوب العربية قد تآكلت ولم يعد لها الصدى الذي كان، وأى حرب محتملة يخوضها حسن نصرالله مع إسرائيل لن تحدث التأثير الذي يعزف على مشاعر الناس التي طالما جمع بينها وبين إسرائيل كره عتيد وثأر لابد من أخذه مهما طال الزمن، لأن تسارع القفزات السياسية التي غيرت استراتيجية المنطقة العربية ومن ثم تغير التحالفات وتبدل الاهتمامات جعل من أيقونة المقاومة جمرة نار ربما يحترق بها الجميع.

جيهان فوزي

*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”.