يقول بلير إن الشرق الأوسط أصبح أفضل حالا بعد صدام.. هل هذا صحيح؟

يقول بلير إن الشرق الأوسط أصبح أفضل حالا بعد صدام.. هل هذا صحيح؟

بلير

مع أوضاع اليمن وليبيا اللتين مزقتهما الحرب، والصراع المتواصل منذ خمس سنوات في سورية، وآفاق السلام التي أصبحت البعيدة بين إسرائيل وفلسطين، كم يمكن أن تكون مزاعم توني بلير حول صواب الحرب الغربية في العراق معقولة؟
*   *   *
في محاولته الرد على الانتقادات التي حفل بها تقرير “شيلكوت” عن الحرب في العراق، قال توني بلير مراراً وتكراراً إن العالم والشرق الأوسط كان يمكن أن يكونا أكثر سوءا مما هما الآن بكثير لو لم تتم الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.
وقال رئيس الوزراء السابق في مقابلة مع برنامج “اليوم” الذي تذيعه القناة الرابعة في راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) يوم الخميس: “أعتقد بصدق أننا كنا لنصبح في وضع أسوأ لو أننا لم نتصرف. لا أعتقد أن ذلك النضال كان عبثاً في نهاية المطاف”.
وفي حين أن من المستحيل معرفة ما الذي كان ليحدث لو أن صدام حسين بقي في السلطة، فإن من الممكن اختبار دفوع بلير على أساس الأدلة المتعلقة بالإرهاب العالمي، والوضع القائم في العراق، والاضطراب الكبير السائد في الشرق الأوسط.
الإرهاب العالمي
تقول الإحصائيات التي أقرتها وزارة الخارجية الأميركية إن الحوادث والوفيات المتصلة بالإرهاب العالمي قد تصاعدت باطراد في الفترة ما بين العامين 2004 و2007، وهبطت ما بين العامين 2008 و2012، ثم صعدت مرة أخرى في العام 2013، ثم تضاعفت تقريباً في العام 2014 ليصل عدد الوفيات إلى 32.727. وفي العام 2015، هبطت الوفيات الناجمة عن النشاط الإرهابي بنسبة 14 في المائة. ووقعت أكثر من 55 في المائة من الهجمات الإرهابية التي شهدها العام 2015 في خمسة بلدان: العراق، باكستان، الهند، أفغانستان ونيجيريا.
العراق
تُظهر الإحصائيات نفسها أن أكبر عدد من الهجمات الإرهابية التي وقعت خلال العام 2014 كانت -وبهامش كبير- في العراق. وقد تزامن ارتفاع العدد مع توسع مجموعة “الدولة الإسلامية”. ويوثق تقرير شيلكوت تحذيرات كانت صدرت في فترة ما قبل الحرب من مخاطر تصاعد الإرهاب الذي تمارسه المجموعات الإرهابية السنية، بما في ذلك المجموعة التابعة للقاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، والتي كانت سلف “داعش”.
ويُنظر الآن إلى حكومة حيدر العبادي الحالية في بغداد على أنها طائفية وفاسدة بشكل كبير. ويشعر الأكراد، الذين يتمتعون بشبه استقلال في الشمال، بسعادة نسبية، ولو أنهم مشتبكون الآن في قتال مع “داعش”.
النفوذ الإيراني/ الطائفية
تصاعد النفوذ الإيراني في العراق بشكل ملحوظ منذ العام 2003، كما تنبأت لجنة الاستخبارات المشتركة في المملكة المتحدة. وعمل هذا النفوذ على تأجيج التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في كل أنحاء المنطقة؛ حيث تقود العربية السعودية السنية المدعومة من الولايات المتحدة المعسكر المقابل. ويمتلئ تقرير شيلكوت بالإحالات إلى الدور الذي تلعبه قوات الحرس الثوري الإيراني في العراق، بما في ذلك قوة القدس النخبوية التابعة له. كما تعمل إيران بشكل وثيق مع الميليشيات الشيعية العراقية التي تواجه اتهامات مستمرة بارتكاب فظائع ضد المسلمين السنة.
الربيع العربي
في استعراضه لأحوال الشرق الأوسط اليوم، قال بلير: “إن الصراع الذي يدور الآن… له كل الصلة بـ(هذا السؤال): هل يمكن لهذه الدول أن تتحول لتصبح في النهاية مجتمعات متسامحة دينياً وتعددية… واقتصادات وديمقراطيات تستند إلى القواعد؟ كانت لإطاحتنا بصدام عواقب وخيمة لم نتوقعها… لكنني عندما أنظر (إلى المنطقة) اليوم، أجد أننا انتقلنا فعلياً بالمكان الذي سيكمن فيه جوهر المستقبل”.
لكن المستقبل مرئي بالكاد في الوقت الراهن. فقد شهدت انتفاضات العام 2011 الإطاحة بأربعة قادة عرب -في تونس، ومصر، وليبيا واليمن. ومع الاستثناء الجزئي للحالة التونسية، فإن أياً من هذه الدول ليست في حالة أفضل مما كانت عليه في السابق. وقد أصبحت ليبيا واليمن اللتين دمرتهما الحرب في وضع أسوأ بكثير. ولا تروق للخبراء الأسئلة المناقضة للحقائق الواقعية، أو من نوع “ماذا لو”، ولذلك يستحيل الحكم على وجهة نظر بلير المعقولة -ولو أنها تخمينية في أحسن الأحوال- والقائلة إن صدام حسين كان ليسحق المعارضة لو أنه ظل في السلطة.
يقول العراقيون أنفسهم في كثير من الأحيان إنهم يتمنون لو أن الدكتاتور السابق ما يزال في السلطة، لأن ذلك نفسه سيكون أفضل من الفوضى والبؤس الحاليين. ويرفض معظم الأكاديميين أي علاقة سببية بين الإطاحة بصدام حسين وبين حالات التقدم قصيرة الأمد التي جلبها الربيع العربي. والآن، يعاني التسامح الديني والديمقراطية والتعددية من نقص حاد في المعروض في كل مكان، وبشكل خاص في العربية السعودية؛ الحليف الرئيسي للولايات المتحدة وبريطانيا.
سورية
تساءل بلير في المقابلة: “هل نحن أفضل حالاً في سورية مما نحن في العراق؟”، تستطيع الإحصائيات الأولية أن تقدم إجابات خام وسطحية. وتقول حصيلة الخسائر العراقية إن 241.000 عراقي قتلوا خلال الفترة ما بين آذار (مارس) 2003 وحتى نهاية العام الماضي. ووفقاً لآخر التقديرات، فإن 470.000 شخص قتلوا في سورية، وإن نصف مليون من سكانها أصبحوا بلا مأوى منذ العام 2011.
لكن من المقبول على نطاق واسع أيضاً أن “داعش”، الذي يدير الآن “خلافة” معلنة ذاتياً تمتد في كلا البلدين، قد تمكن من التوسع بسبب وضع ما بعد الحرب في العراق، وأصبح لاعباً قاتلاً في الحرب السورية. ويُحال السبب في غياب السياسات الأميركية والغربية المتساوقة والمناسبة في سورية على نطاق واسع، مقارنة بالدعم الحازم الذي يتلقاه بشار الأسد من روسيا وإيران، إلى فقدان التدخل الغربي مصداقيته بسبب حرب العام 2003 في العراق.
إسرائيل وفلسطين
كان بلير بذل جهداً يعتد به لضمان تعزيز الحجة لصالح شن الحرب في العراق بالتزام من الولايات المتحدة بإعادة استئناف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، وهي قضية تم تحديدها –عن حق- باعتبارها مصدراً أساسياً لمشاعر الاستياء المناهضة للغرب في العالمين العربي والمسلم. وكان بلير أخبر بوش بأن هذه القضية ستكون ذات “أثر هائل على أوروبا والعالم العربي”، لكنها لم تحرز أي تقدم يُذكر. وقد وقعت ثلاث حروب في غزة وواحدة في لبنان منذ العام 2003، وأصبحت احتمالات السلام الإسرائيلي-الفلسطيني الآن بعيدة جداً.
موقف الولايات المتحدة
عمل التأثير طويل الأمد للحرب العراقية والأزمة السورية الحالية على تقويض موقف الولايات المتحدة في العالم العربي؛ حيث يُعامل الرئيس باراك أوباما بما يُشبه الازدراء بسبب جهوده للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. كما يُنظر إلى بريطانيا على أنها شريك صغير غير فعال لولايات متحدة فاقدة للمصداقية هي الأخرى.

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 صحيفة الغد