قطاع النفط العراقي :الفساد الأكبر في تاريخ البلاد

قطاع النفط العراقي :الفساد الأكبر في تاريخ البلاد

OIL.IRAQ

بلا شك يعد قطاع النفط العراقي هو روح الاقتصاد وشريانه ،ويشكل المصدر الرئيسي  للموازنة ويشكل اكثر من 95% من ايرادات الدولة العراقية ،ومع ذلك فالفساد في القطاع النفطي العراقي بمستويات قياسية بلغت مليارات الدولارات .

سيل الفساد في قطاع النفط العراقي  لا ينضب، حال باقي ثروات العراق التي تعرّضت لأبشع عمليات السرقة منذ العام 2003 ، وأدت إلى أن يتحوّل العراق،. ليصبح اليوم عاجزاً مالياً يواجه خطر عدم القدرة حتى على دفع رواتب الموظفين الحكوميين.

وتشير التقديرات ان العراق يمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بحوالي 143 مليار برميل و أن هناك من 50 إلى 200 مليار برميل لم يتم اكتشافها بعد، ما يجعل العراق أكبر سوق غير مستكشفة في العالم.

في مقالاتنا السابقة تناولنا ملف جولات التراخيص في العراق والذي يعتبر من اكبر عمليات السرقة والنهب في تاريخ العراق ،وكذلك يعتبر اكبر كارثة حلت بالعراق واقتصاده, لكن اوضاع الفوضى التي حلت بالعراق ،والتي سعت اطراف داخلية الى تأجيجها حالت دون الكشف عنها او تسليط الضوء عليها ،فكانت تحصل بسبب الاقصاء الممنهج للشخصيات الوطنية ،واغراق البلاد بأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية لتشكل ستارا يحجب الانظار عن هذه التجاوزات والسرقات في الدولة العراقية والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات .

وتشير التقارير الى ان خسائر العراق من النفط المهرب والمصدّر بطرق غير شرعية إلى الخارج منذ عام 2003 قدرت بحوالي 120 مليار دولار.

وهنا نذكر التحقيق الاستقصائي الذي أجراه “فيرفاكس ميديا” و”هافينغتن بوست” والذي كشف “عن آلاف الوثائق” وضياع أكثر من نصف تريليون دولار من أموال الدولة العراقية خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بصفقات فساد تحت غطاء عقود نفطية شملت مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى. وتقدر قيمة هذه الأموال بأكثر من نصف الريع النفطي بين 2003 و2015 المقدر بـ 800 بليون دولار.

ولا عجب ان تضع منظمات الشفافية الدولية العراق في مصاف دول كنيجيريا، التي تعد أكثر الأقطار فساداً في مجال الصناعات النفطية.

وتواجه وزارة النفط  انتقادات حول السياسة التصديرية ،حيث تعمل في بعض الاحيان على ايقاف بعض وحدات التصفية في بعض  المصافي لغرض زيادة كميات التصدير على حساب التصفية ويدل على ذلك تفاوت كميات الانتاج و معدل التصدير في بعض الاشهر  .

اما الدستور العراقي، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2005،فقد نص على أن ملكية النفط تعود إلى العراقيين جميعا، لكن لم يحدد كيفية تقسيم ثرواته. وفي محاولة لتحديد كيفية توزيع الأموال، تم وضع قانون النفط والغاز الوطني، الذي ظهر في عام 2007، ومع ذلك فلاتزال جميع المسودات المختلفة عاجزة عن حل النزاعات بين المناطق المنتجة النفطية وغير النفطية، ولا يزال القانون في انتظار موافقة البرلمان بعد تسع سنوات.

وقد افرز غياب التشريع الحقيقي للنفط والغاز الى العديد من الازمات بين حكومة بغداد وحكومة اقليم كردستان العراق وهو ما يعترض عليه اقليم كردستان ويطالب بضرورة تشريع قانون وفقا لدستور 2005 ووفقا للنظام الاتحادي .

  ولا يتوقف الامر على وزارة النفط بل يتعداه الى احد اهم الفاعلين في صناعة النفط العراقية وهي شركة تسويق النفط العراقية (سومو) ويتساءل المراقبون عن الأسباب التي تقف وراء هذا الغموض الكبير في شركة سومو التي تعتبر الشريان الرئيسي للاقتصاد العراقي، فلا يعرف حتى الآن كيف تتم عملية الشراء من الشركات العالمية ، ولماذا لم يتم الكشف عمل الشركة التي تدير عقودا مالية وصفقات تجارية بمئة مليار دولار سنويا، في البرلمان العراقي على الرغم من مطالبات بهذا الخصوص من العديد من البرلمانين، ولم يتم استضافة أي مسؤول في الشركة أمام البرلمان العراقي لمحاسبته أو حتى الحديث معه عن العقود التجارية والمالية الكبيرة التي تديرها هذه الشركة.

ويتعدى هذا الاهمال وغياب الرقابة الى حقول النفط حيث ينتج العراق نحو 1.86 بليون قدم مكعبة يومياً من الغاز المصاحب للنفط بحسب الإحصاءات لعام 2015 ، لكن نحو 1.3 بليون قدم مكعبة منها تُحرق يومياً لعدم توافر منشآت المعالجة اللازمة لاستغلال الغاز واستعماله في مجالات عديدة مثل توليد الكهرباء وكوقود لمصانع الإسمنت والأسمدة والبتروكيماويات، ويعد العراق رابع أكثر دولة تحرق الغاز في العالم حسب إحصاءات عام 2011.

قبل بضع اشهر افتتحت شركة “شل” الهولندية في العراق المرحلة الأولى من مشروع معالجة الغاز المصاحب في حقل مجنون النفطي الجنوبي بكلفة تصل الى 17 مليار دولار لدعم الطاقة في البلاد ، الا ان هذه الاتفاق تدور الشكوك حوله بسبب نسبة الشركات الاجنبية (شل) البالغة 44% وميتسوبيشي ٥٪نسبة وغاز الجنوب ٥١٪ وهو ما يرى الخبراء بأنها اكثر مما تستحق هذه الشركات  .

وكشفت تقارير ان العراق يخسر7 ملايين دولار يومياً بسبب ما يتم حرقه من الحقول الجنوبية دون الاستفادة منه. ويحرق ما يقارب 700 مليار قدم مكعب قياسي من الغاز يومياً في حقوله النفطية.

الحديث عن قطاع النفط وما لحق به من اضرار نتيجة الفساد ،لايمكن حصره بمقال واحد بل يحتاج الى كتابات معمقة وطويلة ،فحتى تاريخ كتابة هذه الكلمات هناك صفقات وسرقات تدور داخل اروقة المؤسسات المسؤولة عن هذا القطاع الضخم ، وما خفي كان اعظم!!

قطاع النفط العراقي اليوم يعاني من اثار الفساد الذي اطبق على كافة مفاصل الحياة في العراق ،وباتت المحاصصة وغياب المهنية معول هدم لأي نمو مستقبلي ،وبات النفط يشكل نقمة على العراق وأهله ، ناهيك عن الاوضاع المالية المنهارة بسبب العجز الذي رافق الموازنات السنوية ،يرافق ذلك غياب التنمية واستفحال الازمات وترحيلها على مدى السنوات الماضية ،واللجوء الى الاقتراض من المؤسسات الدولية ،يضاف الى ذلك غياب الامن والمواجهة مع تنظيم داعش ،وهو ما جعل العراق اليوم على شفا حافة الانهيار الاقتصادي بسبب هذه التراكمات ،ولم ولن يتوقف هذا الفساد عند هذا الحد خصوصا مع غياب الرقابة والجدية في مواجهة الفساد ومافياته التي تعمل دون رقيب أو حسيب!!.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

Save

Save

Save