ألف ‘أشرف’ لإسقاط نظام ولاية الفقيه

ألف ‘أشرف’ لإسقاط نظام ولاية الفقيه

10603651-og

يعتقد الكثيرون أن كلمة العمالة أو العميل مسيئة، حين ترتبط بالأفراد أو الأحزاب أو الحكومات، وهي فعلا كذلك، لكنها تفتح بابا للمحاججة والجدل أمام الذين يرفضون مثالب التبعية للأجنبي أو للغير، فكرا أو تمويلا أو حتى دعما معنويا؛ لكنّ حزبا مثل حزب الدعوة الحاكم في العراق، يبدو أن كلمة العمالة لنظام ولي الفقيه في إيران تضيف له شرفا يتباهى به ويفخر، بل إن شخصياته النافذة تصرح بذلك علنا، كما تفعل بعض زعامات الميليشيات التابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني، وهي ميليشيات بعناوين مختلفة وجغرافيا مختلفة أيضا، وما هي في الحقيقة إلا فروع للحرس الثوري.

النظامان الحاكمان في سوريا والعراق، كلاهما عميل لنظام ولاية الفقيه، وليس جديدا اصطفاف حاكم سوريا إلى جانب الخميني في حربه ضد العراق، وضد الشعب السوري وأكملها وريثه في الحكم بالمأساة التي بيننا؛ أما النظام الحالي في العراق فلا يمكن توصيف وجوده على رأس السلطة إلا بهدية، أو كما يقول الإخوة في بعض بلداننا العربية “تقدمة” أميركية جاهزة لملالي طهران، تقرّبا وتزلفا سياسيا واقتصاديا من أجل أهواء ومصالح دولية باتت معروفة.

ومن منطلق الأفعال لا الأقوال، تنفذ أدوات الحرس الثوري في العراق، ممارسات سلطوية مباشرة أو بمجاميعها المسلحة، ضربات متفاوتة التأثير على معسكر “ليبرتي” في بغداد الذي تحتجز فيه أعداد من المعارضة الإيرانية الذين تم نقلهم من معسكر أشرف، بعد الاجتياح الدموي الذي تجاسرت عليه حكومة نوري المالكي وحرسها الثوري العراقي.

زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي، وفي مؤتمرها السنوي المنعقد مؤخرا بباريس، أكدت في أكثر من مرة على كلمة “ألف أشرف” في بداية كل فقرات خطابها، وهي تعني أن المقاومة مستمرة وأن معسكر أشرف تحول إلى ألف معسكر، في إشارة إلى السلوك المشين الذي تعرض له سكان المعسكر من قتل وتعذيب وإهانات بالغة على مرآى من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم.

معسكر أشرف، لمن غابت عنه المعلومة أو الحقائق؛ مدينة مصغّرة تقع شمال بغداد قريبة من قضاء الخالص؛ وبعد الاحتلال تم نزع السلاح فيها كليا بما في ذلك الأسلحة الشخصية، ووضع المعسكر تحت الحماية الأميركية مباشرة، ومنع السكان فيه من الخروج والدخول إلا بإذن ومعرفة القوات الأميركية.

تسمية أشرف نسبة إلى اسم الشهيدة زوجة مسعود رجوي زعيم المعارضة الإيرانية والذي أعلن عن وفاته في المؤتمر بإشارة من الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في كلمته المعبرة عن عمق التلاقي الحضاري بين إيران والعرب وبما يمهد للتغيير الحتمي في إيران والخلاص من نظام الملالي وخراب صادراته إلى جيرانه العرب؛ أشرف، سيدة اغتالها حرس ثورة خميني، كرمتها المقاومة الإيرانية “مجاهدي خلق” بإطلاق اسمها على معسكرها؛ أما كلمة خلق فمعناها شعب، أي مجاهدي الشعب.

منظمة مجاهدي خلق، وَجَدت في الأرض العراقية مجاورة جغرافية للأرض الإيرانية وقربا لوجيستيا ومعنويا من وطنها الأم، وكانت لظروف الحرب الإيرانية العراقية فائدة مزدوجة للطرفين العراقي وأهداف المنظمة، لإلحاق الأذى والخسائر بصفوف نظام الملالي؛ ورغم توقف حرب الثماني سنوات ومعها طبعا توقفت العمليات المسلحة للمنظمة عبر الحدود، وهو التزام أملته اتفاقية وقف إطلاق النار بين العراق وإيران؛ لكن النظام الحاكم في إيران خرق الأجواء العراقية في زمن الحصار وقصف المعسكر أكثر من مرة لإلحاق الأذى بالمعارضين، متجاوزا كعادته كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

الحكومة العراقية من جانبها وبعد وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1988 أقدمت على غلق مقرات منظمة مجاهدي خلق في بغداد وغيرها، وحددت مكانا خارج المدن ووفرت لها مستلزمات العيش والحماية الممكنة، تلافيا لاستهدافها في عمليات يشنها عملاء النظام وسط العاصمة بغداد.

معسكر أشرف، مدينة فيها شوارع ومنشآت خدمية للماء والكهرباء والصيانة وتفاصيل عمل دؤوب لمجموعة من الرجال والنساء نذروا أنفسهم لخدمة قضيتهم وإنقاذ وطنهم وشعبهم من أبشع أنواع الاستبداد الديني والطائفي والسياسي؛ وغالبيتهم ممن تركوا أوطانهم البديلة وأسرهم وحياتهم المرفهة للالتحاق بواجبهم الوطني، منهم الأطباء والمهندسون والمحامون والأدباء والمثقفون والفنانون؛ الجميع تنازل عن حياته الشخصية. وشروط الانتماء لمجاهدي خلق داخل معسكر أشرف، مثال عظيم لنزوع الثوار وتضحياتهم من أجل أهدافهم السامية؛ وبين صفوفهم متزوجون ولكنهم منفصلون تماما في المعسكر، ولذلك لا يوجد أطفال أو حياة عائلية، وما ينسب لهم من مشاهدات أطفال فهي لمواجهات مع عوائلهم يستغلون الزيارات وأفواج السياحة الدينية للوصول إليهم.

النظام الحاكم العميل لملالي طهران في العراق، وضع نصب عينيه منذ بداية الاحتلال، القضاء على معسكر أشرف وكل من يعارض ولاية الفقيه، وانتظروا الفرصة بفارغ الصبر؛ وكان لهم ما أرادوا عندما تخلت القوات المحتلة الأميركية عن مسؤوليتها وتعهدها وسلمت مجاهدي خلق إلى الحكومة العراقية “المنتخبة” وحدثت المجزرة، وقتل العزّل من سكان أشرف ضربا ودهسا بالعجلات المدرعة، وتم نقل الناجين إلى معسكر “ليبرتي” قرب مطار بغداد، في انتظار طويل تحت أقسى وسائل التنكيل، على أمل نقلهم إلى دولة ثالثة.

قرار إزالة معسكر أشرف كان حتميا، تبرره عمالة نظام الحكم في العراق “الشرعية” لولاية خامنئي؛ فالمعسكر كان يحتوي على متحف كبير يضم شواهد موثقة بالصور والمواد العينية لجرائم النظام الإيراني ومجازره ضد معارضيه من النساء والرجال والأطفال، وطرق التشهير والإعدام وابتكار وسائل التعذيب والموت والتفنن فيها لأسباب تافهة تتعلق بأبسط حقوق الحريات الشخصية للإنسان، وأدلة ملموسة لبشاعات كانت معروضة للمنظمات والشخصيات التي زارت المتحف واطلعت عليه وسجلت ووثقت ممارسات النظام الوحشية بحق الأبرياء من الشعب الإيراني؛ إضافة إلى أن كل فرد من المتطوعين في مجاهدي خلق له قصة معاناة وعذابات وتضحيات تقترب من الخيال، وتتطابق مع صورة الفوضى والهمجية والتقزز والتطرف وصادرات شعار القدس وطريق القدس وفيلق القدس وثورة حرس ولاية الفقيه وفروعها لصناعة الإرهاب.

الأشد وقعا من متحف التوثيق في المعسكر، هو نشاط الاتصالات والمعلومات الدقيقة لفضح تحركات أجهزة نظام الملالي ونشرها بتوقيتاتها وأسماء منفذي الجرائم وضحاياها داخل إيران وخارجها، وتشمل عمليات اختطاف واستهداف أماكن وتفجيرات واغتيالات في العراق تحديدا، والتحذير من مخططات، ومتابعة دخول وخروج الشخصيات في الزيارات غير المعلنة والكشف عن خفايا العلاقات وما ينتج عنها من أفعال على الأرض.

مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية، وجهٌ آخر للأمل بزوال نظام الملالي في طهران، وجولة أكثر وضوحا لإصرار شعوب المنطقة على العمل مع جميع الشعوب الإيرانية لإعادة السلام والأمن والتعاون المشترك.

حضرت المؤتمر شخصيات عربية ودولية، والآلاف من وجوه المعارضة والمنظمات والجمعيات، اتفقوا جميعا على إدانة دور النظام الحاكم في إيران، لإشعاله الحروب الطائفية وإنتاج الإرهاب من خلال ممارسات عملائه وحرسه الثوري.

ما نلفت النظر إليه هو ضرورة انسجام المقاومة الإيرانية أو المعارضة الإيرانية التي تمثلها مجاهدي خلق، مع حركات التحرر في الأحواز وبلوشستان وخراسان وأذربيجان، والمقاومة الكردية الفاعلة والمقاومة التركمانية وغيرها من مكونات متباينة في ظروفها وأهدافها، ومنها نشاط الأحزاب المختلفة في ميولها السياسية؛ التقارب والحوار سيؤمنان عناصر الثقة ويمدان الثورة بالقوة وتحديد الأولويات وتكثيف الجهود لتغيير النظام، من أجل إيران حرة.

مؤتمر باريس للمعارضة الإيرانية، يصلح لأن يكون درسا مفيدا في تجربة الإعداد ورسم السياسات لأي مؤتمر للمعارضة ومنها المعارضة العراقية بكل توجهاتها وفصائلها التي كان يجب عليها حضور المؤتمر، وكذلك المعارضة السورية، وضرورة توحيد المواقف والعمل المشترك، لأن مصير المنطقة وشعوبها في خندق واحد.

حامد الكيلاني

نقلا عن العرب اللندنية