الاعتذار التركي: ماذا وراء دفء العلاقات الجديد مع روسيا؟

الاعتذار التركي: ماذا وراء دفء العلاقات الجديد مع روسيا؟

5785d9327ff6b

في تحول واضح، أعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن أسفه لإسقاط بلاده طائرة مقاتلة روسية في العام الماضي. لكن الأقل وضوحاً هو ما إذا كانت خطوته هذه تشير إلى تحول طويل الأجل في التحالفات الإقليمية.
*   *   *
إسطنبول، تركيا- تحركت الأزمة الدبلوماسية بسرعة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما قامت تركيا بإسقاط طائرة مقاتلة روسية، بعد اتهامها بانتهاك المجال الجوي التركي خلال جولة قصف في سورية.
وعقب ذلك مباشرة، انخفضت السياحة الروسية في المنتجعات التركية الشهيرة على ساحل البحر المتوسط بنسبة 92 في المائة. وفُرضت عقوبات على الزراعة التركية. وتبادل كبار المسؤولين في كلا البلدين خطابات لاذعة لا هوادة فيها. وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “الطغمة الحاكمة” في تركيا ارتكبت “جريمة حرب سافرة”، وقال: “سوف نستمر في تذكُّر ما فعلوه. وسوف يستمرون في الندم عليه”.
لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعث برسالة إلى السيد بوتين في الأسبوع الماضي، بعد عدد من الإيماءات والذهاب والإياب، وأعرب فيها عن أسفه لإسقاط الطائرة الروسية -واستخدم عبارة “أنا آسف”، وفقاً للكرملين. وبالسرعة نفسها التي بدأت بها الأزمة، تسير المصالحة الجارية أيضاً كجزء من هجوم سحرٍ تركي أوسع نطاقاً، والذي يشمل إسرائيل -بل وحتى مصر.
الذي على المحك بالنسبة لتركيا هو أكثر من مجرد آلاف الروس الذين يستحمون بالشمس. وتهدف هذه البراغماتية التركية الجديدة إلى تخفيف عزلة البلاد ونزع فتيل العديد من التوترات التي تواجهها في المنطقة -حتى بينما تحلم، مثل روسيا، بإقامة تحالفات إقليمية فضفاضة يمكن أن تخدم مصالحها الخاصة. ويقول السيد أردوغان إن خطوات المصالحة “تقوم على مبدأ الكسب المشترك لجميع الأطراف”.
لكن السؤال هو ما إذا كانت محاولة تركيا استعادة الصداقات تشكل جهداً تكتيكياً أم استراتيجياً، حتى في حين تمثل -وفق معظم الحسابات- تقدماً دبلوماسياً في جوار يمزقه الإرهاب والطائفية.
يرى فادي حاكورة، خبير الشأن التركي في معهد تشاتام هاوس البحثي في لندن، واقعية واضحة الرؤية قيد العمل في الجهد التركي. ويقول إن “التغيير الحقيقي” التركي يجيء نتيجة للتحديات الاقتصادية، و”حقيقة أن قدرة تركيا على التأثير في الحكم في سورية قد انهزمت فعلياً أمام قدرة روسيا -وكذلك عزلتها الإقليمية (الخاصة)”.
ما تزال تركيا وروسيا تحملان وجهات نظر متعارضة تماماً حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد -حيث يريد أردوغان ذهابه ويدعم المتمردين المناهضين لنظامه، في حين عمدت روسيا إلى نشر قواتها العسكرية من أجل الإبقاء على الأسد في السلطة.
ويقول السيد حاكورة إنه بما أن “تلك الأهداف (السورية) المتعارضة تستبعد بعضها بعضا بالتبادل، فإن هناك احتمالاً ضئيلاً جداً لحدوث مصالحة حقيقية” بين روسيا وتركيا.
ومع ذلك، ركز التلفزيون التركي طويلاً على الاجتماع الذي ضم وزيري الخارجية التركي والروسي في الأسبوع الماضي، كما لو أنه أراد إظهار عودة تركيا مرة أخرى إلى اللعبة الدبلوماسية. وتتحدث وسائل الإعلام الموالية للحكومة عن لقاء مباشر وجهاً لوجه بين أردوغان وبوتين، والذي يمكن أن يتم في غضون أسابيع. ويبدو أن هذه التحركات تجيء في إطار المزيد من تحقيق وعد رئيس الوزراء، بينالي يلديريم، الذي قال في أيار (مايو) أن تركيا سوف “تزيد من عدد أصدقائنا، وستقلل من عدد الأعداء”.
المشهد من زاوية النظر الروسية
ربما تكون الرؤية الروسية أكثر التزاما، وتتطلع إلى تحقيق تسوية إقليمية أكثر استراتيجية. ويبدو أن روسيا “تدخل بعمق” في هذه المصالحة، وقرار بوتين مقابلة أردوغان بهذه السرعة “يعني أن بوتين يعتقد بأن هناك أسساً حقيقية لإنجاز أمور جدية”، كما يقول بافل فيلغينهاور، كاتب العمود المختص في شرون الدفاع لصحيفة نوفايا غازيتا في موسكو.
ويقول إن روسيا تريد مساعدة تركيا من أجل الحد من تواجد حلف الناتو في البحر الأسود، وهي تحاول على الأرجح الاستفادة من دولة حليفة في الناتو، والتي عاملها الغرب والولايات المتحدة “ببرود ولامبالاة” في مجموعة من القضايا، من عضوية الاتحاد الأوروبي إلى أزمة تركيا مع روسيا. كما ازداد نفور تركيا بدعم الولايات المتحدة لبعض الفصائل الكردية التي تقاتل “خلافة” الدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً في سورية -بما في ذلك وحدات القوات الأميركية الخاصة التي تم تصوير عناصرها وهم يقاتلون إلى جانب جماعة كردية تعتبرها أنقرة “إرهابية” ويرتدون شاراتها.
وحسب فيلغينهاور، فإن “النوايا الروسية واضحة: روسيا تريد أن تكون تركيا شريكاً مهماً جداً في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل، مثل طهران، والتي تكون كلها معاً تحت الرعاية الروسية. أعني، الدول التي تتحدث بالكاد مع بعضها بعضا، ولكنها كلها صديقة لروسيا، وتعمل معاً تحت الرعاية الروسية، على نحو يدفع الأميركيين إلى خارج المنطقة ويخلق نظاماً جديداً في الشرق الأوسط”.
كما يحتمل أن تنطوي تركيا أيضاً على رغبة في الانضمام إلى الدول السنية الأخرى وإسرائيل من أجل دحر النفوذ الإيراني.
وقد ضغطت الولايات المتحدة والسعودية -التي تدعم الفصائل المعارضة للأسد في سورية، مثلها مثل تركيا- بقوة على تركيا من أجل التصالح مع إسرائيل، وهو ما فعلته في الأسبوع الماضي بعد ست سنوات من قتل قوات الكوماندوز الإسرائيلية 10 مواطنين أتراك كانوا على متن سفينة المساعدات مافي مرمرة بينما كانت تحاول كسر الحصار المفروض على غزة.
يقول إرسين كالاشيوأوغلو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول: “سوف يصنع ذلك قوة موازنة لمواجهة القوة المتزايدة للروس والإيرانيين، والانحياز إلى الشيعة في الجزء الشمالي من منطقة الشرق الأوسط، وبذلك يمكن أن يكون هناك “هلال سني” من نوع ما، مدعوم من إسرائيل، ومناهض لإيران بشكل أساسي”.
كما يمكن أن تساعد مثل هذه الصفقة أيضاً في إبعاد تركيا عن الغاز الروسي. وربما تساعد احتياطيات إسرائيل المتكشفة حديثاً من الغاز تركيا على تنويع مصادرها، وتعطيها “ورقة مساومة على الطاولة مع روسيا”، بينما تعطي روسيا سبباً آخر للإسراع في المصالحة “من أجل تقويض أي اتفاق (طاقة) مريح بين تركيا وإسرائيل”، كما يقول البروفيسور كالاشيوأوغلو الذي يضيف: “وهكذا، هناك حسابات متعددة وطبقات متعددة هنا، والتي تدفع كل هذه الدول معاً، في أسرع وقت ممكن”.
كم سيطول أمد هجوم تركيا السحري؟ يرى حاكورة وجود صلة مباشرة بين سياسة تركيا الخارجية وسياستها الداخلية. ففي السنوات التي تلت العام 2002، عندما تابع أردوغان وحزب العدالة والتنمية أجندة سياسية إصلاحية في الوطن، كانت السياسة الخارجية التركية “متوازنة ومرنة”، كما يقول.
في السنوات الأخيرة، “انعكست سياسات المواجهة المحلية التي انتهجها أردوغان في العداء والاستعداء والاحتكاك مع الخارج”، كما يقول حاكورة. ولم يختفِ ذلك الخط المحلي المتشدد، كما يقول السيد حاكورة الذي يضيف: “يشير هذا بوضوح إلى أن التغيرات في سياسة أردوغان الخارجية… ليست حقيقية ومن القلب”.
مع ذلك، يتحدث كتاب الأعمدة الموالية للحكومة بحماس عن تغييرات في الدبلوماسية التركية، والتي يمكن أن تكون “مؤشراً على توازن جديد للقوى”، كما يكتب يحيى البستان في صحيفة “ديلي صباح”. وهو يقترح أن تركيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، “تتحرك ببطء نحو تشكيل تحالف للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.

سكوت بيترسون

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد