هل يستحيل وقف “داعش”؟

هل يستحيل وقف “داعش”؟

n-SALMAN-RUSHDIE-large570

قبل أن يترك فياض التايه تنظيم “داعش” في وقت سابق من هذا الشهر، كان تعقب اتجاهاً مدهشاً: ثمة المزيد من الناس في داخل الخلافة المعلنة ذاتياً يتطوعون ليصبحوا مفجرين انتحاريين. وكان السيد تايه يشغل عملاً إدارياً للمجموعة الجهادية في دير الزور شرقي سورية في ذلك الوقت. وقال لي من خلال “ويكر” -تطبيق التراسل المشفر: “لقد لاحظ الذين يعملون معي الشيء نفسه”.
وتؤكد الإحصائيات الصادرة عن “الدولة الإسلامية” ملاحظاته. فوفقاً للتحديثات الشهرية لمجلة “أعماق”، كان “داعش” ينفذ من بين 50 و60 هجوماً انتحارياً كل شهر في العراق وسورية بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. واليوم، ارتفع عدد هذه الهجمات ليصبح ما بين 80 و100 هجوم شهرياً، بمعدل عمليتين إلى ثلاث في اليوم الواحد. وقد وصل هذا الاتجاه ذروته في آذار (مارس)؛ حيث فجر 112 عضواً من “داعش” أنفسهم في سورية والعراق.
تقوم “الدولة الإسلامية” بتغيير تكتيكاتها -وليس في ميادين المعارك في سورية والعراق فقط. وتعود المجموعة إلى استخدام تكتيكات التمرد التي كانت اعتمدت عليها قبل حزيران (يونيو) 2014، عندما استولت على الموصل؛ ثاني كبريات المدن العراقية، وأعلنت عن إقامة خلافة. وكان هذا التغيير العملياتي قيد العرض بوضوح في الأسابيع الأخيرة؛ حيث قتل المئات من المدنيين في موجة من الهجمات الانتحارية التي نسبت إلى “داعش” في كل من تركيا والعراق وبنغلاديش والسعودية. وفي بغداد، قتل أكثر من 280 مدنيا في الأسبوع قبل الماضي عندما انفجرت سيارة مفخخة خارج مركز كبير للتسوق.
اقترح بعض الناس أن هذا الاتجاه يشكل علامة على يأس التنظيم وضعفه. لكنه يجسد في واقع الأمر قوته ومهاراته في ضمان البقاء على المدى الطويل. وكانت “الدولة الإسلامية” تعرف منذ سنوات أنها ستعاني من النكسات وأن عليها العثور على سبل للتكيف. وفي “إدارة التوحش”، النص التأسيسي لإيديولوجية “داعش” واستراتيجيته، والذي نشر في العام 2004، أوضح الكاتب أن المسلمين تمكنوا من هزيمة الصليبيين في القرن الثاني عشر بواسطة “عصابات صغيرة” و”منظمات مختلفة منفصلة”. ولم تنسَ المجموعة هذه الرسالة.
عندما أعلن قادة “الدولة الإسلامية” عن إقامة خلافة، فإنهم فتحوا بذلك مرحلة جديدة من الجهاد العالمي. ويقال إن الوعد بالعيش في مدينة إسلامية فاضلة قد اجتذب أعضاء جدداً من نحو 90 بلداً. وقد أخبرني أعضاء من “داعش” في مقابلات بأنهم انضموا إلى التنظيم بسبب انتصاراته العسكرية، وحكمه التطهري المتشدد وإيديولوجيته الواضحة.
منذ بدء الحرب الجوي ضد التنظيم بقيادة الولايات المتحدة في تموز (يوليو) من العام 2014، خسر “داعش” نحو 50 % من أراضيه في العراق و20 % منها في سورية. وفي صيف العام 2014، كان التنظيم يسيطر على منطقة تعادل مساحة بريطانيا تقريباً؛ لكن مساحة الخلافة اليوم أصبحت أقرب إلى مساحة اليونان -وهي في تقلص. وقد غادر الكثيرون من أولئك الذين انضموا إلى التنظيم في أعقاب إعلان الخلافة، كما تبيَّن في خطاب لزعيم المجموعة، أبو بكر البغدادي، في كانون الأول (ديسمبر)، حين قال: “كلما ازدادت المحن”، تقيأت مجموعته “الأدعياء والمنافقين”.
كان “داعش” مستعداً منذ وقت طويل لمواجهة الظروف المتغيرة. وعندما التقيت برجل يستخدم اسم “أبو عدنان” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 في بلدة أورفا التركية، بالقرب من الحدود مع سورية، قال لي إنه جزء من جهاز مخابرات “داعش”، وإنه مسؤول عن تأسيس خلايا نائمة وشبكات تجسس في تركيا.
وقال لي: “أعداؤنا أذكياء وعازمون. وما نستطيع عمله هو التأكد من أن يكون جسم الدولة قوياً بحيث يستطيع أن يتعافى بغض النظر عن مقدار الضعف الذي يلحقونه به. وبذلك، وحتى لو تمكنوا من تدميرنا في إحدى المناطق، فيمكنك أن تكون على يقين من أننا سنظل موجودين. وليس علينا أن نكون مشكوفين ومرئيين”. وكان رجال مثل أبو عدنان مسؤولين عن تخطيط العمليات الانتحارية في تركيا وخارجها.
نشأت “الدولة الإسلامية” من تنظيم القاعدة في العراق، وهو جماعة جهادية تشكلت بعد الغزو الأميركي للبلد في العام 2003. وكانت أولويتها الأولى في ذلك الوقت هي الحرب الطائفية ومحاربة الغزاة الأجانب. لكن قدرات المجموعة العملياتية والتشغيلية توسعت بعد أن أسست لنفسها موطئ قدم جديدا في فوضى الحرب الأهلية السورية. وبفضل زعمها كدولة خلافة، تمكنت “الدولة الإسلامية” من التغطية على القاعدة وإلجائه إلى الظلال. ومنذ ذلك الحين، نمت طموحات “الدولة الإسلامية” بينما حاولت تولي قيادة الجهادية العالمية، وليس مجرد تأسيس الخلايا الأجنبية وتنظيم الهجمات من داخل سورية، وإنما تشجيع المتعاطفين على تنفيذ عمليات باسمها أيضاً.
مع ذلك، تبقى المناطق السنية في العراق وسورية هي معقل “الدولة الإسلامية” الأساسي. وحتى لو كان الشيشان هم المشتبه بهم في تفجير مطار إسطنبول، أو أخذ المتعاطفين البنغاليين رهائن في دكا، فإن أغلبية من صفوف المجموعة وكوادرها وقياداته يظلون من العراقيين والسوريين. وقد تم غسل جيل من الشباب السوريين والعراقيين الذين يعيشون في كنف الخلافة. وما تزال القضايا السياسية والاجتماعية والطائفية في هذين البلدين، والتي تسببت في صعود المجموعة، موجودة. بل إن بعضها ربما أصبح أسوأ.
ما تزال الحكومة في بغداد تواصل استخدام الميليشيات الشيعية للقتال في المناطق السنية، وعلى نحو يدفع ببعض العراقيين إلى أذرع “الدولة الإسلامية” المنتظِرة، أو تشجيع الناس على الأقل على النظر إلى المجموعة على أنها المدافع الوحيد عنهم. وفي هذه الأثناء، تواصل الحرب الأهلية السورية استعارها وتظهر في داخلها أزمات وصراعات جديدة، جاذبة المزيد من المجندين الجدد. حتى ان مسؤولاً أميركياً أخبرني في حديث خاص بأن التغييرات السياسية الضرورية لكبح القبول الذي تتمتع به المجموعة في العراق وسورية ما تزال متأخرة كثيراً عن التقدم العسكري. إن عدد الأعضاء الذين يتطوعون من أجل نسف أنفسهم ليس علامة على مجموعة محتضرة.
لا يبدو أن التهديد في طريقه إلى الانتهاء. وما يزال هدف المجموعة النهائي ثابتاً لم يتغير: السيطرة على العالم الإسلامي. ويعتقد المثاليون المروِّعون الذين يشكلون جوهر “داعش” بأنهم مكلفون من الله لتحقيق ذلك. وسوف يقومون بتغيير تكتيكاتهم بالقدر الذي يحتاجه الأمر من أجل الاقتراب أكثر من تحقيق ذلك الهدف، سواء كان ذلك يعني زيادة عدد الانتحاريين أو تغيير خطوط الجبهة في سورية. وكان أبو محمد العدناني، المتحدث باسم “داعش” أصدر تصريحاً في أيار (مايو)، والذي تساءل فيه: “أم تحسبين أميركا أن الهزيمة فُقدان مدينة أو خسارة أرض، وهل انهزمنا عندما خسرنا المُدن في العراق وبتنا في الصحراء بلا مدينة ولا أرض؟ وهل سنُهزم وتنتصرين إذا أخذتِ الموصل أو سرت أو الرقة أو جميع المدن وعُدنا كما كنّا أول حال؟ كلا! إنّ الهزيمة فُقدان الإرادة والرّغبة في القتال”.

حسن حسن

معهد واشنطن