النووي وتقية إيران: هل تريد طهران الطاقة السلمية أم القنبلة ‘المحرمة’

النووي وتقية إيران: هل تريد طهران الطاقة السلمية أم القنبلة ‘المحرمة’

_85019_ira3

موضوع امتلاك القدرة النووية والموقف منها خصوصا بالنسبة إلى إيران، يستدعي أكثر من غيره التوضيح العلمي والعقلاني المفصّل، نظرا لما يمكن أن يشوب طرحه من تساؤلات واعتراضات حول التمييز بين حقوق الدول والشعوب التي يُفترض أن تكون واحدة، وحول الأهداف الحقيقية من وراء السعي للحصول على هذه الطاقة، في الوقت الذي يتوفر لدى إيران من الإمكانات ما يعوضها عن النووي دون تكبّد تكاليفه الباهظة.

إذا سألنا أنفسنا هنا: ماذا يُراد من وراء هذا النووي في الأساس؟ ولأي هدف حقيقي يقاتل من أجله النظام الإيراني؟ ووقفنا على حدود نفقاته الهائلة، ثم قارنا ذلك بما لدى إيران من مصادر وطاقات عديدة أخرى يمكن أن تحقق نفس الهدف المعلن من وراء الحصول عليه، دون أن ترهق الدولة ولا تنعكس سلبا على أوضاع المواطن فيها، ودون أن تعرّضهما لأخطار محتملة الحدوث، لوجدنا أنفسنا على بيّنة من الأسباب الوجيهة الداعية إلى رفضه، دون الإنكار أنه حق كباقي الحقوق التي يتساوى أمامها الجميع ولا تقبل التمييز بينهم.

أما إذا تم طرح المشروع النووي الإيراني من زاوية رفض حيازته من قبل هذا النظام دون توضيح الأسباب التي تنطلق من أرضية الحرص على سلامة البلد وأهله، ودون استعراض الإمكانات البديلة المتوفرة لدى إيران، سوف نجد أنفسنا قد وقعنا في فخ خدمة النظام، لأن مجرد الطرح دون شرح هذه الأسباب سيصبّ في صالح النظام الإيراني انطلاقا من أن مشكلته الظاهرية تكمن في كونه يخوض صراعا غير متكافئ بين بلد مسلم مع الدولة الأكبر، وهي العدوّة المزعومة ظاهرا أيضا، تؤيدها في ذلك الدولة العنصرية إسرائيل.

لو راجع كل منا أسلوب الإيرانيين في الترويج لمشروعهم النووي لاكتشف أن طرحهم أبعد ما يكون عن الصدق

ولذا فان أي حديث يتعلق بهذا الصراع يعني بالنسبة إلى سائر غير المطلعين على ما يجب توضيحه أن إيران البلد المسلم الوحيد هو الذي يواجه أميركا ويقاتلها دفاعا عن حقه الطبيعي، فكيف إذا كان هذا الصراع حول سعيه لحيازة القنبلة النووية؟ هذه النقطة بالذات تلعب على وتر الكثيرين وفي طليعتهم أهلنا في الجزائر والمغرب الذين يدركون ضعف قدراتهم في هذا المجال، ثم يجدون أمامهم مسلما قادرا، لديه الخبرة والإرادة السياسية، فيتساءلون: كيف نمنعه من حيازة التكنولوجيا النووية بينما يسمح لإسرائيل بذلك؟

هنا لا بدّ من توضيح هذه الأسباب بعيدا عن الاعتبارات السياسية، لأنها باختصار إما تشكل خطرا قد يكون كارثيا على هذا البلد، نظرا لوقوعه على خط الزلازل التي يتوقع حدوثها في أي وقت حتى في المناطق التي توجد فيها المفاعلات النووية كأبوشهر، وإما لأنها تُرهق الاقتصاد الوطني بلا طائل كما أسلفنا، في الوقت الذي توجد فيه بدائل أخرى طبيعية وأقل كلفة.

والمؤسف أن الانظمة العربية تعرف ذلك وتدرك مخاطره ومع ذلك تصمت على ما يطرحه نظام طهران، لأنها تتخوف من تغوّله المتغوّل أصلا، فكيف إذا حصل على القنبلة النووية؟ وهنا مع الأسف تبدو شعوبنا أيضا بعيدة عن جوهر الحقيقة المعتم عليها بدويّ الصراع الكلامي والتهديدات، مع استمرار اللقاءات والحوارات، لا سيما وأن هذا البلد الغني بمصادره يطالعنا فيه وجود نسبة غير قليلة من المواطنين الذين يعانون ظروف الحياة الصعبة بسبب سوء إدارة النظام وتركيبته كنظام دكتاتوري يتميّز بالفساد، وإهدار المال العام خدمة لتطلعاته وتحقيقا لمصالح القيّمين عليه، إلى جانب ارتفاع الأرقام الفلكية من الأموال التي يصرفها على أجهزة مخابراته وجواسيسه في كل مكان، بدلا من أن يوجّه أنظاره نحو مراعاة حاجة المواطن ومستواه المعيشي.

قد لا يكون معلوما لدى الكثيرين أن ما أنفقه النظام على المشروع النووي حتى الآن يتجاوز مئة وثلاثين مليار دولار، وأن ما خسره جرّاء العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه قد قارب مئة وسبعين مليار دولار، وهذا يعني أنه قد خسر بسبب الإصرار على هذا المشروع ما يناهز ثلاث مئة مليار دولار.

فقدان الوازع وانقلاب الأولويات

أمام هذا الوضع، وأخذا بالاعتبار لما تمّ صرفه، يفترض على كل صاحب عقل أن يسأل نفسه: إذا كانت تكاليف إنشاء أي مصفاة لتكرير النفط تتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، أليس بإمكان أهل الحكم في إيران أن يقوموا بإنشاء عشر مصاف حديثة لسدّ الاحتياجات المحلية بما لا يتجاوز في حدّه الأقصى عشرة بالمئة مما أنفقوه على مشروعهم النووي العسكري الذي لا طائل من ورائه، علما بأن هذا البلد الذي تختزن في باطنه بحور من الذهب الأسود أصبح فيه البنزين المادة المستوردة الأولى من الخارج، في الوقت الذي كان فيه من الدول المصدّرة للبنزين قبل قيام حكم نظام المرشد.

لذا فإنه في غياب هذا الوازع والحرص على تحقيق أي تطور، يبدو واضحا منذ الأساس أن القضية النووية بالأسلوب الذي يركّز عليه النظام ليست مشروع بلد يسعى لتأمين الطاقة، بل هي قضية نظام سياسي دكتاتوري يحاول أن يفرض نفسه بالقدر الذي يستطيع من خلاله امتلاك القوة الأكبر من مجرد الطاقة.

طبعا، إذا كان البعض لا يتفق مع مضمون هذا الطرح ولا يقبل الإقرار بهذه الحقيقة، فما عليه إلا التفكير مليّا بأنه لو كان النظام الإيراني لا يبغي من وراء بناء مفاعلاته النووية أكثر من الحصول على الطاقة كما يدّعي، ومع ذلك يبذل قصارى جهده لإقناع العالم بأن مشروعه النووي سلمي، فإنه ليس من المعقول بحسابات العقل أن يقنع أحدا من المتخصصين والواعين بأن بلاده التي تتمتع بالعديد من المصادر الطبيعية البديلة قليلة الكلفة تريد بناء مفاعلات باهظة التكاليف من أجل الحصول على الطاقة الاعتيادية كالكهرباء، في الوقت الذي يمكنه الحصول عليها بأقل أضعاف الاضعاف مما يخسره على مشروع تخصيب اليورانيوم.

وفي ضوء ما تقدم، لو راجع كل منا أسلوب الإيرانيين في الترويج لمشروعهم النووي، لاكتشف أن طرحهم أبعد ما يكون عن الصدق منذ قدوم الخميني وحتى اليوم وذلك ليس جديدا على كل الأصعدة. وقد ظهرت صورته جلية أكثر في الموقف المتناقض من موضوع امتلاك النووي، سواء عبر تصريحات المسؤولين المتداولة بين وقت وآخر، أو لجهة التذبذب بين إقراره كحق واجب الحصول عليه في الجلسات المغلقة، وإنكاره ونفي السعي إليه في التصريحات العلنية المتداولة في وسائل الإعلام.

إضافة إلى ما سبق، كان من غير الطبيعي إحاطة هذا المشروع الذي يصرّون على اعتباره سلميا بأكبر قدر من السرية التامة. ولولا مبادرة منظمة مجاهدي خلق بكشف المعلومات الدقيقة عن خفايا البرنامج النووي الايراني في مؤتمرين صحافيين عقدتهما بباريس وواشنطن عام 2002 لبقي طي الكتمان. علما وأن معلومات المجاهدين قد أتت معزّزة بالأسماء والأرقام وأماكن وجود كل منشأة نووية. ولم يتوقف المجاهدون من يومها عن كشف مستجدات هذا البرنامج بما لا يمكن دحضه من المعلومات التي تحرج حتى الولايات المتحدة في الإعلان المسبق عنها.

نفي وقبول تحت سقف واحد

في ظل هذا السياق الذي يتراوح بين تأكيد السعي للحصول على النووي وإنكاره، طلع علينا وزير الخارجية علي أكبر صالحي قائلا لجريدة “وورلد بوليسي جورنال” الأميركية بتاريخ الـ20 من يناير 2013 “إن جناب المرشد الأعلى حرّم إنتاج السلاح النووي والاستفادة منه”. وكان قد سبقه بعدة أيام رامين مهمان برست المتحدث باسم وزارة الخارجية قائلا لآسوشيتدبرس تأكيدا منه على عدم امتلاك السلاح هذا “على الغرب أن يدرك أهمية الفتوى التي أصدرها آية الله خامنئي بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، وأن هذا الحكم يجب أن يضع حدا للكلام حول سعي إيران لامتلاك السلاح النووي”.

لكن هذا النفي وغيره الكثير لا يلغي التناقض الكبير مع ما أعلنه المرشد الأعلى للثورة قبل أكثر من ربع قرن، حين أعرب خميني وقتها عن “الحاجة للسلاح النووي لأنه يدافع عن الثورة وعن وجودنا” حسب قوله نصا، وتلاه تصريح مماثل لرفسنجاني حين كان رئيسا للجمهورية في مطلع التسعينات قال فيه “إن السلاح النووي هو الضمان الاستراتيجي لبقائنا”.

إلى جانب ذلك، سمعنا تصريحا يعكس الاعتراف التام بالسعي وراء السلاح النووي على لسان محمد جواد لاريجاني، الرجل القوي والمقرّب من خامنئي، جاء فيه حسبما نقلته إذاعة أميركا الحرّة في 15 من أغسطس 2004 نقلا عن التلفزيون الإيراني “لماذا يقال إننا لا نريد السلاح النووي، يجب علينا ألا نقبل دعايات الغرب التي تردد أن امتلاك القدرة الدفاعية أمر غير قانوني، إنه حق ثابت لنا، نحن نريد هذا السلاح لأن أعداءنا والبلدان التي حولنا لديهم السلاح النووي”.

التاريخ يقول إن النظام الإيراني يلتقي مع إسرائيل في عدائه للعرب والدليل أن الخميني اشترى أسلحة من إسرائيل سابقا

أكثر من ذلك، فقد كشفت وثائق تم إعدادها في العام 2009، وحصل عليها كل من معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية مضمون جملة تصريحات أدلى بها المسؤولون الإيرانيون حول موضوع السلاح النووي، تؤكد عدم مصداقية الخطاب الذي ألقاه خامنئي في شهر يناير 2012 وكرّر فيه موقفه المناهض لامتلاك الاسلحة النووية.

وفي تأكيدها على تناقض هذا الكلام المعلن عن القرار المتخذ في الاجتماعات السرية، جاءت في إحدى هذه الوثائق التي قامت بنشرها صحيفة واشنطن بوست معلومات تقول إن خامنئي نفسه أيّد خلال اجتماع عقد في شهر إبريل 1984، قرار خميني بإطلاق برنامج سرّي للأسلحة النووية، كونها حسب قوله “تخدم إيران كرادع في أيدي جنود الله، وهي الطريقة الوحيدة للحفاظ على الثورة من مخططات أعدائها”.

وقطعا للشكّ باليقين حول دقّة ما نسب للخميني، يمكننا التثبّت مما أوردته واشنطن بوست بالعودة إلى نص الوثيقة التي كتبها بخط يده الموجهة لكبار المسؤولين في النظام بتاريخ 24 يونيو 1988، لإيضاح القرار المُرّ الذي اتخذه بقبول وقف الحرب مع العراق عام 1988 قال فيها بالنص “ليس أمامنا منظور للانتصار حتى خمسة أعوام غير أنه إذا استطعنا الحصول ـ خلال هذه المدة ـ على الإمكانات والقدرة على تصنيع كمّ لا بأس به من أسلحة الليزر والنووي التي تستلزمها الحرب القادمة يمكننا وقتها القول إننا نستطيع بإذن الله القيام بعمليات هجومية”.

أمام هذا التناقض الصارخ، ربّما يدّعي القيّمون على النظام الإيراني في هذه الأيام أن هذا الكلام قد قيل في ظروف الحرب وتأثيراتها في ذلك الحين، أما الآن فإن الوضع يختلف ولسنا في حرب ولهذا لا نريد السلاح النووي كما يدّعي أعداء الثورة. وهنا يبدو ملحا واجب التساؤل بهدف الكشف عما في باطن هذا النظام الملالي: ما هو الهدف الحقيقي إذن من وراء سعيه للحصول على القنبلة النووية؟

هل يريد فعلا إزعاج أميركا أو الغرب او إسرائيل، أم يريد من خلال ذلك توسـيع رقعة تدخلاته في الدول الأخرى التي تسـتهدف الدول العربية والإسلامية بشـكل محدد؟ وبتعبير أدق، هل يريد ضرب إسرائيل وإزالتها من على خارطة العالم كما قال أحمدي نجاد، أم يريد خلق توازن جديد في الشرق الأوسط على حساب من يريد استهدافهم؟

التاريخ يقول لنا إن النظام الإيراني يلتقي مع إسرائيل في العداء للعالم العربي، وأحد الأدلة الأبرز على ذلك أنه عندما أعلن الخميني اعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان “يوم القدس العالمي” قام وقتها على الفور بإرسال نائب وزير الدفاع العقيد دهقان إلى إسرائيل بغية شراء الأسلحة التي يحتاجها لضرب العراق أثناء حربه معه، ووثائق هذه الصفقة موجودة ولم تعد سرا، وقد نشرتها في حينه الصحف الفرنسية ومنها صحيفة ليبراسيون. إذن لا شك أن نظاما قتل من المسلمين أكثر من أي نظام آخر في التاريخ لا يمكن أن يلهث وراء الأسلحة النووية من أجل صالح المسلمين بل بالعكس، من أجل ضمان السيطرة عليهم حتى لو اقتضى ذلك المزيد من سفك الدماء.

الخميني كان خيار الأميركان

غني عن الذكر هنا أن مراعاة الولايات المتحدة للنظام الإيراني منذ قدومه وحتى اليوم قد بدأت بالتنسيق مع خميني قبل قيام الثورة، ولهذا لم يأت الخيار الذي تمّ دعمه فور سقوط الشاه لصالح القوى الإسلامية المتشددة صدفة. وهذا ما كشفته مؤخرا المعلومات التي رُفعت عنها السرية من قِبل الـ(سي آي إيه)، وقد جاء فيها أن الخميني كان على صلة بالحكومة الأميركية منذ ستينات القرن الماضي، أي في أيام الشاه، وأنه تعهد لإدارة الرئيس كارتر، قبل أسابيع من انطلاق الثورة عام 1979، بأنه لن يقطع النفط عن الغرب، وأنه سيقيم علاقات ودية مع الحكومة الأميركية.

صحيح أنه يبدو ظاهريا أمام العالم أنه هو العدوّ الأول لهم، لكن الواقع عكس ذلك. لقد أسقطوا حكم الشاه الدكتاتور لأنه لم تبق له قاعدة شعبية في إيران، وهذا يعني أنه لم يعد الأداة التي تستطيع تأمين مصالحهم الحيوية كما كان في السابق، لكن الذي حصل أنهم بدلا من أن يعوّضوه بوجه ديمقراطي أتوا بدكتاتور آخر محلّه استمرأ العدوانية والبغضاء تجاه شعبه والآخرين.

فهل بعد كل هذا الواقع المنظور يمكن أن ينطلي على أي عاقل القول إن المشروع النووي الإيراني يستهدف الحصول على الطاقة لا امتلاك القنبلة النووية، لأنه لو كان كذلك لما استمات حكام طهران على السير فيه، ولما حرصوا على إبقائه سرا قبل أن يُكشف عن حقيقته.

ومن هذا المنطلق قام الدكتور منوتشهر فخميي، الخبير الأقدم في مجال الطاقة ومعرفة الأرض، بتعرية ادعاءات النظام في مؤتمر صحافي عقده بباريس في شهر يوليو 2005، قال فيه “أي ادعاء أن بلادنا بحاجة إلى التقنية النووية، لأن مصادر الغاز والنفط عندنا ستنفد وتنتهي يُناقض الواقع، ذلك لأن مخزونات النفط المعروفة حاليا في ايران، ستدوم حسب نصاب الاستخراج المقرر مدة 75 عاماً آخر، وإن مخزون الغاز سيكفي لمدة 250عاما.

كما أن هناك حقولا نفطية وغازية في شمال وجنوب البلاد لم تكتشف بعد، عدا المخزون الهائل الذي بقي دون المساس به تحت الأرض. لذلك يصبح الادعاء بأننا نحتاج النووي لأجل توفير الطاقة ليس في محله. كما أن هذه العملية ليست لصالحنا اقتصاديا”.

عدا عن كل ما سبق ذكره، يمكن التأكيد على خطورة النووي رغم ادعاء سلميته بالنظر إلى مفاعل بوشهر كمثل على ذلك. ففضلا عن الأخطار المتوقع حدوثها بسبب موقعه الجغرافي على خط الزلازل مباشرة، وفقدان الحد المطلوب لضمان أمنه وإجراءات صيانته، علينا الإشارة إلى أن هذا المفاعل يحتلّ الدرجة الأولى من حيث قلة نسبة الأمان فيه، ولهذا يعتبر أخطر محطة للطاقة النووية في العالم.

قد لا يكون معلوما لدى الكثيرين أن ما أنفقه النظام على المشروع النووي حتى الآن يتجاوز مئة وثلاثين مليار دولار، وأن ما خسره جرّاء العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه قد قارب مئة وسبعين مليار دولار،

ومن هذا المنطلق جاءت التحذيرات التي وُجّهت إلى إيران من هيئات علمية دولية في شهر مايو 2011، أي قبل سنتين ونصف السنة من وقوع الزلزال الأخير في أواخر نوفمبر 2013 حول احتمال تعرّضه لخطر زلزال كارثي على إيران قد يكون مشابهاً لما حصل في مفاعل فوكوشيما الياباني، غير أن الحكومة الإيرانية قد رفضته حسبما أوردت صحيفة التلغراف البريطانية بتاريخ الـ22 من مايو 2011، كما رفضت العديد من النداءات والتحذيرات الأخرى، ولم تُجِب يوما بطريقة علمية وشافية على أي تساؤلات حول إجراءات السلامة والاحتياطات التي تتخذها للحؤول دون تكرار ما حصل في مفاعل تشرنوبيل.

إذن، من يضمن في ظلّ ستار السرية والتكتم الشديد على المشروع النووي توفر إجراءات السلامة والاحتياط، وهل يمكن لأحد أن يأخذ التصريحات الشفهية المطمئنة بكلام عابر على محمل الجدّ والثقة، لا سيما وأن النظام الذي لا تهمّه إلا القنبلة وما ستحقّقه له من سيطرة، لا يعطي لسلامة شعبه ولا لغيره بالطبع الاهتمام المطلوب. وها نحن نراه كيف ينتهك حقوق الإنسان وكرامته، ويرتكب المجازر الجماعية بحق أبناء شعبه وعشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري وأكثر منهم من الشعب العراقي وغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية الأخرى.

وفي كل الأحوال، يُسجَّل على الأميركان والدول الكبرى التي حاورته في مؤتمرات الخمسة زائدا واحدا أنها لم تحسم حتى الآن موقفها من ممارساته، ولم تحسب حساب الشعب الايراني ولا المعارضة، ذلك لأنه لا نظام إيران ولا الأميركان يهمّهما أمر الشعب الإيراني. وبالمناسبة، يمكن القول إن ما يجري في الجزائر على سبيل المثال لا يختلف عن هذا الأسلوب، فباسم الديمقراطية وباسم الشعب نرى العنوان الرسمي للدولة هو الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، مع أنها لم تكن أبدا ديمقراطية ولا شعبية، ولا في بعض الأحيان جزائرية وحتى جمهورية. و إذا كنّا نلمس في كل الأنظمة جوانب إيجابية وأخرى سلبية، فإن ما نراه عندنا مع الأسف يتصف كله بالسلبية والكذب.

سيد أحمد غزالي

صحيفة العرب اللندنية