تفجير الكرادة.. الدور الخفي للميليشيات الطائفية

تفجير الكرادة.. الدور الخفي للميليشيات الطائفية

_14684216198

بات معروفاً أن العجلة التي تفجرت في منطقة الكرادة وسط بغداد وأودت بحياة قرابة 300 إنسان حتى الآن، وإصابة مثل هذا العدد، قد جاءت من قضاء الخالص في محافظة ديالى، وانسابت نحو هدفها متخطية أربع نقاط تفتيش أساسية والعشرات من نقاط السيطرة والتفتيش الفرعية، أهمها سيطرة تقاطع حي الشعب الذي يمثل المنفذ الوحيد للعاصمة من جهتها الشمالية الشرقية وفيه من معدات الفحص الفني وأجهزة التدقيق الأمني الشيء الكثير، إضافة إلى وجود مفارز مشتركة من دوائر الاستخبارات والأمن والميليشيات تحمل أسماء عديدة.

وقضاء الخالص كان أول مدينة عراقية اتجهت إليها أنظار إيران التي أرسلت 1800 عنصر من حرسها الثوري في الثاني عشر من أبريل 2003، تحت يافطة فيلق بدر، أي بعد ثلاثة أيام من احتلال العراق، بقصد تصفية المقر الميداني لمنظمة مجاهدي خلق في معسكر أشرف الواقع في ضواحيها، دون أن ينجحوا في مهمتهم بسبب التصدي البطولي لحراس المعسكر وفزعة العشائر العربية التي هبت للدفاع عن الضيوف الإيرانيين المعارضين لنظام الملالي في إيران.

ومنذ ذلك الوقت وعقب فشلها في احتلال معسكر أشرف، حرصت الأجهزة الإيرانية على تجنيد المئات من قطاع الطرق واللصوص وأصحاب السوابق والهاربين من الخدمة العسكرية في الخالص والقرى المحيطة بها والقريبة منها، وبعد تصنيفهم واستبعاد غير الشيعة منهم، نظمت فرق إيرانية مدربة بدلالة هؤلاء المجندين، عمليات اغتيال ومطاردة ضد الآلاف من البعثيين والعسكريين وشيوخ العشائر وعمداء البيوت الاجتماعية، ولم تسلم من الحملة عشائر وأسر شيعية اتهم شيوخها ووجهاؤها وأبناؤها بالانتماء أو التعاون مع النظام السابق.

وقد ساعدت القوات الأميركية المحتلة الأجهزة الإيرانية في مهماتها، وقدمت لها العون في تنفيذ عملياتها وسهلت لمجاميع إيرانية عبور الحدود إلى محافظة ديالى عبر منافذ المنذرية ومندلي ونفط خانة بلا جوازات سفر أو وثائق شخصية أو رسمية، وتدفق السلاح الإيراني بكميات كبيرة، وخلال عامين كان مركز قضاء الخالص قد تحول إلى قاعدة إيرانية عسكرية وعقائدية رغم الهجمات التي قادتها فصائل المقاومة العراقية عليها.

وجاءت المرحلة الإيرانية الثانية في تشييع قرى وضواحي قضاء الخالص عندما تسلم إبراهيم الجعفري رئاسة الحكومة الانتقالية عام 2005، حيث عمد من خلال نائبه أحمد الجلبي إلى اجتثاث جميع موظفي القضاء الإداريين وضباط وأفراد الشرطة من السنة العرب، وأحل بدلا عنهم مسؤولين كفاءاتهم تنحصر في الترويج للشيعية والإشادة بإيران والتحريض على مجاهدي خلق الذين تواطأت الأمم المتحدة على نقلهم من معسكرهم وأجبرت قادتهم على مغادرة العراق.

معسكر أشرف بات اليوم المقر الرئيسي للجنرال قاسم سليماني، وقد طورت شركة تابعة للحرس الثوري مدرجه الذي كان مخصصا لاستقبال طائرات الهليوكبتر إلى مدرج يتيح لطائرات النقل الكبيرة والمقاتلة والقاذفة استخدامه، وربطت المعسكر بطريق عسكري يربط محافظة صلاح الدين بمحافظة ديالى وصولا إلى قصر شيرين الإيرانية.

ومن مركز قضاء الخالص الذي تحول إلى بؤرة إيرانية بعد تهجير سكانه السنة والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم، بدأ الزحف الإيراني بواسطة الميليشيات الشيعية التابعة لها وبدعم حكومي فعّله نوري المالكي عندما تولى رئاسة الوزراء في منتصف العام 2006 وتفرج أميركي، بالامتداد إلى بعقوبة ونواحي هبهب والحديد وخان بني سعد والهويدر وخرنابات وشفتة، نزولا إلى أبي صيدا والمقدادية وبهرز وكنعان وبلدروز ومندلي وبقية أنحاء المحافظة.

هذه المقدمة عن قضاء الخالص الذي يخضع منذ عام 2010، بشكل كامل، لسيطرة ميليشيا بدر مع وجود رمزي لميليشيا العصائب، تثير أسئلة وجيهة أبرزها؛ لماذا اختيرت مدينة الخالص مكانا لتفخيخ عجلة تفجير الكرادة بطريقة تقنية عالية قال الخبراء إنها استغرقت أسابيع؟ وكيف تسنى لها قطع طريق الخالص – بغداد وطوله 40 كيلومترا وتنتشر فيه مجاميع ميليشياوية بحجة حراسته، وأربع نقاط سيطرة وتفتيش رئيسية؟ وبهذا الخصوص أعلن رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي أن لديه مقطع فيديو صور عملية تفتيش العجلة في تقاطع حي الشعب مدته 7 دقائق وسُمح للعجلة بالمرور.

كيف وصلت عجلة التفجير من حي الشعب شمال بغداد إلى جنوبها في الكرادة، مخترقة العشرات من الشوارع ومجتازة حوالي 12 نقطة تفتيش عسكرية وأمنية وميليشياوية منتشرة في الساحات العامة، ابتداء من ساحة عدن، وانتهاء بساحتيْ الأندلس وكهرمانة كما ذكرت المصادر الحكومية؟

ويبرز سؤال آخر؛ لماذا تُقدم ميليشيا بدر على هذا العمل، أو تقدّمُ تسهيلات لتنفيذه، وهي شريكة أساسية في الحكومة الحالية بوزيريْن للداخلية والاتصالات، ولديها كتلة برلمانية من 23 نائبا شرسا ومشاغبا؟ إضافة إلى أنها تمتلك نفوذا واسعا في الأوساط الشيعية الحاكمة يفوق نفوذ رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي؟

ويأتي سؤال ملحق بالسؤال أعلاه؛ لماذا أسرع وزير الداخلية والقيادي في ميليشيا بدر، محمد الغبان، بتقديم استقالته بعد ساعات من وقوع الحادث بحجة أن رئيس الحكومة فوض صلاحيات وزارته إلى قيادة عمليات بغداد، رغم أن هذه الصلاحيات قائمة منذ تسلمه الوزارة في سبتمبر 2014 ولم يتذكرها أو يعترض عليها إلا الآن؟ ولماذا قبل العبادي الاستقالة فوراً على غير عادته؟

هي أسئلة مشروعة بحاجة إلى إجابات صريحة، فهل يظهر “شجاع” ويقول بأعلى صوته إن تفجير الكرادة نفذه انتحاري داعشي بتسهيلات من ميليشيا بدر لأغراض مشتركة؟

مقتدى الصدر لمّح إلى ذلك بطريقة “التقية” عندما قال “أتمنى أن يكون داعش وراء الحدث”، دون أن يخوض في ملابساته لأسباب لم يفصح عنها.

هارون محمد

نقلا عن العرب اللندنية