الصين وسياسة الجار السيئ

الصين وسياسة الجار السيئ

580
تمر الصين حاليا بأوقات عصيبة؛ فبعد عقود من النمو المزدوج الرقم للناتج المحلي الإجمالي فإن التباطؤ اليوم يشير إلى أن النظام الاقتصادي يعاني من مصاعب، وأن الاقتصاد الصيني الذي تمت الإشادة به كنموذج للتنمية يبدو الآن متصلبا وبطيئا، والشعب الصيني يشعر باضطراب متزايد بالإضافة إلى تزايد شكوكه بقدرة النظام على الوفاء بالوعود الرسمية بأن “المعجزة” الاقتصادية في البلاد ستستمر. إن العديد من الصينيين يخشون بأن “الحلم الصيني” يمكن أن يبقى حلما.

لا تستطيع الصين أن تحل مشاكلها الاقتصادية فقط عن طريق استخدام المزيج الصحيح من أدوات السياسات الحالية، بل يتوجب على الصين البدء في مسيرة أشمل وأعمق من الإصلاحات والتجديد.. كما يجب أن تكون مستعدة لابتلاع الدواء المر المتمثل في النمو الأبطأ قصير المدى لما فيه مصلحة الأهداف طويلة المدى.

في الوقت نفسه فإن جهود الإصلاح الموسعة لا يمكن إحراز تقدم بشأنها عن طريق القرارات الاقتصادية فقط؛ فالصين يجب أيضا أن تحاول التوفيق بين كيف تريد أن ينظر إليها، وكيف ينظر إليها العالم فعلا، حيث يتوجب على الصين إن تأخذ الدروس من قطاع الأعمال وتعترف بأن العديد من أفعالها وارتباطاتها على المسرح العالمي تشكل تهديدا لسمعتها وللمحصلة النهائية المتعلقة بها.

فعلى سبيل المثال هناك نظرة المراقبين الدوليين للتطورات في بحر الصين الجنوبي، فالصين تقوم بكل بساطة بالتنمر والتسلط على جاراتها الجنوبيات عن طريق استخدام المصطلح التهديدي “المصالح الأساسية” -التي من أجل تحقيقها يكون بلد ما مستعد للجوء للقوة- من أجل فرض رأيها في النزاعات المختلفة ولكن المسؤولين الصينيين يصرون على أن الصين هي شريك متضرر في المنطقة، وذكروا أنهم اضطروا لكبح جماح أسطول الصيد الصيني من أجل تجنب الحوادث مع الفيتناميين، ولكن الذي حصل أن صيادي الأسماك الفيتناميين قاموا بشكل عدائي بالسيطرة على المياه التي تم التخلي عنها.

من الواضح أن الصين تمتلك القوة لطرد الفيتناميين والفلبينيين والأندونيسيين وأي جهة أخرى تختار مواجهتها. إن جنوب شرق آسيا تمثل جزءا بسيطا من حجم الصين وثروتها، ولكن هل هذه التصرفات تجعل الصين أقوى في المنطقة؟ هل نهج القرن التاسع عشر من أجل تحقيق المكاسب الاقتصادية يبرر العداء الحالي مع الجيران؟ إن شعوب جنوب شرق آسيا ستبقى جارات الصين لبقية التاريخ، ولئن كانت أو من الممكن أن تكون سكاكينها قصيرة فمن المؤكد أن ذاكرتها ليست كذلك.

إن العديد من الصينيين يعتقدون حقا أنه يتم انتقادهم بشكل غير عادل بسبب سياسة الصين الحازمة الجديدة في بحر الصين الجنوبي، ولكن هذه الثقة العالية لا تعني الكثير عندما يكون ثمن تلك الثقة هو الشك والاستنكار من الجميع. إن هذه حقيقة اجتماعية أساسية يعرفها معظم الناس من حياتهم الشخصية: السعادة والانسجام أهم بكثير من القناعة الفارغة بأنك على حق.

بالإضافة إلى جنوب شرق آسيا فلا يوجد مكان في العالم تكون سمعة الصين فيه على المحك أكثر من شبه الجزيرة الكورية؛ ففي الجنوب فإن جمهورية كوريا أصبحت دولة حديثة ونابضة بالحياة ومتطورة ثقافيا، وهي محل إعجاب العالم وتقوم بمعالجة مشاكلها بصراحة وشفافية.

أما في الشمال فهناك دولة أفضل وصف لها أنها معسكر اعتقال بإدارة زعيم استبدادي وراثي حيث يقوم نظامه -أفضل تشبيه له أنه مثل الفرق الدينية المتطرفة- بالسعي حثيثا لتطوير أسلحة دمار شامل. إن الصادرات الرئيسية لكوريا الشمالية هي الكوميديا السوداء التي ينتجها نظامها السياسي واللاجئون والادعاءات بالتميز الذي يجعل أميركا تشعر بالخجل. والصين هي الحليف الحقيقي الوحيد وإن كان حليفا يشعر بالقلق على نحو متزايد.

حتى نكون منصفين فإن مصالح الصين في شبه الجزيرة الكورية هي أكثر تعقيدا مقارنة بكيفية تصويرها عادة في الغرب، فبالنسبة للصين تعتبر كوريا الشمالية أكبر من مجرد مشكلة في السياسة الخارجية، فهي مجموعة من القضايا متعددة الأوجه تؤثر على الجدل الداخلي الحاصل في الصين، بينما تقوم الصين بتحديد مسارها المستقبلي.

ماذا سيعني انتهاء كوريا الشمالية وإمكانية توحيدها مع جمهورية كوريا للمصالح الأمنية الصينية ولكيفية فهم وإدراك تلك المصالح؟ ماهي تداعيات خسارة “شريك” تاريخي -العديد من الصينيين اليوم سيصابون بالصدمة من مثل هذا الوصف-وإمكانية تقوية منافس على النظام السياسي الصيني أو السياسة الخارجية الصينية؟ إن شيئا واحدا يبدو مؤكدا وهو أن مستقبل العلاقة التاريخية مع كوريا الشمالية سيحدد من قبل الصينيين أنفسهم وليس المجتمع الدولي.

إن تقييم نزعات وتوجهات شبه الجزيرة الكورية ما يزال يعطي الصين فرصة مثالية للبدء في إعادة النظر بمصالحها على المدى الطويل، فهنا أكثر من أي مكان آخر تستطيع الصين الانحياز للفكر العالمي الرئيسي والبدء في جسر الهوة بين كيفية النظر إليها من قبل العالم وكيف تنظر هي لنفسها.

كريستوفر ر. هِل

نقلا عن الجزيرة نت