عمليات الإعدام في العراق ظاهرها قانوني وباطنها تصفية حسابات

عمليات الإعدام في العراق ظاهرها قانوني وباطنها تصفية حسابات

_85101_irakg

إثر حادث التفجير الإرهابي الذي وقع في منطقة الكرادة يوم السبت 2 يوليو 2016 أعلن مصدر حكومي مسؤول أن الرئيس العراقي فؤاد معصوم قد صادق على إعدام 3000 متهم بالإرهاب.

لكن التوقيع على قرار إعدام العشرات من المعتقلين بالجملة لن يكون مقبولا تحت أي ظرف وتبرير. والغريب في الأمر أن نجد عددا من الصحافيين والكتاب والمثقفين والشعراء يصدرون بيانا، تم نشره على صفحاتهم في موقع الفيسبوك، أيدوا فيه وبشدة هذا القرار.

وعبروا أيضا عن استهجانهم لموقف رئيس الجمهورية الذي تأخر في المصادقة على قرار وزارة العدل العراقية القاضي بإعدامهم وطالبوا بمحاسبته. ويعكس بيان هذه المجموعة غياب الوعي بقضية حقوق الإنسان، وغلبة المشاعر على الموقف العقلاني.

قرارات مشبوهة

كان القضاء العراقي قد شهد هجوما عنيفا خلال الأعوام الماضية عبر عنه المتظاهرون في أكثر من مناسبة وشككوا في مصداقيته ونزاهته متهمين إياه بخضوعه للقوى السياسية الحاكمة. ومن البديهي والحال على هذه الصورة أن يغيب العدل عن قرار القضاء في قضية الحكم بالإعدام على هذا العدد الكبير من المعتقلين. في الوقت نفسه لا ينبغي أن تصدر مثل هذه القرارات استجابة وخضوعا للضغط الشعبي الذي عادة ما يكون عاطفيا وانفعاليا في لحظة ما، مثلما حصل بعد حادث التفجير الإرهابي الذي وقع في الكرادة. وفي كل الأحوال في مثل هذه الحالة لا يعبر الموقف الشعبي عن موقف قانوني سليم ولا حتى عن موقف إنساني، إنما هو خاضع لتأثيرات خفيّة تقف خلفها جهات سياسية محلية تسعى لتحقيق أهداف خاصــة بها لا تخرج عن إطار مصالحها وأيديولوجياتهــا التي تتقاطــع في جوهرهـا مع مصلحة الوطن.

قرار الإعدام لا يمكن أن تَرْشح عنه رائحة التزام بقوانين تراعي حقوق الإنسان، خاصة وأن الحكم قد صدر بالجملة على عدد كبير من المعتقلين. وإذا كان قرار إعدام شخص واحد مثل المعمم نمر النمر في السعودية قبل عدة أشهر قد أثار عاصفة هوجاء من ردود الأفعال الغاضبة من قبل أعلى المستويات الحكومية في العراق، فكيف الحال إذا كان العدد 3000؟

كان ينبغي على الحكومة العراقية حتى يكتسب قرارها مصداقية كافية أن تكشف للرأي العام طبيعة الجرائم التي ارتكبها هؤلاء. وأن يُصار إلى عرض نتائج التحقيق عبر وسائل الإعلام، لا أن يكون “قرارها عصبيا” كما وصفته الأمم المتحدة على لسان أمينها العام.

قرار الإعدام لا يمكن أن تَرْشح عنه رائحة التزام بقوانين تراعي حقوق الإنسان، خاصة وأن الحكم قد صدر بالجملة على عدد كبير من المعتقلين

الطريقة التي تعاملت بها السلطات الحكومية مع هذا الموضوع تُظهر قرار هذه السلطات كأنه لم يصدر بحق المعتقلين وحدهم بقدر ما طالت عقوبته عقول المواطنين أيضا، فهو يعكس رغبة من أصدره في أن يستغل الظرف العام فجاء صدوره على إثر تفجير المجمع التجاري في منطقة الكرادة في مسعى منه لأن ينحرف بمشاعر الغضب العارمة التي عمت الشارع العراقي والموجهة ضد السلطة ممثلة بموكب رئيس الوزراء حيدر العبادي عندما زار موقع التفجير إلى وجهة أخرى ليؤجج بدلا عنها مشاعر طائفية كريهة طالما راهنت عليها أحزاب السلطة لكي تشغل المواطنين عن التفكير في القضايا الجوهرية التي تتعلق بمستقبل وطنهم وأمنهم الاجتماعي. ونتيجة لذلك كان قرار المصادقة على الإعدام بهذا التوقيت مشبوها في جوهره وغاياته.

ما يجري من محاكمات في العراق منذ عام 2003 بعد سقوط نظام البعث لا يخرج عن كونه عملية ثأرية تورط فيها طاقم الحكم الجديد من الأحزاب والقوى السياسية بهدف تصفية حسابات تاريخية ومذهبية، وليس انطلاقا من هدف نبيل يسعى لتحقيق العدالة وبناء مجتمع خال من المجرمين والقتلة واللصوص، وهذا ما كان يأمله جميع العراقيين دون استثناء، مما أنتج حالة شد طائفي في الشارع العراقي باتت تتسارع حدتها يوما بعد آخر إلى الحد الذي غابت فيه الرؤية عن عقول قطاعات واسعة من العامة إضافة إلى شريحة ضالة من المثقفين، إلى أن وصلنا إلى لحظة بدأنا نسمع فيها صرخاتهم وهي تطالب بإجراء إعدامات جماعية للمعتقلين، حتى أن هادي العامري (قائد الحشد الشعبي) والمعمم قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وأوس الخفاجي زعيم ميليشيا أبوفضل العباس أمهلوا رئيس الوزراء العبادي فترة زمنية لا تتجاوز 48 ساعة لتنفيذ حكم الإعدام وإلاّ سيقتحمون سجن الناصرية وينفذون قرار الإعدام. فهل من الحكمة أن يخضع الحُكَّام في قراراتهم إلى حالة الانفعال الشعبي التي عادة ما تتلاعب بها الأهواء والمصالح الضيقة للقوى والأحزاب السياسية؟

تصفية حسابات

يذكر أن الأمم المتحدة ومن خلال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق كانت قد طلبت في وقت سابق من عام 2009 من الحكومة العراقية إيقاف العمل بعقوبة الإعدام بعد أيام من إعدام 12 متهما.

وقال ناطق باسم المنظمة الدولية آنذاك “إن تطبيق هذه العقوبة في العراق يجري بشكل تعسفي وعلى أساس اعترافات يجري انتزاعها من المتهمين بالتعذيب”. كما أوضح بيان المنظمة “أن ما يثير القلق بصورة خاصة هو أن مبدأ عدم استخدام الأدلة، ومن ضمن ذلك الاعترافات التي يتم الحصول عليها بالإكراه أو جراء التعذيب، والحق في عدم إرغام الشخص على الإدلاء بشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بالذنب عادة ما تنتهك في العراق مما يجعل من عقوبة الإعدام عقوبة تعسفية

وبعد العشرات من التقارير التي أصدرتها منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى منظمات محلية، لم يعد أمرا خافيا أن المئات من العرب السنة قد غيبوا في سجون ومعتقلات سرية بعد أن تم اعتقالهم عند حواجز ونقاط تفتيش كانت قد أقامتها ميليشيات طائفية أثناء هروبهم من مدن الأنبار وصلاح الدين والفلوجة عندما بدأت عمليات استعادتها من سلطة تنظيم الدولة الإسلامية.

وعُثر على العشرات منهم قتلى بعد أن تم إعدامهم بشكل جماعي، وهذا ما أشار إليه بيان عشيرة المحامدة في محافظة الأنبار بتاريخ 7 يونيو 2016 الذي اتهمت فيه صراحة عناصر من الحشد الشعبي بإعدام 300 شاب من العشيرة واختطاف 500 آخرين من أهالي الصقلاوية، وطالبت في بيانها المجتمع الدولي بفتح تحقيق لمعرفة الجناة والقصاص منهم.

وتعلن وزارة العدل العراقية بين فترة وأخرى عن إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين بعد أن ثبتت براءتهم من التهم الكيدية الموجهة ضدهم وعدم توفر أدلة كافية تؤكد تورطهم في أعمال إرهابية بعد أن قضوا فترات طويلة في السجون، ودون أن يتم تعويضهم عما فقدوه.

وصدرت في مطلع شهر يناير 2016 إحصائية عن السلطة القضائية في العراق أفادت بأن عدد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم العام 2015 بلغ أكثر من 100 ألف مواطن. وهنا يطرح سؤال: إذا كان المفرج عنهم بهذا العدد فكم هو عدد المعتقلين؟

يبدو من سياق الأحداث أن السلطة في العراق لديها اعتقاد راسخ بأن هنالك توأمة ما بين الإرهاب والعرب السنة. وبلا أدنى شك هذاالمنطق أعوج ولا يستقيم مع الواقع الذي يحفل بالعشرات من الأدلة التي تؤكد حصول جرائم وانتهاكات ارتكبت من قبل عناصر ينتمون إلى ميليشيات طائفية معروفة تتساوى في وحشيتها مع الجرائم التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات الإرهابية.

وكان الأمير زيد بن رعد، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قد أشار في بيان صحافي صدر عنه في مطلع شهر يونيو 2016 إلى أن “شهودا وصفوا كيف تعتقل قوات الحشد الشعبي التي تدعم قوات الأمن العراقية الذكور لإخضاعهم لفحص أمني يتحول في بعض الحالات إلى انتهاكات جسدية وأشكال أخرى من الاعتداءات لانتزاع اعترافات قسرا على ما يبدو”. واعترف رئيس الوزراء حيدر العبادي أيضا بهذه الانتهاكات -ولو على استحياء- لكنه عزاها إلى تصرفات فردية لفئة مندسة في قوات الحشد، رافضا في الوقت نفسه القبول بالإساءة إلى عناصر الحشد من أي جهة كانت، لأنها حسب قوله جزء من منظومة الأمن والدفاع الحكومية.

بناء على ذلك لم يعد أمام السلطة من فرصة لنكران هذه الانتهاكات التي ارتكبتها عناصر تنتمي إلى الميليشيات المدعومة من قبلها، ومما يؤسف له في هذا المجال أن يتم الاحتفاء بهذه العناصرعلى المستوى الرسمي والشعبي.

مروان ياسين الدليمي

صحيفة العرب اللندنية