أهوار جنوب العراق في أمانة اليونسكو

أهوار جنوب العراق في أمانة اليونسكو

_85454_aah3

دخل المسلمون البصرة، وبعد استكمال السيطرة عليها توجهوا شمالا، حيث حافات الأهوار البيضاء، وأحراشها القصب والبردي الأخضر، لكنهم نظروا في البيئة فوجدوها بيئة ماء لا تصلح للخيل والجمال، فعندها قال قائدهم عتبة بن غزوان الذي ت 17هـ، “قفوا عند هذا الحد فـ(ليس مِن منازل العرب)”.

بعد ذلك ظلت الأهوار، واسمها في التُّراث الإسلامي “البطائح”، مكانا لجمع الخراج، وملجأً للفارين مِن السُّلطات، فمَن يتغير عليه الحال ببغداد ينحدر مع ماء دجلة والفرات، ويقيم بالأهوار، لا تطوله يدا الخصم ولا يموت جوعا وعطشا، يشرب من الماء ويطعم مِن السمك بأنواعه المختلفة.

شهدت الأهوار معارك ضارية، بين جيش الخلافة وجيش صاحب الزُّنج، خلال الثورة المعروفة (255-270)، وبعدها شهدت كرا وفرا بين السلطنة البويهية وخصومها، أوت خلفاء وقضاة ووزراء لجأوا إليها، وأن أحدهم استقدم منها إلى بغداد ليُنصّب خليفة، وعندما حاول الحجاج بن يوسف الثَّقفي (ت95هـ) تجفيفها، وحرم ذبح الأبقار، قال الشَّاعر “شكونا إليه خراب السَّواد/ فحرم فينا لحوم البقر”.

كانت الأهوار بيئة مائية تقصدها الطيور في فصل الشَّتاء من مكامنها، في فصل الصيف، بأقاصي الأرض الباردة، وعندما قل الماء غيرت الطيور وجهتها إلى أماكن أُخرى، لكنها عادت مع عودة الماء. أبناء الأهوار كطيور الماء، قد لا يتذكر أحدهم أنه تدرب على السباحة، لأن تعلمها يحصل بشكل غريزي مع الخبو والمشي، وإلا مات الأطفال غرقا في نهيراتها، لذلك اعتاد النَّاس أن يضعوا “جناجل” أو “أجراسا” من الحديد أو الفضة في أقدامهم، مثل خلاخيل النِّساء، كي يسمعوا دبيهم إلى الماء.

ولم تعرف الأهوار صلاة الاستسقاء، فأرضها مثل تلك التي وصفها ابن بطوطة (ت 779هـ) لكثرة الماء اشتاقت إلى الجفاف. كانت وسائل مواصلاتها القوارب، التي ورثها صناعها من سومر، ففي التحف السومرية يوجد شكل القارب وشكل بيت القصب. إذا علمنا أن أتونابشتم “نوح العراقيين القدماء” قد أمرته الآلهة أن يصنع فلكا، مثلما ورد في ملحمة جلجامش، نعلم أن هذا المكان سرمدي بوجوده، والمدن في العادة تُقام على الماء أو المحتطب أو الحصانة، فالمدن العراقية القديمة قامت على السبب الأول.

بعد جهود حثيثة من قبل المهتمين بهذه البيئة قضت اليونسكو أن تكون الأهوار في حمايتها، وبهذا يكون الحفاظ على بيئتها المائية أمرا دوليا، وهذا ما جعل الجار الشمالي يتضايق من هذا القرار، لأن سدوده لها يد في التمكن من تجفيفها، وعادة الماء لا تملكه دولة المنبع إنما الدول والشعوب التي يمر عبر أراضيها، فإذا كانت كل دولة تمنع الماء النابع من أراضيها لمات البشر عطشا، وقامت الحروب بسببها، ونرى الحرب من أجل الماء حربا عادلة، لأنه يعني الحياة.

ليست بيئة الأهوار ماء فقط، إنما ثقافة وتقاليد، كم منها ذهب بجفاف الماء، ذلك الذي تناظر به ابن البصرة الجاحظ (ت 255 هـ)، محتجا بعذوبة ماء البصرة لأنه أتى من البطيحة، أي الهور، وبالفعل نبات الأهوار يُنقي ماء الرافدين المار به. ولبشار بن برد (قُتل 161هـ) في ذلك الماء “الرافدان تواقى ماء بحرهما/ إلى الأبلة شربا غير محظور”، أي صافيا زلالا.

يُنتظر ما تفعله اليونسكو بالريف السومري، حسب تسمية البعض للأهوار

رشيد الخيون

صحيفة العرب اللندنية