ماذا تعني “حكومة العالم الخفية”؟

ماذا تعني “حكومة العالم الخفية”؟

501

“حكومة العالم الخفية” مصطلح يشير إلى ما يعتقده كثيرون بوجود “حكومة سرية” تتحكم في أحداث العالم تخطيطا وتنفيذا، بما يحقق مصالح قوى عالمية نافذة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا، وتستخدم في ذلك وسائل وهياكل سرية المضمون دائما وإن كانت أحيانا علنية التنظيم.

وتوصف هذه “الحكومة الخفية” عند المؤمنين بوجودها بأنها “حكومة العالم العميقة” التي تنظم تقاسم ثروات العالم والنفوذ فيه، وقد يطلق المصطلح أحيانا داخل دولة ما للدلالة على “قوى خفية” مسيطرة على رسم سياساتها وصناعة قراراتها التي تتخذها علنا “الحكومة الظاهرة”.

النشأة والدلالة
يعود استخدام مصطلح “الحكومة الخفية” إلى الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت (1858-1919) الذي حذر من هيمنة شبكات مالية على سياسة بلاده، ثم جاء الكاتب الأسكتلندي شريب سبيريدوفيتش فأصدر عام 1926 كتابه “حكومة العالم الخفية”، وعثر عليه بعيد ذلك مقتولا في أحد فنادق الولايات المتحدة.

وتعزز هذا المفهوم أكثر بنشر كتاب “أحجار على رقعة الشطرنج” عام 1958 واغتيال مؤلفه وليام غاي كار الذي تحدث فيه عما اعتبره كثيرون “توثيقا لأسرار ما يجري في العالم من أحداث جسام”، كاشفا عن “الأيدي الخفية” التي تدير العالم وتتحكم في حكوماته، وتقف خلف معظم الحروب والأزمات والاغتيالات فيه.

ومع مرور الزمن صار من الراسخ في تحليلات الأحداث والسياسات العالمية استخدام مصطلح “الحكومة الخفية العالمية”

ومترادفاته، للدلالة على “نخبة عالمية” تخولها هيمنتها المالية والإعلامية سلطة احتكار صياغة حركة العالم، وتحديد خياراته الكبرى سياسيا واقتصاديا، والتحكم في مقدرات الأمم ومصائر الشعوب.

وهي تستغل لتحقيق أغراضها المرسومة طيفا واسعا من الوسائل والآليات العلنية والسرية تتحرك عبرها، بدءا بقوانين ومؤسساتالشرعية الدولية والمنظمات الإغاثية، مرورا بوسائل الإعلام والبورصات والبنوك الكبرى، وانتهاء بأجهزة الاستخبارات القوية والعصابات المنظمة وغير المنظمة واستخدام القوة العسكرية.

ويتكون أعضاء “الحكومة الخفية” -في رأي القائلين بها- من تشكيلات واسعة من الهيئات التي تضم أباطرة العالم من ذوي النفوذ المالي الكبير (العائلات المصرفية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات)، والمنظمات الدولية السرية، والمنتديات الدولية السرية في تنظيمها ونتائجها، أو العلنية التنظيم السرية المداولات والقرارات، بل والمنظمات الأممية الرسمية.

ويشيرون إلى منظمات ومنتديات عالمية تعقد مؤتمرات واجتماعات دورية غامضة في عضويتها وأهدافها ووسائلها وقراراتها، فلا يعرف شيء عن الملفات التي تناقشها، ويمنع منظموها خضوعها لأي تغطية إعلامية فلا تنشر نتائج اجتماعاتها التي تحظى بدرجة كبيرة من الكتمان، ولا يحق لأعضائها تناول مداولاتها خارج جلساتها.

ويقولون إن “الحكومة العالمية الخفية” تمثل “زبدة الزبدة” في الشخصيات العالمية المؤثرة، إذ تضم المئات من الخبراء والمتخصصين وبعض أثرياء العالم الكبار وصناع القرار السياسي والمالي الدولي السابقين، لتبادل الخبرات والمعلومات بين كبار أصحاب القرار وأرباب النفوذ بشأن القضايا العالمية الحيوية.

ويشترط بعض كياناتها أن يكون ثلث المدعوين لاجتماعاتها من السياسيين، في حين تتوزع بقيتهم على مجالات بالغة الأهمية، مثل المال والاقتصاد والإعلام والاتصالات والتعليم العالي والدفاع والأمن وشركات الأسلحة.

يئات وتبعات
ويقدم مراقبون أمثلة وشواهد على نظرية “حكومة العالم الخفية” بوجود هيئات كثيرة تعمل بسرية شديدة من قبيل: محافل الماسونية العالمية، ومنتديات الصهيونية العالمية، ومؤتمر بيلدربيرغ، ومجلس الشؤون الخارجية في أميركا، وتشاثام هاوس ببريطانيا، ومنتدى دافوس الاقتصادي، وتكتلات العائلات المالية الكبرى على غرار آل روتشيلد وآل مورغان.

وينتقد معارضو هذه الهيئات ونظائرها -من أمثال غيرهارد فيشنيفسكي صاحب كتاب “سلطة زعماء بيلدربيرغ”، ودانييل إستولين في كتابه “القصة الحقيقية لمجموعة بيلدربيرغ– الغموض المصاحب لمؤتمراتها وعدم مشاركة منظمات المجتمع المدني فيها، أو السماح للإعلام بتغطيتها وبقاء مقرراتها طي الكتمان.

ويقولون إن ذلك يعزز التوجس منها كون قراراتها تؤثر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على شعوب العالم، ويعطي صدقية للنظرية القائلة بتشكيل “دولة عميقة للعالم” تسمح بإعطاء وزن ونفوذ عالميين لمؤسسات غير قابلة للمساءلة (لأنها خفية وغير ديمقراطية) عن أحداث وأزمات العالم التي تقف وراءها خدمة لمصالحها.

وفي المقابل، يقول أصحابها إن الهدف من اللقاءات التي تعقدها دوريا هو تبادل المعلومات والخبرات بشأن قضايا العالم الكبرى وليس التآمر ضد شعوبه ومصالحها، ويستغربون التركيز على الطابع السري لأعمالها، قائلين إن الغرض منه هو “تسهيل الحوار وضبطه”، وإن العالم يشهد يوميا عشرات الآلاف من الاجتماعات السرية التي لا تخرج مناقشاتها ونتائجها إلى العلن.

الجزيرة