بعد مجزرة نيس: هل نحن آمنون في أي مكان في العالم؟

بعد مجزرة نيس: هل نحن آمنون في أي مكان في العالم؟

81f70e0d63bca17290cec2da3d1b5ca224

مع اقتراب الذكرى السنوية الخامسة لانتقالي من نيويورك إلى باريس، كنت أتعامل بحذر أصلاً في كيفية تنقلي والأماكن التي أذهب إليها قبل وقت طويل من هجوم “يوم الباستيل” الرهيب في مدينة نيس يوم الخميس الماضي. لم أذهب لحضور أي من مباراة كرة القدم في مدينتي المتبناة خلال دورة بطولة أمم أوروبا 2016، التي استمرت شهراً وانتهت يوم الأحد قبل الماضي، لأنني اعتقدت بأنها تشكل هدفاً مغرياً جداً للعمل الإرهابي. بل إنني كنت أخرج عن طريقي المعتاد حتى أتجنب مناطق المشجعين التي تعج بالآلاف من المغرمين المتحمسين لكرة القدم. ثم شعرت بأنني أحمق بازدياد مع مضي دورة المباريات قدُماً، لكنني جثمت وتابعت رياضتي المفضلة عبر شاشة التلفاز، في أمان غرفة معيشتي، بينما يتشتت انتباهي بين الفينة والأخرى بسبب الأضواء الوامضة لبرج إيفل الذي يظهر عبر نافذتي.
كان إحساسي بالأمان بالعيش في فرنسا قد تغير بعد 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما أزهق الإرهابيون أرواح 130 شخصاً في هجوم دموي على مطاعم وعلى مسرح الباتكلان وقرب استاد فرنسا الذي شهد مؤخراً المباراة النهائية بين فرنسا والبرتغال. وكنت أنا وزوجتي في الاستاد ليلة حاول ثلاثة مفجرين انتحاريين الإخلال بالأمن خلال مباراة كانت تجري بين فرنسا وألمانيا ونسفوا أنفسهم. وما أزال أتذكر الشعور بشدة الصدمة الارتدادية التي أحدثها الانفجار الأول الذي وقع على بعد مئات عدة من الأمتار أسفل مقاعدنا.
هذه الأعمال من الإرهاب الدموي، هجمات شارلي إيبدو، وإطلاق النار في سان برناردينيو في ولاية كاليفورنيا في العام الماضي، والتفجيرات المريعة في مطار بروكسل وإسطنبول مؤخراً والمجازر التي لا يمكن وصفها في العراق وأفغانستان، والمذبحة التي جرت في أورلاندو هذا العام، ألقت كلها بظلالها على قراراتنا اليومية في باريس. فقد عمدنا إلى محاولة تجنب التنقل بواسطة المترو في محطات القطار الضخمة مثل لاغر وسان لازار ولاغر مونبارنا، كما أننا نتجنب بشكل روتيني حضور المناسبات التي تتواجد فيها حشود كبيرة. ونتساءل في بعض الأحيان عما إذا كان من المناسب أن نجلس مكشوفين تماماً في مقاهي الرصيف الباريسية الشهيرة.
كنا فكرنا في زيارة نيس قبل العودة إلى الولايات المتحدة لقضاء عطلتنا الصيفية السنوية. ونظرنا عبر الانترنت إلى غرف الفنادق على طول الواجهة البحرية. لكن برامجنا الزمنية لم تتطابق مع برامج أصدقائنا فقررنا السفر إلى نيويورك في الأسبوع الماضي.
على الرغم من الحذر الذي درجنا على توخيه، لم نعتبر نيس هدفاً. فبعد كل شيء، نحن نعرف جيداً هذه المدينة القديمة الساحرة التي يبلغ عمرها 2000 عام، ويقطنها نحو 350.000 نسمة، والتي تقع بين مدينة كان، موطن أشهر مهرجان للأفلام السنمائية في العالم، وبين موناكو، ملعب الناس الأكثر ثراء. ومدينة نيس هي أكثر المدن الفرنسية شبهاً بميامي. وتنساب المدينة على سلسلة من التلال الناعمة إلى شاطئ استحمام البحر الأبيض المتوسط الرملي المدهش. وتنعم المياه الزرقاء العميقة على المنطقة بطقس لطيف جعل من الرفيرا الفرنسية مكاناً لاجتذاب الأثرياء والمشاهير والفنانين وكل الذين يسعون إلى التمتع بأشعة الشمس. ولا توجد لنيس أي أهمية سياسية مثل باريس أو بروكسل.
مع ذلك، أصبح طريق نيس الأكثر شهرة، متنزه “بروميناد دي أنغليه” حيث صفوف أشجار النخيل الباسقة، ساحة قتل لسائق شاحنة يضمر القتل في فكره. وبإطلاق الناس واجتياج حشد مبتهج محتفل شاهد لتوه احتفال الألعاب النارية بمناسبة ذكرى يوم الباستيل، قتل نحو 84 شخصاً وجرح عشرات آخرين قبل أن ترديه الشرطة قتيلاً. وسيغير هذا الحادث على نحو عميق ذكرياتنا عن هذه المدينة حيث مثلت فنادقها المشهورة مثل “نيغريسكو” ذي الأبراج حيث كنا قد أقمنا ذات مرة، و” بالاي دي لا ميديتيرنيه”، المتعة والسعادة وطريقة الحياة المريحة.
وسوف يطلق هذا الحادث الإرهابي الرئيسي الثالث في فرنسا في غضون 18 شهراً المزيد من النقاشات حول السبب في أن العديد جداً من الرجال المهاجرين مهمشون على هذا النحو في المجتمع الفرنسي، وكذلك عن الطريقة المثلى لمقاتلة عدو يستطيع أن يحول جسماً موجوداً دائماً، مثل شاحنة، إلى سلاح مميت. لكن المخاوف سوف تظل أكثر شخصية بكثير بالنسبة لمعظمنا.
تشكل المجزرة في نيس تذكيراً بأن الأمن في حياتنا اليومية هو سلعة تصبح أكثر ندرة باطراد في أي مكان نعيش فيه. وعندما عدت إلى نيويورك في الأسبوع الماضي، وجدت نفسي أجري الحسابات نفسها حول محطات القطارات التي أتجاوزها والحشود التي أتجنبها. وقد قبلت بحقيقة أن هذا الحذر سيكون العرف الجديد في نيويورك وباريس ومدن أخرى لا تعد ولا تحصى. ولا تعدو نيس كونها أحدث ميدان في معركة مستعرة لا نعرف كيف ننهيها. وفي الأثناء، سوف يعترينا الشك وننظر دائماً من حولنا، وسوف نفقد الثقة بجيراننا ونغير من عاداتنا، في إطار جهودنا لنظل بعدين عن قائمة الضحايا.

جويل داريفوس

صحيفة الغد الأردنية