تحالف «داعش» وبشار

تحالف «داعش» وبشار

325

على السطح يبدو التحالف بين بشار وتنظيم «داعش» الإرهابي غير محتمل وحتى غريباً، فالطرفان ليسا فقط خصمين ولكن الاختلاف بين ماهية كل منهما قوي.. على الرغم من استخدام البعض لمصطلح «الدولة الإسلامية» الذي يطلقه البعض على التنظيم، فإن «داعش» ليس بالمرة دولة، بل هو في نظر الجميع منظمة إرهابية وحتى بربرية بسبب ممارستها للذبح على شاشات التلفزيون، وبسبب شعور عناصر التنظيم بالفخر بسبب هذه البربرية.. ومع أن ممارسات بشار في قتل شعبه تُثير الاشمئزاز أيضاً، إلا أن سوريا ليست فقط دولة معترف بها، ومع أن مقعد سوريا في الجامعة العربية لا يزال شاغراً حتى تتغير الحكومة، بل إن هذه الحكومة لا تزال ممثلة في الأمم المتحدة، وتتمتع بحلفاء أقوياء إقليمياً ودولياً مثل إيران وروسيا.

علاقة التحالف في هذا المقال هي غير صريحة أو علنية ولكنها قوية، ونسميها في العلوم السياسية Freind Enemy أو الأصدقاء الأعداء، والتعبير الإنجليزي الدارج والأكثر شيوعاً هو Strange Bedfellowrs أو رفاق الفراش الغرباء، ويتفق التعبيران على أن رفاق الفراش هؤلاء هم فعلاً أعداء، ولكن في النهاية تقوم أعمالهم، عن عمد أو عن غير عمد، بتقوية ما يبدو الخصم والذي ينبغي القضاء عليه، هي ظاهرة عامة في العلاقات الدولية وحتى الشخصية.

ولنوضح هذه الظاهرة بتطبيقها على حالة «داعش» وبشار، عندما بدأت الاحتجاجات السورية ضد نظام بشر ثم تطورت إلى حرب أهلية منذ نحو خمس سنوات، توقع غالبية المحللين بقرب سقوط النظام السوري، مثله مثل سقوط بن علي في تونس أو مبارك في مصر أو القذافي في ليبيا أو صالح في اليمن، وحتى مع استمرار هذه الحرب لتكون أكثر دموية، فإننا نحن المحللين لم نغير من توقعاتنا واعتقدنا أن سقوط الأسد أو هربه خارج البلاد كما فعل بن علي ما هو إلا موضوع وقت.

في عامه الخامس من هذه الحرب الدامية، لا يبقى الأسد فقط في مكانه، بل إن مقاومة نظامه بدأت تقل، خاصة خارجياً، هناك بالطبع التدخل الإيراني والروسي على الأرض، فإذا لم يكن هناك جنود «حزب الله» وكذلك بعض قوى الجيش الثوري الإيراني لما استطاع بشار المقاومة كل هذه المدة، ثم جاء الدعم الروسي المباشر أيضاً بالسلاح والمستشارين ليس فقط لضمان بقاء الأسد، ولكن أيضاً لدعمه دولياً بحيث إنه الآن في اجتماعات جنيف أو غيرها ليس مستعداً لتقديم أية تنازلات.

ما يحدث حالياً هو أن جبهة المقاومة الدولية ضد بشار بدأت تضعف وحتى تتفتت، وآخر مظاهرها هو الموقف التركي، حتى قبل محاولة الانقلاب في أول الأسبوع، وتصريح رئيس الوزراء بما يعني عدم اشتراط مغادرة بشار الحكم فوراً للوصول إلى حل للأزمة السورية، أعتقد أن فرنسا، حتى قبل مذبحة نيس، قد تكون هي الأخرى في الطريق، بقيت الولايات المتحدة، وهذا يعتمد على نتائج زيارة كيري الحالية إلى موسكو.

نظرية موسكو التي تلقى قبولاً أكثر وأكثر هي أن الخطر الأكبر في سوريا ليس نظام بشار ولكن وجود «داعش» واستمراره، بمعنى آخر أن الأولوية الكبرى هي مواجهة داعش وهزيمته دون تفتت قوى المقاومة بين محاربة بشار ومحاربة «داعش»، بل تذهب موسكو أكثر من ذلك وتقول إنه لمواجهة «داعش» يجب التحالف حتى مع الشيطان، وأنه على الأرض السورية هناك احتياج كبير إلى قوى النظام السوري وجيشه فعلياً وقتالياً، وهكذا يتم رد الاعتبار لنظام بشار بل محاولة العمل معه كحليف في المعركة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي البربري.

صراحة بالنسبة إلى نظام مثل بشار (أو ترامب واليمين الأميركي والأوروبي عامة)، لو لم يكن هناك «داعش» لتبرير سياساتهم وتوجهاتهم التي لا تقل سوءاً أحياناً عن «داعش»، لحاولوا بالوسائل المختلفة قيام «داعش» ومثيلاتها، فهل سيستطيع المستقبل القريب كشف الستار عن تعاون ما على الأرض بين نظام بشار و«داعش»، بمعنى أن غرباء الفراش تجمعهم بعض المصالح المشتركة؟

بهجت قرني

صحيفة الاتحاد