مؤلفات أجنبية تحلل تدهور أوضاع الحريات في الشرق الأوسط

مؤلفات أجنبية تحلل تدهور أوضاع الحريات في الشرق الأوسط

1451558861

صدر خلال الأشهر الخمسة المنقضية من العام الجاري عدد من المؤلفات الأجنبية التي ترصد مآلات ثورات الربيع العربي بعد خمس سنوات من اندلاعها‮. ‬وقد حملت تلك المؤلفات تقييما سلبيا لأوضاع الدول العربية والنظام الإقليمي العربي،‮ ‬بعد موجة من التظاهرات والحراك الشعبي في بدايات عام‮ ‬2011،‮ ‬مع تبدد آمال بناء دول عربية،‮ ‬ذات نظم حكم ديمقراطية، وارتداد عدد من دول الثورات العربية مرة ثانية إلي أنظمة حكم سلطوية،‮ ‬وتدهور أوضاع الحريات فيها، خوفا من نيران الحرب الأهلية التي تعانيها سوريا، واليمن،‮ ‬وليبيا‮. ‬كما صدرت مؤلفات تقيم حالة الحريات في إيران، التي سبق أن شهدت في عام‮ ‬2009‮ ‬حراكا شبابيا مطالبا بالحريات والإصلاح السياسي، والذي تم وأده في حينه،‮ ‬في ظل نظام يسيطر عليه رجال الدين‮.‬

استكمالا لمؤلفاته عن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬منذ ثورات الربيع العربي،‮ ‬يناقش مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية في جامعة جورج واشنطن، في كتابه الجديد المعنون‮ “‬الحروب العربية الجديدة‮: ‬الانتفاضات والفوضي في الشرق الأوسط‮”‬،‮ ‬كيف تحولت ثورات الربيع العربي من مظاهرات سلمية نادت بالتغيير والانتقال من النظم الاستبدادية القمعية إلي نظم ديمقراطية،‮ ‬بعد أن ضاقت حال شعوب المنطقة من الأوضاع السياسية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية المتدهورة إلي مواجهة عسكرية مع نظام استبدادي في سوريا،‮ ‬في ظل تدخلات عسكرية إقليمية ودولية، وانتكاسات موجة ثورات الربيع العربي ما بين التراجع للأنظمة الاستبدادية،‮ ‬والحروب الأهلية،‮ ‬وعدم الاستقرار السياسي والأمني‮.‬

بدأ المؤلف كتابه بتناول التطورات الليبية،‮ ‬والفوضي الأمنية والسياسية والمستمرة إلي يومنا هذا بعد التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من حكم معمر القذافي، وبعد أن أصبحت سوريا ملاذا آمنا للتنظيمات الإرهابية،‮ ‬وفي مقدمتها تنظيم‮ “‬داعش‮”‬،‮ ‬لأن ليبيا‮ -‬من وجهة نظر المؤلف‮- ‬هي محور تحول الربيع العربي من احتجاجات سلمية محلية إلي حروب إقليمية بالوكالة‮.‬

ويحمل الكتاب تقييما سلبيا للربيع العربي بعد خمس سنوات من الآمال لتغيير إيجابي في الشرق الأوسط، حيث رأي المؤلف أن آمال المواطنين،‮ ‬الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحول دولهم إلي دول تقوم على مبادئ الديمقراطية،‮ ‬وحكم القانون،‮ ‬وإنهاء العنف والقمع،‮ ‬بدأت تتلاشي تدريجيا‮. ‬وفي ظل الأزمات السياسية والأمنية التي تشهدها الدول العربية منذ الربيع العربي،‮ ‬وتحول المظاهرات السلمية في سوريا واليمن إلي حرب أهلية، وصف المؤلف النظام الإقليمي العربي بأنه في حالة سقوط حر‮.‬

ويشير إلي أن الإخفاق الاقتصادي،‮ ‬والتدهور الاجتماعي،‮ ‬والسلطوية السياسية التي قادت العرب إلي الانتفاض ضد الأنظمة الحاكمة في عام‮ ‬2011‮ ‬في تزايد بشكل مطرد‮. ‬ويضيف أن الربيع العربي لم ينجح في تحويل دول المنطقة إلي دول ديمقراطية‮.‬

ويخلص المؤلف إلي أن الربيع العربي نجح إلي حد بعيد في كسر الوضع الراهن أكثر من قدرته على بناء بدائل أفضل، وأن الحكام العرب يواجهون الانتفاضات الشعبية من خلال القمع،‮ ‬والعنف، والاستقطاب السياسي والاقتصادي، والتلاعب بسياسات الهوية‮.‬ فهم‮ -‬من وجهة نظر لينش‮- ‬يحاربون من أجل البقاء السياسي،‮ ‬وليس من أجل وطنهم‮. ‬ولكن المؤلف يري أن الفشل في عملية التحول الديمقراطي لا يؤكد الفكرة القائلة إن الدول العربية‮ ‬غير جاهزة للديمقراطية، كما أن الإدارة الأمريكية لم تكن لديها القدرة لوقف ثورات الربيع العربي،‮ ‬إذ أقدمت على ذلك‮.‬

وفي سياق متصل، يتناول ريتشارد إنجل في مؤلفه‮ “‬ومن ثم انفتحت أبواب الجحيم‮: ‬عقدين في الشرق الأوسط‮” ‬السياسات القمعية للأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط، وما نتج عنها من صعود للتيارات الأصولية المتعصبة، وهشاشة البناء التنظيمي للدولة،‮ ‬ودورها في إسقاط الديكتاتوريات في المنطقة،‮ ‬ويخلص إلي أن المنطقة ستشهد جيلا جديدا من الحكام الديكتاتوريين،‮ ‬لأن شعوب المنطقة لا يمكن أن تتعايش مع الفوضي التي تشهدها للأبد، حيث سيقدم هؤلاء الحكام مخرجا،‮ ‬وسيتقبلهم الشعوب المنهكة،‮ ‬التي عانت الظلم والوحشية‮. ‬ويري المؤلف أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعارض وصولهم لسدة الحكم‮. ‬ويشير إلي أن هؤلاء الديكتاتوريين الجدد سيكونون الأسوأ من سابقيهم من الحكام المخلوعين،‮ ‬لأنهم سيملكون القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحديد وملاحقة أعدائهم ومعارضيهم‮.‬

وفي مؤلفه الذي جاء بعنوان‮ “‬تنظيم الغضب العارم‮: ‬الشرق الأوسط في حالة اضطرابات من ميدان التحرير إلي داعش‮”‬،‮ ‬يناقش روبرت ورث أسباب ثورات الربيع العربي، وعدم قدرة الأنظمة العربية على استيعابها، ودور الحروب الأهلية في تدمير أواصر العلاقات الفردية، وكيف تضحي عدد من الدول العربية بالديمقراطية والتحول السياسي مقابل الهروب من الحروب الأهلية، وتجريف المؤسسات الحكومية،‮ ‬وتجويفها من قبل الأنظمة الديكتاتورية‮.‬

ويري ورث في مؤلفه أن المتظاهرين العرب كانوا متحدين في مواجهة الأنظمة السلطوية، ولكنهم منقسمون حول المرحلة التالية لسقوط تلك الأنظمة،‮ ‬وهو ما أدي للتحول من نشوة الثورة إلي ويلات الحروب الأهلية،‮ ‬في ظل‮ ‬غياب ما يمكن أن يحل محل الأنظمة البالية، فسقطت سوريا، وليبيا،‮ ‬واليمن في حالة من الفوضى.‬

وعن الحالة المصرية،‮ ‬أشار الكاتب إلي أنها اختارت طريقا مختلفا ففضلت العودة إلي سياسات استبدادية لتجنب ويلات الحرب الأهلية‮. ‬وفي المقابل،‮ ‬فإن تونس‮ -‬من وجهة نظر المؤلف‮- ‬هي الدولة الوحيدة التي حاولت أن تخلق شيئا شبيها بالديمقراطية‮.‬

وعن أهم المؤلفات التي صدرت خلال النصف الأول من العام الجاري‮ (‬2016‮) ‬عن أوضاع الحريات في إيران،‮ ‬يأتي كتاب المحامية الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام في عام‮ ‬2003،‮ ‬شيرين عبادي، بعنوان‮ “‬حتى نتحرر جميعا‮: ‬كفاحي من أجل حقوق الإنسان في إيران‮”‬، والذي تروي فيه قصة مواجهتها مع الحكومات الإيرانية التي سعت إلي اغتيالها،‮ ‬وتدمير عائلتها،‮ ‬وعملها، وتحدي المؤلفة لتلك الظروف المأساوية من أجل تحقيق الحرية،‮ ‬وصون حقوق الإنسان لشعبها ولبلدها دون سعي لتحقيق أي طموحات سياسية‮.‬

يلقي الكتاب الضوء على حالة القمع السياسي في طهران،‮ ‬وصعوبات أن تكون ناشطا في مجال حقوق الإنسان،‮ ‬حتى لو كنت شخصية عالمية‮. ‬ففي مؤلفها،‮ ‬تشير عبادي إلي أن الحكومة الإيرانية اتخذت جميع الأساليب لتدميرها،‮ ‬سواء على المستوي العملي،‮ ‬أو الحياة الشخصية، إلا أنها لم تستطع القضاء على إصرارها ونضالها من أجل العدالة،‮ ‬ومستقبل أفضل‮.‬

وفي مؤلفها،‮ ‬تطرقت المؤلفة إلي كيفية استفادة النظام الإيراني من اضطراب الأوضاع في الشرق الأوسط‮.‬ فبجانب الرغبة الإيرانية في تعزيز مصالحها الجيوسياسية بالمنطقة،‮ ‬فإنها تريد‮ -‬أيضا‮- ‬توصيل رسالة للشعب الإيراني،‮ ‬مضمونها أن تداعيات الانتفاضة الشعبية في الداخل تكون مدمرة للبلاد‮. ‬وتري أن التغيير بطئ داخل إيران،‮ ‬ولكنه سيندلع حتما‮.‬

خلاصة القول‮:‬ اتفقت معظم‮ -‬إن لم يكن كل‮- ‬المؤلفات،‮ ‬التي صدرت خلال النصف الأول من العام الجاري،‮ ‬على أن أوضاع منطقة الشرق الأوسط أصبحت أكثر سوءا مما كانت عليه في بداية العقد الجاري، وأن التطورات في المنطقة،‮ ‬خلال السنوات القادمة،‮ ‬تشير إلي تنامي عدد الأنظمة السلطوية، التي ستكون أكثر قمعا خوفا من أن تشهد بلادها حروبا أهلية كتلك التي تعانيها سوريا،‮ ‬واليمن،‮ ‬وليبيا‮. ‬ولكن هذا لا يعني عدم وجود فئة تدافع بضراوة عن تحول بلادها من أنظمة سلطوية قمعية إلي أخري أكثر ديمقراطية تؤمن بالحريات،‮ ‬وتصون حقوق الانسان، وأن الدول العربية عصية على التحول الديمقراطي‮. ‬وتؤمن تلك المؤلفات بأن التحول الديمقراطي يجب أن يكون من داخل الدول ذاتها،‮ ‬وليس من خلال الحروب العسكرية،‮ ‬أو بضغوط من الخارج،‮ ‬لأن الخبرة تشير إلي أن التدخلات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط تولد دولا فاشلة،‮ ‬وليس دولا مستقرة وآمنة‮.‬

عمرو عبد العاطي
السياسة الدولية