صراع الحضارات الذي لا يريد الغرب الاعتراف به

صراع الحضارات الذي لا يريد الغرب الاعتراف به

xomaggio-strage-nizza.jpg.pagespeed.ic.oGUOaz2qm4

بعدما حدث هجوم أودى بحياة ما يقرب من 100 مدني، كانوا يحتفلون في مدينتهم بعيد الاستقلال، العديد من الضحايا ملقاة على أرض، مشهد يذكرنا بما تعيشه شوارع بغداد كل يوم. هجوم يصور المستوى الذي وصلت إليه “حرب الحضارات” بين الدول الغربية والشرقية المسلمة، التي، رغم وضوحها، ترفض الحكومات الغربية والإعلام الاعتراف بها.

هجوم ينفذ في وقت حساس وبتقنيات يدوية، سهلة الاستعمال ويصعب التفطن لها، نفذ القاتل هجومه في الوقت الذي كانت فيه المدينة صاخبة بالاحتفالات والألعاب النارية وغير متفطنة للخطر الذي كان يحدق بها.

هذا المشهد الدموي يذكرنا بالمذابح التي تتسبب بها القوات الغربية والتنظيمات الإرهابية للمدنيين في العراق وسوريا ولبنان. تكشف الهجمات التي نفذت في الدول الغربية عن استراتيجية جديدة، يقوم بها “ذئاب منفردة”، يائسة وغير مدربة عسكرية.

تنفذ هذه الهجمات بدقة مدروسة في مكان الهجوم، كما حصل في هجوم شارلي إيبدو والبتلكان ومطار بروكسل وبنغلادش. وتسلط هذه الهجمات الضوء على نقلة نوعية في الأنظمة التشغيلية التي تعمل بها الجماعات الإرهابية في حربها الصامتة ضد الغرب، والتي أصبحت تركز على “أهداف حساسة”، لا تكون بالضرورة مستهدفة.

تشير مذبحة “نيس” إلى مستوى جديد من حرب الحضارات، قطعت فيه الجماعات الإرهابية مع الطرق التقليدية وعملت فيه على إنشاء شبكات سرية، متجذرة في أوروبا ومتواطئة مع التنظيمات الإسلامية في العالم العربي، تنشر أيديولوجيتها في آلاف المساجد السرية في ضواحي المدن بين أبناء الجيل الثاني والثالث من المثقفين وتكشف عن ثقافة “الحياة البدائية”، التي لا يريد العالم الإسلامي رفع الستار عنها.

يهدف هجوم “نيس” إلى تدمير جوهر ثقافة التنوير والقيم العلمانية المتعلقة بها، والتي مثلت بداية الدول الحديثة. اندلعت الثورة الفرنسية لأجل الدفاع عن القيم التي جاءت بها الحضارة الغربية والتي تقوم على “المساواة والحرية والأخوة”. عملت الثورة الفرنسية على القطع مع العبودية وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات التي ينص عليها القانون و إعلان المساواة بين الرجال والنساء وضمان العيش وسط مجتمع خالٍ من التمييز والظلم الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، أُنشئ الاتحاد الأوروبي لتفعيل هذه الأهداف وإحياء السلام بين الشعوب الأوروبية وتقريبها من حيث الأنظمة القانونية والاقتصادية والاجتماعية. عارضت بريطانيا هذه العملية الأنانية ولم تفهم المخاطر التي قد تترتب عن الانعزالية والتفكك، التي تأتي بها القوة المالية ووسائل الإعلام والسياسيين.

من عاش احتفالًا من احتفالات 14 يوليو في فرنسا، يعرف تمامًا كيف يعيش الفرنسيون، و”ضيوفهم” في كامل أنحاء البلد، هذه الفرحة وهذا الحدث الشعبي كل سنة. تمثل هذه الذكرى السنوية بداية ثورة عنيفة ودموية، ككل الثورات، لكنها أيضًا تمثل هوية البلد ووطنيتها وفخر أوروبا.

عاش العرب انقسامات كبيرة مع الغرب، وشهدت الدول العربية المسلمة العديد من الحروب الأهلية والدموية، على إثر اتفاقية سايكس بيكو، المبرمة سنة 1916. بالإضافة إلى ذلك، عملت الدول العربية المهيمنة على نشر وتفعيل سياسة الاستبداد والانتفاع على حساب الشعوب العربية المسلمة، وخاصةً الأصولية منها.

والتجأ الملايين من الشعوب العربية إلى الدول الغربية كطريقة للخروج من الاستبداد الذي يفرضه الحكام العرب إلى الحرية، في الوقت الذي تعمل فيه القوى الكبرى على المشاركة في “الحروب بالوكالة”، كالتي تقام في فلسطين، بهدف تمويل الجماعات الإرهابية وابتزاز القوى الغربية.

وهدفت عملية التغريب التي سعت القوى الكبرى إلى نشرها باختصار، لخلق نوع من التمويه لإثراء أنفسهم من خلالها، ولجعل الملايين من المسلمين يعيشون كل مظاهر التحقير والإهانة تحت أقدام الدول الغربية، حكومة وشعبًا، بعد أن كانوا ينظرون إلى الغرب كمنبع للأمل، يعيشون فيها الحياة البديلة، رغم علمهم أن نمط عيش الغرب لا يتماشى كثيرًا مع ما يمليه علينا القرآن الكريم.

لا يريد الغرب اليوم التعامل مع ظاهرة الإرهاب والسياسات الغامضة للعالم الثالث على أنها “صراع الحضارات” لهذا تعاملت معها على أنها حرب ضد تنظيم الدولة وضد التعصب الديني، وأعلنت تدخلها في سوريا والعراق. بالإضافة إلى ذلك، عملت وسائل الإعلام على تقديم مبررات “إسلامية” للهجمات التي تقوم بها للجماعات الإرهابية، على الرغم من أن المسلمين هم أول المتضررين من هذه الهجمات.

ولذلك نجد أنه من الضروري اتباع تحليل معمق وشفاف للأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أدت إلى فشل دمج المسلمين في أوروبا، وللغاية التي أراد من خلالها حلف شمال الأطلسي حث القوات الإسرائيلية والفلسطينية على توقيع اتفاقية سلام “شريفة وحقيقية”.

ارتيكولو 21 – التقرير