انعدام الأمن المائي في العالم العربي

انعدام الأمن المائي في العالم العربي

350

لن نجد على الأرض مكانا يعاني ندرة المياه العذبة أكثر من العالم العربي. فالمنطقة موطن لأغلب دول العالم الأكثر فقرا من حيث الموارد المائية، بما في ذلك البحرين، وجيبوتي، وغزة، والأردن، والكويت، وليبيا، وقطر، والسعودية، والإمارات. ويلقي هذا النقص ــ المتفاقم بفِعل الانفجار السكاني ونضوب وتدهور النظم البيئية الطبيعية والسخط الشعبي ــ بظلاله القاتمة على مستقبل هذه البلدان.

يبدو أن قِلة من المراقبين يدركون كيف تسهم ندرة المياه في إدامة حلقة العنف. كان أحد المحركات الرئيسة لثورات الربيع العربي ــ ارتفاع أسعار الغذاء ــ مرتبطا بشكل مباشر بأزمة المياه المتفاقمة في المنطقة. كما تغذي ندرة المياه التوترات بين الدول.

قد تستخدم المياه حتى كسلاح، ففي سورية انتزع “داعش” السيطرة على أحواض المنبع للنهرين الرئيسين، دجلة والفرات. وربما تسهم حقيقة أن ما يقرب من نصف العرب يعتمدون على تدفقات المياه العذبة من دول غير عربية، بما في ذلك تركيا ودول منابع نهر النيل، في تفاقم انعدام الأمن المائي.

وتشكل معدلات الخصوبة المرتفعة إلى عنان السماء مصدرا آخر للضغوط. فوفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ربما يهبط متوسط معدل توافر المياه السنوي في العالم العربي إلى 460 مترا مكعبا للفرد ــ وهذا أقل من نصف عتبة الفقر المائي عند مستوى ألف متر مكعب. وفي هذا السيناريو، يصبح استخراج المياه أقل استدامة مما هو عليه الآن بالفعل، مع استنزاف مخزونات محدودة بسرعة أكبر من أي وقت مضى ــ وهو الوضع الذي قد يغذي المزيد من الاضطرابات.

وأخيرا، تقدم دول عديدة إعانات دعم خاصة بالمياه، ناهيك عن البنزين والمواد الغذائية، في محاولة لشراء السلم الاجتماعي. ولكن مثل هذا الدعم يشجع الممارسات المسرفة، ويفضي إلى التعجيل باستنزاف الموارد والتدهور البيئي.

باختصار، أصبح العالم حبيسا على نحو متزايد داخل حلقة مفرغة، إذ تؤدي الضغوط البيئية والديموغرافية والاقتصادية إلى تفاقم ندرة المياه، ويعمل ما ينتج عن ذلك من بطالة وانعدام الأمن على تغذية التوترات الاجتماعية والاضطرابات السياسية والتطرف. وتستجيب الحكومات بزيادة إعانات الدعم للمياه وغير ذلك من الموارد، وهو ما من شأنه أن يعمل على تعميق التحديات البيئية التي تؤدي إلى تفاقم الندرة والاضطرابات.

التحرك العاجل مطلوب الآن لكسر هذه الحلقة. فبادئ ذي بدء، ينبغي للدول أن تتخلص تدريجيا من المحاصيل الكثيفة الاستخدام للمياه، وأن تستورد الحبوب والبذور الزيتية ولحوم الأبقار من الدول الغنية بالمياه، حيث يمكن إنتاجها بقدر أكبر من الكفاءة والاستدامة.

أما عن المحاصيل التي تستمر الدول العربية في إنتاجها، فإن إدخال تكنولوجيات أكثر تقدما والاستعانة بأفضل الممارسات من مختلف أنحاء العالم من الممكن أن يساعد في الحد من استخدام المياه. ومن الممكن استخدام تكنولوجيات الأغشية والتقطير لتنقية المياه الفاسدة والملوثة، وتكرير مياه الصرف الصحي، وتحلية المياه المالحة أو مياه المحيط. ومن الممكن أن يعمل الري بالتنقيط الذي يتسم بدرجة عالية من الكفاءة على تعزيز إنتاج الفاكهة والخضراوات في المنطقة، من دون استخدام مفرط للمياه.

تتمثل خطوة مهمة أخرى في توسيع وتعزيز البنية الأساسية للمياه لمعالجة اختلالات التوازن الموسمية في توافر المياه، وتحسين كفاءة التوزيع، وتجميع مياه المطر، وبالتالي فتح مصدر إضافي للإمدادات.

كما يشكل تحسين إدارة المياه أهمية بالغة. وتتلخص إحدى الطرق لتحقيق هذه الغاية في تسعير المياه بشكل أكثر تناسبا، وهو ما من شأنه أن يوجد الحافز لمنع الهدر والحفاظ على الإمدادات. وفي حين لا يجب إلغاء إعانات الدعم بالكامل، فلابد أن يجري توجيهها نحو صغار المزارعين أو غيرهم من العاملين من ذوي الاحتياجات المرتفعة وإعادة تصميمها بحيث تعمل هي أيضا على توفير الحافز للحفاظ على المياه ورفع كفاءة استخدامها.

لا شك أن الدول الأكثر ثراء واستقرارا مثل دول الخليج في وضع أفضل من الدول التي تمزقها الصراعات مثل اليمن وليبيا والعراق، بما يسمح لها بمعالجة أزمة المياه المتزايدة الحِدة التي تواجهها. ولكن كسر حلقة العنف وانعدام الأمن يستلزمان قيام كل الدول في نهاية المطاف بتعزيز سبل تحسين إدارة المياه وحماية النظم الإيكولوجية البيئية. وإلا فإن محنة نقص المياه ــ جنبا إلى جنب مع الاضطرابات الداخلية ــ لن تزداد إلا سوءا.

براهما تشيلاني

جريدة الاقتصادية

بروجيكت سنديكيت، 2016.