مخاوف في محافظات الجنوب العراقي من عودة ميليشيات الحشد إليها

مخاوف في محافظات الجنوب العراقي من عودة ميليشيات الحشد إليها

basrar

يبدو أن فرحة النائب كاظم الصيادي لن تدوم طويلا، عندما تحدث قبل عام مضى عن نعمة الاستقرار التي تسود المحافظات الشيعية منذ التحاق شبابها بفصائل الحشد الشعبي وانتقالهم إلى المناطق والمحافظات السنية، وتباهى، يومها، بخلوها من جرائم السرقات وانخفاض معدلاتها، دون أن ينتبه إلى أن كلامه كان يشي بأن مقاتلي الحشد من صنف القتلة واللصوص وأصحاب السوابق.
فالأنباء الواردة من العراق تفيد بأن محافظي تسع محافظات هي الحلة والديوانية والسماوة والناصرية والنجف وكربلاء والكوت والبصرة، والتحق بهم في اجتماعهم الختامي محافظ ديالى مثنى التميمي، رغم تدهور صحته واشتداد أوجاع كليته الوحيدة، عقدوا سلسلة من الاجتماعات خلال عيد الفطر الماضي كُرّست لبحث مستقبل محافظاتهم عقب انتهاء مهمات ميليشيات الحشد في الفلوجة، وعودة أفرادها قريبا إلى مدنهم في تلك المحافظات، بعد أن أصبح قرار حظر اشتراكهم في معركة الموصل، مسألة لا نقاش فيها.

ورغم أن اجتماعات المحافظين التسعة، التي لم يُدْعَ إليها محافظا بغداد وميسان (العمارة) لأنهما من التيار الصدري، عقدت في النجف بحجة زيارة المراقد الدينية ولم تصدر عنها بيانات ولا بلاغات، إلا أن المعلومات عنها تسربت وباتت حديث الأوساط الشعبية، رغم منع تداولها في وسائل الإعـلام المحليـة خشية تداعيـاتها على الشـارع الشيعي، وأيضـا لعدم إثارة قادة الميليشيات الذين أصبحوا الآن في موقف محرج فلجأوا إلى إطلاق تصريحات نارية ضد القوات الأميركية المتجحفلة في القيارة ومخمور في أطراف الموصل، مع أن هـذه القوات تنشط وتتحرك أرتـالها علنا دون أن يجرؤ فصيل شيعي على الاقتراب منها.

وناقش المحافظون في اجتماعاتهم التي عقدت في أجواء قلق وخوف من الآتي قضايا عدة أبرزها، كيفية التعاطي مع العائدين خصوصا عمال الخدمات والمستخدمين في الدوائر الحكومية، وأعداد منهم باتت كوادر متقدمة في فصائل الحشد لا ترضى، بكل تأكيد، بالعودة إلى مواقع عملها البسيط السابق؟ كما أن العاطلين الذين انخرطوا في تشكيلات الحشد بحثا عن الراتب سيعودون ويطالبون بأعمال تسند إليهم ورواتب شهرية تمنح لهم، وموازنات المحافظات التي تعاني أصلا نقصا في تخصيصاتها المالية، لا تسمح بتعيين عمال أو موظفين جدد، حتى عقود التشغيل المؤقتة جرى إلغاؤها بقرار مركزي.

أما أخطر الملفات التي ناقشها المحافظون في اجتماعاتهم، فكان الملف الأمني في محافظاتهم بعد أن يعود الآلاف إليها ولا يجدون عملا ولا يقبضون رواتب، فيضطرون إلى السلب والسرقة وقطع الطرق واقتراف المخالفات والسطو على الممتلكات العامة والخاصة لتعويض ما فقدوه.

وفي ختام الاجتماعات اتفق المحافظون التسعة، وأغلبهم من حزب الدعوة والمجلس الأعلى وواحد من ميليشيا بدر، على ضرورة بقاء أبناء محافظاتهم في أماكنهم الحالية الممتـدة من محافظة ديـالى شـرقا إلى الفلوجة والأنبار غربا، صعودا إلى محافظة صلاح الدين شمالا، والإمسـاك القوي لجنـوب العاصمة الذي ينفتح من قضاء المدائن باتجاه محافظات الجنوب، واقترحوا أيضا فتح جبهة قتال جديدة في مناطق جنوب وغـرب كركوك تسمح باستيعاب الآلاف من المقاتلين الذين تمت تهيئتهم للمشاركة في معركة الموصل، ولم يوافق أهالي المدينة وكذلك الجانب الأميركي على مشاركتهم.

وبالنسبة إلى جبهة القتال الجديدة المقترحة في جنوب وغرب كركوك، وتشمل مساحتها ثلثي مساحة المحافظة، فهناك إشكاليات سياسية لا بد من تذليلها وتتمثل في أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هو المسيطر على مركز محافظة كركوك، والمحافظ نجم الدين كريم عضو المكتب السياسي للحزب له موقف معروف ومعلن ضد تواجد ميليشيات الحشد في محافظته بما فيها المناطق التي مازالت تحت سيطرة تنظيم داعش، وسبق له أن هدد هادي العامري بسحق ميليشياته إذا لم يسحبها من أطراف كركوك المحاذية لمحافظة صلاح الدين، كما أنه ضيّق على فصيل شيعي تركماني صغير انخرط في فصائل الحشد ومنع رئيسه رضا النجار وأفراده من ارتداء ملابسهم العسكرية إذا أرادوا زيارة مدينة كركوك.

هنا تلقف الأمر زعيم حزب الدعوة، نوري المالكي، وأبدى استعداده لمعالجة هذه القضية وذهـب إلى السليمانية التي تعد المقر الرئيسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وعقد لقاء مجاملة لأغراض التصوير التلفزيوني مع رئيس الحزب الصوري جلال طالباني الذي بات لا يهش ولا يبش، غفر الله ذنوبه، ثم عقد اجتماعا مع قادة الحزب كما ذكرت وسائل الإعلام والفضائيات الكردية في المدينة دون أن تخوض في تفاصيله.

ولأن اجتماع المالكي مع قيادات الحزب الكردي الذي تم بعيدا عن الأضواء الاثنين الماضي لم يكشف عما دار فيه، فإن الاستنتاجات عنه تؤشر على عدة حالات منها: أن الاجتماع لم يصور تلفزيونيا، وهذا مدعاة للاستغراب! ثم إن نائبي جلال طالباني (برهم صالح وكوسرت رسول) لم يشاركا فيه، كما أن مسؤول العلاقات الخارجية للحزب الملا بختيار ولا محافظ كركوك نجم الدين كريم قد غابا عنه، وهذا يعني، بداهة، أن المالكي لم يجد غير السيدة هيرو خانم زوجة طالباني وعضو المكتب السياسي يجتمع بها، وهذا يعني أيضا أن قادة الحزب الكردي غير متفقين في مواقفهم إزاء زعيم حزب الدعوة والمهمة التي جاء من أجلها، مما أطلق العنان لرئيس حكومة إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، ليعلن من أربيل أن زيارة نوري المالكي للسليمانية لا تحمل خيرا، ملمّحا في الوقت نفسه إلى فشلها في تحقيق غاياتها!

محافظات الوسط والجنوب مقبلة على مرحلة فوضى لا شك فيها، ومقاتلو الحشد سيعودون إليها وفي رؤوسهم أحلام الوظيفة وحلاوة الراتب الشهري بالنسبة إلى العاطلين وخيال الزواج والاستقرار للعزاب منهم، وكلا الفئتين تمثلان 90 بالمئة من تعداد الحشد الذي قارب المئتي ألف مقاتل، بحسب ما تفاخر به أبومهدي المهندس في الشهر الماضي.

هارون رشيد

صحيفة العرب اللندنية