العراق، الأمير الفقير في مؤتمر المانحين

العراق، الأمير الفقير في مؤتمر المانحين

441

أثناء انعقاد مؤتمر المانحين الدولي لمساعدة العراق في واشنطن، بحضور عدد من وزراء خارجية الدول المهتمة، كانت قاعدة أندروز القريبة من العاصمة الأميركية تحتضن اجتماعا لوزراء دفاع 30 دولة، لبلورة موقف جاد للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا لمحاربة داعش، ولمتابعة الأحداث بعد هزيمة التنظيم المتشدد في المناطق التي يسيطر عليها.

مؤتمر المانحين وكلمات وزراء الخارجية والمعنيين تلخصها عبارة “تخفيف المعاناة عن الشعب العراقي”، في ظل الزيادات المحتملة للنازحين من الموصل والمناطق المحيطة بها، خاصة من جنوب المدينة، وتوقعات أن تصل الأعداد إلى قرابة مليونين، سيضافون إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون نازح يعانون من قلة المساعدات والحاجات الأساسية.

هناك أيضا من العراقيين من هو بمستوى الفقر، لكنه غير نازح، العدد الإجمالي يبلغ 10 ملايين، وبهذا الصدد حذرت ليزا غراندي، منسقة الشؤون الإنسانية في العراق، من كارثة إنسانية، والرقم مرشح للارتفاع في غضون نهاية هذا العام إلى 13 مليونا؛ بما يعني أن أكثر من ثلث سكان العراق يستحقون الإعانات الدولية.

التحديات تتضاعف مع بداية عمليات معركة الموصل، وبداية النزوح عن القرى؛ مشكلة المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومعها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، تبدو معقدة، لأنها تعمل في ظروف خطيرة مع صعوبة في استعادة خدمات المدن المحررة، لأنها تعرضت لتدمير هائل، وعملية رفع الألغام تحتاج إلى جهد فني وخبرات هندسية متطورة وزمن ليس بالقصير لتفادي سقوط المزيد من الضحايا؛ لكن تظل للمدنيين الهاربين من أرض المعارك، طلبات سريعة يجب التحضير لها، كالماء وإسعاف السلة الغذائية.

كلمات وزراء الخارجية كانت قصيرة، أبدى فيها الجميع حرصهم على دحر الإرهاب وإدامة إحداث الفارق في حياة العراقيين، والإعلان عن التعهدات المالية للمانحين، وبمجموعها تجاوزت 2 مليار دولار، وهو مبلغ كبير دون شك في الحسابات المصرفية لمداخيل الشعوب والدول، لكنها في اعتبارات العراقيين تنقسم إلى اليأس عند معظم الشعب، وخاصة عند الذين فقدوا الأمل في العيش الكريم من المتضررين مباشرة بالإرهاب والعمليات العسكرية؛ أما عند مسؤولي الصف الأول فهي لا تتعدى الملياري دولار، أي واردات مالية لصادرات النفط في مدة لا تتجاوز 20 يوما، قبل انخفاض أسعاره.

السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامنثا باور، نوهت إلى التعهدات السابقة للمانحين وتراجعهم عند التنفيذ، في إشارة إلى أن الأرقام المطروحة لا تعني أنها مبالغ مستحصلة أو واجبة الدفع، لأن التزامات المانحين تخضع لجملة من الإجراءات والمداولات، ومن بينها تراجعات في الوعود والسداد.

ما كان يدور في فضاء مؤتمر وزراء دفاع التحالف الدولي أو وزراء خارجية الدول المانحة، هو التخوف من عدم توفر أرضية لبناء السياسات الاقتصادية والإصلاحية في العراق، لذلك ارتبطت “إذا” الشرطية كمعادلة منطقية لتجربة عـدم الثقة بالعملية السياسية في العراق لغياب المصالحة، وتصاعد العنف، وفقدان الأمن، وتعدد الفصائل المسلحة ومشاريعها وتبعيتها؛ فالعراق، عموما وبالمختصر، يقبع في ذيل القائمة لمؤشر المنظمات الدولية المعنية بالشفافية.

يخشى المانحون من تسرب هبات أموالهم بإسفنجة الفساد المالي ذائع الصيت، كما تتسرب المياه مسرعة إلى باطن الأرض بسبب ندرة المياه الجوفية أو عطش التربة أو التبخر، وهي مواصفات قياسية لإهدار وضياع الأموال في العراق.

وزراء الدفاع تداولوا الاستعدادات لهزيمة تنظيم داعش والمعركة المرتقبة في الموصل وتسريع توقيتات حسمها، واعتبار العراق الساحة المتقدمة الأكثر خطورة للإرهاب في العالم، انسجم ذلك مع طروحات وزراء الخارجية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، حيث أبدى اهتماما مماثلا لاعتبار مستلزمات الانتصار العسكري لا تعلو في أهميتها على توفير الاحتياجات الدائمة للكتل البشرية النازحة من مناطق الصراع.

ما نؤكد عليه من تجربة المعارك السابقة، هو الفشل الحكومي في توفير الأمن وتلبية أبسط مقومات العمل الإغاثي المتعارف عليه في الكوارث والحروب التي تطال المدنيين بآثارها.

معارك الرمادي والفلوجة فقدت فيها الجهات المسؤولة عن الإغاثة بوصلتها في السيطرة على مقدرات النازحين ومن ضمنها وزارة الهجرة والمهجرين، فهي وزارة أكلت القطة لسانها ولم نعد نسمع لها صوتا يستجيب لاستغاثات الملهوفين الهـاربين من بطش داعـش وفخاخ المتصيدين؛ الاتهامات الموجهـة للـوزارة أو للمنظمات الإغـاثية، ليس شرطها السرقات أو الفساد المالي، بكل ما فيه مـن شجون، لكـن أيضا سوء في الإدارة والتنسيق مع المنظمات الدولية أو منظمات المجتمع المـدني، ولهذا يمكـن الإشـادة بالعاملين في فرع الهلال الأحمر لمحافظة الأنبار الذين بذلوا جهودا استثنائية، لأنهم يؤدون واجباتهم في خدمة أهلهم وعشائرهم وسكان مدنهم، ونأمل أن يكونوا قدوة وحافزاً لمن هم في فرع الهلال الأحمر في محافظـة نينوى الذين عليهم تنفيذ التعليمات المناطة بهم ضمن أسس التدريب الإغـاثي، للاستعـداد والتهيئة لما قبل الكـارثة، وأثنـاءها، وبعد الكارثة؛ يـدفعهـم الواجـب والـوازع الوطني والنفـسي.

طبق الاتفاقيات، الاتحاد الدولي للصليب الأحمر هو المخول بالتواجد في ساحات الصراع الملتهبة، والعراق من ضمن الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات، وعلى الحكومة وأجهزتها إدارة ملف المساعدات الإنسانية وتوفير قاعدة بيانات محكمة وفرق عمل على أهبة الاستعداد، لأن معركة الموصل تسبب صداعا للمنظمات الإغاثية، نظرا لتوقعات أعداد النازحين التي من المحتمل أن تتجاوز المليون.

ما يهمنا، أن حضور العراق في مؤتمر المانحين الدوليين، ولا أقصد هنا حضور الوفد إنما حضور العراق كوطن، كان بمثابة إيحاء لحضور الأمير النبيل الذي أصبح فقيرا لأنهم جردوه من عزه، عندما استغله الرعاع لفيض خيره وكرمه وسخائه وتقاليده الراسخة في المعرفة والذوق وبالإنسانية، حضور لا يليق بتاريخ العراق ولا بأهله أو ثرواته.

أميركا بوزير خارجيتها جون كيري، عندما يتحدث عن تخفيف المعاناة عن شعب العراق، فهو يتحدث عن جريمة الاحتلال الأميركي للعراق التي أدت إلى المعاناة؛ وعندما يكرر اشمئزازه من إرهاب داعش فهو لزاما عليه أن يستشعر هو وقادة بلاده، الاشمئزاز أولا من الاحتلال، السبب المباشر في تدمير العراق وانتشار الإرهاب الداعشي الذي وصفه وزير الدفاع الهولندي بيرت كونديرز، بالأخطبوط أو الأفعى ذات الرؤوس، وهو لم يخطئ، لكن الإرهاب ليس حِكرا على داعش، إنما هو الاحتلال وإرهاب الدولة ونظامها السياسي وميليشيات أحزابها الطائفية ومشروع ولاية الفقيه الإيراني الذي اتهم رئيس برلمانه، في يوم مؤتمر المانحين، الولايات المتحدة الأميركية بعدم التزامها ببنود الاتفاق النووي (1+5) وهددها بتخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تحددها إيران وتحتاجها، وهي إشارة يمكن تفسيرها بالتلويح مجددا باستمرار البرنامج النووي لأغراض التسليح.

الاحتلالات صنعت من شعوبنا، طوابير فقراء ونـازحين ولاجئين، إنهـم يستثمـرون في اللاجدوى، وفي إذلالنا بالمساعدات والهبات، وفي ذات الوقت يستمرون بالسيطرة على مصائرنا ودعم الحكومات الفاشلة.

ما يثير السخط حقا، تداول وزراء دفاع دول التحالف وأيضا وزراء خارجية الدول المانحة، ضرورة الإصلاح الاقتصادي بقروض ميسّرة من البنك الدولي “من أجل أجيال عراقية مزدهرة”.. مزدهرة بالتعازي.

حامد الكيلاني

صحيفة العرب اللندنية