استهداف واضح: لماذا يركز تنظيم “داعش” على تنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا وفرنسا؟

استهداف واضح: لماذا يركز تنظيم “داعش” على تنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا وفرنسا؟

4856

يبدو أن تنظيم “داعش” يسعى إلى استهداف كل من ألمانيا وفرنسا تحديدًا داخل القارة الأوروبية التي شهدت عمليات إرهابية عديدة خلال الفترة الماضية، وهو ما يبدو جليًا في عملية الدهس التي وقعت في مدينة “نيس” الفرنسية، في 14 يوليو 2016، وأسفرت عن مقتل 85 شخصًا، وإصابة 100 آخرين، إلى جانب الهجوم الذي شنه شخص بفأس وسكين على مدنيين في محطة قطار بألمانيا، في 19 من الشهر ذاته. وقد دفع ذلك المكتب الأوروبي لأجهزة الشرطة الأوروبية “يوروبول”، في 20 يوليو 2016، إلى الإعلان عن أن الهجمات التي يقوم بتنفيذها ما يسمى بـ”الذئاب المنفردة” باتت تمثل خطورة شديدة على أمن ومصالح الدول الأوروبية، خاصة في ظل ما كشفته من صعوبة في تعقبها ورصدها قبل وقوعها من جانب أجهزة الأمن.

أسباب مختلفة:

ربما يمكن تفسير حرص تنظيم “داعش” على تركيز هجماته على كل من ألمانيا وفرنسا في ضوء اعتبارات عديدة تتمثل في:

1-استغلال تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، حيث تبنت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل سياسة مختلفة نسبيًا عن تلك التي اتبعتها بعض الدول الأوروبية في التعامل مع اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى وصول عدد اللاجئين والمهاجرين لألمانيا خلال عام 2015 إلى نحو مليون ومائة ألف شخص، بشكل يزيد، وفقًا لتقديرات عديدة، عن عدد اللاجئين إلى ألمانيا خلال عام 2014 بمقدار خمسة أضعاف.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن الشخص الذي قام بالهجوم على محطة القطار في ألمانيا، وهو ما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص، تأثر بأفكار تنظيم “داعش”، الذي كان لافتًا أنه سارع إلى الإعلان عن مسئوليته عن العملية، على خلاف العمليات التي وقعت في الفترة الماضية، حيث كان التنظيم حريصًا على عدم التسرع في إعلان مسئوليته، وهو ما يشير إلى أنه يحاول توجيه رسالة للدول الأوروبية بأنه يسعى إلى استهداف مصالحها تحديدًا.

2- تبني أسلوب “الذئاب المنفردة”، حيث بدأ تنظيم “داعش” في التركيز على تنفيذ عمليات إرهابية يصعب رصدها قبل وقوعها من خلال ما يسمى بـ”الذئاب المنفردة”، وهو ما يبدو جليًا في العمليتين الأخيرتين اللتين وقعتا في فرنسا وألمانيا. ففضلا عن استغلال تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية في تجاوز الإجراءات الأمنية التي تتبعها الدول الأوروبية، فقد اتجه التنظيم أيضًا إلى دعوة المسلمين المقيمين في تلك الدول إلى تنفيذ عمليات داخلها، بدعوى الرد على الإجراءات التي تتخذها تجاههم وعلى السياسات التي تتبعها إزاء قضايا الشرق الأوسط.

وقد دفعت العمليات الأخيرة وزير الخارجية الألماني توماس دي مايتسيره إلى التحذير من إمكانية وقوع عمليات أخرى في الفترة القادمة، في ظل تلك السياسة التي يتبعها التنظيم.

3- تصاعد دور فرنسا وألمانيا في الحرب ضد الإرهاب، ففضلا عن مشاركتها في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، فقد مارست فرنسا دورًا بارزًا في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، ليس فقط في شمال مالي، وإنما في بعض مناطق الأزمات الأخرى مثل ليبيا، وهو ما انعكس في إعلان الحكومة الفرنسية، في 20 يوليو 2016، عن مقتل ثلاثة عسكريين فرنسيين في ليبيا كانوا ينفذون عمليات استخباراتية، وتأكيدها على وجود قوات خاصة فرنسية في ليبيا. فيما تشارك ألمانيا في العمليات التي يقوم بها التحالف الدولي ضد التنظيم في سوريا والعراق، حيث تقوم بتقديم مساعدات عسكرية لقوات “البشمركة” الكردية لتعزيز قدرتها على محاربة تنظيم “داعش”، كما تشارك بطائرات “أواكس” و”تورنادو” المزودة بتقنيات حديثة لتأمين الأجواء السورية والعراقية بهدف مساعدة قوات التحالف على تنفيذ عملياتها ضد التنظيم.

4-العداء العقائدي، إذ يسعى تنظيم “داعش” إلى استهداف النموذج العلماني الفرنسي، باعتباره أبرز النماذج العلمانية في الدول الغربية، حيث يرفض المبادئ التي يتبناها هذا النموذج على غرار الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، ودائمًا ما وجه انتقادات لفرنسا بسبب عدم السماح بارتداء الحجاب وعدم الفصل بين الجنسين في المدارس الحكومية. وفي هذا السياق، وجه التنظيم دعوة، في بداية ديسمبر 2015، إلى الآباء المسلمين في فرنسا بسحب أبناءهم من المدارس الفرنسية بدعوة أن مناهجها تروج للنموذج العلماني، بل طالب بقتل المدرسين الذين يقومون بتدريس تلك المناهج للتلاميذ.

تداعيات عديدة:

يبدو أن حرص تنظيم “داعش” على استهداف كل من ألمانيا وفرنسا سوف يفرض تداعيات عديدة يمكن تناولها في التالي:

1- تبني سياسة أكثر تشددًا في التعامل مع قضايا اللاجئين، حيث أدى تكرار العمليات الإرهابية الأخيرة، فضلا عن تحذيرات بعض المسئولين الألمان من إمكانية وقوع مزيد من العمليات، إلى إضفاء مزيد من الزخم على الانتقادات التي توجهها قوى المعارضة للسياسة التي تتبناها الحكومة في التعامل مع قضايا اللاجئين، بشكل يمكن أن يفرض مزيدًا من الضغوط على الأخيرة لتغيير سياستها باتجاه فرض مزيد من القيود على دخول اللاجئين إلى ألمانيا خلال المرحلة القادمة.

2- رفع مستوى التنسيق الأمني والسياسي بين الدول الغربية، خاصة الدول المشاركة في الحرب ضد تنظيم “داعش”، التي يتوقع أن تكون العمليات الأخيرة التي نفذها تنظيم “داعش” في فرنسا وألمانيا وبعض الدول الأخرى، محور المحادثات التي تجري بينها في الاجتماع الذي تستضيفه واشنطن في 21 يوليو 2016.

3- توسيع نطاق المشاركة في الحرب ضد “داعش”، إذ يتوقع أن تتجه فرنسا وألمانيا إلى تقديم مزيد من المساعدات لبعض القوات العسكرية المشاركة في المواجهات مع التنظيم، على غرار قوات “البشمركة” الكردية و”قوات سوريا الديمقراطية”، باعتبار أن تعزيز قدرة تلك القوات على مواجهة “داعش” ربما يمثل آلية فعالة للقضاء على التنظيم.

وفي النهاية، يمكن القول إن العمليات الأخيرة التي أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عنها في كل من فرنسا وألمانيا، ربما تمثل مرحلة جديدة في الحرب على التنظيم، الذي يسعى إلى تطوير خياراته للتعامل مع العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي ضد مواقعه ومقاتليه في كل من سوريا والعراق.

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية