من بيروت إلى بغداد.. الأمن يستعين بأجهزة رصد عديمة الجدوى

من بيروت إلى بغداد.. الأمن يستعين بأجهزة رصد عديمة الجدوى

_86144_75

من بيروت إلى بغداد، ينتشر الجنود ورجال الأمن في الحواجز الأمنية لتفتيش السيارات والعربات الكبيرة والمدنيين خاصة في النقاط القريبة من بنايات سيادية كالبرلمان اللبناني أو المنطقة الخضراء في بغداد أو الوزارات الكبرى والطرقات الحساسة. فقد أصبح المشهد مألوفا في نقاط التفتيش بمختلف أنحاء الشرق الأوسط منذ حوالي عشر سنوات، لكن أغلب آلات التفتيش التي يستعملها الأمنيون هي آلات لا تعمل وفي أحسن الحالات تغفل الأسلحة أو المتفجرات، وذلك بعد أن دفعت السلطات الآلاف من الدولارات ثمنا للجهاز الواحد على أمل احتواء موجات التفجيرات الفتاكة.

لكن تلك الأجهزة التي تباع حتى لقوات حفظ السلام الدولية تثير انتقاد الخبراء الجنائيين الذين يرون فيها مضيعة للمال تنطوي على خطورة وتعتمد على تصور علمي زائف. وتباع الأجهزة في الأسواق تحت مسميات مثل “إيه.دي.إي 651” و”جي.تي200” و”ألفا” ويفترض أنها تصدر لدى اكتشاف مادة ناسفة إشارة تجعل مجسها المعدني يتحرك على مفصلة صوب تلك المادة، لكن تلك الوظيفة التي تمثل جوهر عمل تلك الآلات لا تعمل في أحيان كثيرة.

وفي عام 2010 فرضت بريطانيا حظرا على تصدير أجهزة “إيه.دي.إي 651” و”جي.تي200” وحذرت من أن هذه الأجهزة وهمية وصدرت أحكام بالسجن على رجال أعمال بريطانيين جنوا الملايين من الجنيهات الإسترلينية من تصنيعها وبيعها في أنحاء العالم، لكن ذلك لم يمنع من حصول كوارث كبرى في بعض الدول. فقد حصد تفجير في منطقة الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد، الشهر الماضي، أرواح حوالي 300 شخص، وذلك بعد تسرب شاحنة تبريد ملغومة قامت بتفجير مركز للتسوق، وقد أثبتت التحقيقات أن خطأ في آلات لكشف المتفجرات تسبب في مرور الشاحنة التي تحمل كمية كبيرة من المتفجرات. ولم يتحرك رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي اشترت بلاده المئات من أجهزة “إيه.دي.إي 651” منذ ثماني سنوات لمنع استخدامها إلا في الأيام الماضية فقط، وبعد أن قام داعش بتفجير الكرادة. وحتى بعد مرسوم العبادي لا تزال أجهزة “إيه.دي.إي 651” تستخدم في محافظتي صلاح الدين وديالى إلى الشمال من بغداد.

وقال رائد بشرطة صلاح الدين إن قواته لم تتلق أوامر مكتوبة بالتوقف عن استخدام هذه الأجهزة، وأكد ضابط آخر في ديالى لإحدى وكالات الأنباء أن رجاله اختبروا الجهاز بأنفسهم، إذ أخفوا مسدسا وقنبلة في إحدى مركباتهم ولم يرصدهما الجهاز، وقال نقيب الشرطة، رعد شلال، الذي يعمل بنقطة تفتيش قرب بلدة الخالص بمحافظة ديالى إنه كان يعرف أن جهاز الكشف عن المتفجرات عديم الجدوى.

وفي بيروت حيث أودى تفجير انتحاري مزدوج بحياة 44 شخصا في نوفمبر الماضي، امتنع مسؤولون عن التعليق، لكن حراسا بالمدينة يستخدمون هذه الأجهزة قالوا إنها فعالة. وقال حارس إنه اكتشف عبوة مخبأة في سيارة لكنه لم يقل إن كانت تحتوي على متفجرات، الأمر الذي يؤكد أن الآلات لا تعمل بالشكل المطلوب.

أما في مصر فقد شوهد الجنود يستخدمون أحد هذه الأجهزة الشبيهة بالصولجان عند نقاط تفتيش في منطقة رأس سدر يفحصون بها السيارات المنتظرة لعبور نفق الشهيد أحمد حمدي في سيناء.

وقال المتحدث العسكري المصري العميد محمد سمير إن أي جهاز تشتريه مصر يخضع لمعايير محددة ويجري اختباره قبل توقيع عقد شرائه، وذلك بالنظر إلى حساسية وظيفة هذه الأجهزة التي يعول عليها في كشف المتفجرات والأسلحة.

وصرح في السياق الباحث المتخصص في الصناعات الأمنية، دينيس مكولي، بأنه فحص جهازا ذا تصميم مشابه لتصميم “إيه.دي.إي 651” و”جي. تي 200” عندما كان يعمل في مختبر العلوم الجنائية بأيرلندا الشمالية وبأنه فكك أجزاءه ليعرف كيف يعمل، وقال “ليس هناك أي أساس علمي لعمل الجهاز، هذا نصب تام”.

وتابع “إذا كانت السلطات تعول على هذا الشيء بأي شكل في رصد المتفجرات.. فهذا هزل. من غير المعقـول أنها لا تزال تستخدمها”. وتؤكد هذه التحقيقات أن ظاهرة الإرهاب ليست متعلقة فقط بنزوع أفراد نحو التطرف الديني، فهذا يشكل العمود الفقري للظاهرة، لكن السياسات الحكومية التي توصم بالفساد والقصور في المعالجة والخطط والانتشار الأمني يعد أيضا من الأسباب التي أخرت علاج هذه الظاهرة.

صحيفة العرب اللندنية