نبوءة أردوغان المحاولة الانقلابية ستجعله أقوى

نبوءة أردوغان المحاولة الانقلابية ستجعله أقوى

HDRESIM.NET

من الصعب المبالغة في المدى الذي حركت  فيه المحاولة الانقلابية العسكرية (الفاشلة) تصرفات الزعيم التركي رجب طيب أردوغان كسياسي. وتجدر الإشارة إلى أن المحافظين والمتدينين الأتراك على حد سواء كانوا قد عاشوا لعقود في ظل انقلاب العام 1960 الذي خلع وأعدم رئيس الوزراء في حينه عدنان مندريس، والذي غالباً ما يشير إليه أردوغان على أنه بطل شهيد وقصة تحذيرية. ولقد عزز انقلاب العام 1997 “بعدالحداثة” والذي  أطاح بالمرشد السياسي لأردوغان، رئيس الوزراء نجم الدين أربكان،  وأفضى للسجن اللاحق لأردوغان وتعليق نشاطاته السياسية بسبب التحريض الديني، إلى تعزيز الفكرة عند الأتراك من غير النخبة ومؤداها  أن المؤسسة العلمانية القديمة والتي كان الجيش يشكل حجر الزاوية فيها لن تتنازل عن السلطة بالتمام والكمال أبداً.
وفقط عندما كسب أردوغان والمؤسس المشارك له في حزب العدالة والتنمية عبدالله غُل المواجهة مع الجيش في العام 2007 حول ترشح غل للرئاسة ( ترشح كان الجيش قد عارضه بسبب ارتداء غول غطاء للرأس) بدا أن أردوغان كان متجهاً نحو كسب اليد العليا وبالتالي التمتع بموقف يمكنه من تغيير ميزان القوى مع الجيش وإلى الأبد.
هذا هو السياق للمحاكمات الأخيرة لأرغنكون وباليوز التي اتَهمت فيها الحكومة الضباط الأتراك بالتخطيط لسلسلة من الانقلابات والهجمات الهادفة للإطاحة بنظام العدالة والتنمية- محاكمات  شظت صفوف جيش تركيا ونحيت جانبا في وقت لاحق عندما وجد أن بعض الاعتقادات كانت تستند إلى  حجج مفبركة.
كما أنه السياق الخاص بعبادة أردوغان للانتخابات ونظريته للحوكمة والتي تعتمد على الأغلبية. وكرئيس للوزراء وكرئيس على حد سواء من ثم أعرب أردوغان تكراراً عن أن الانتخابات تمنح السلطة المطلقة وتسمح للحكومة باتخاذ أي اجراءات تحب اتخاذها.
وعلى الرغم من أن هذه المواقف كانت في جزء منها طريقة لاستبعاد أحزاب المعارضة الضعيفة في تركيا فقد كانت أيضاً الخط النهائي للدفاع ضد الجيش. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن أردوغان لم يشعر أبداً بالأمان من الذراع الطويلة للجيش ودائماً ما رأى أن الانقلاب التالي كامن في الركن. وهكذا نجده وقد صنف أي تحد على أنه مؤامرة سواء أكان ذلك من الجيش  أو من حلفائه السابقين في حركة غولن أو حتى من محتجين غير مسلحين في متنزه غازي.
وفي الأثناء، اعتقد أردوغان بأنه يستطيع الإفلات من هذه التشخيصات طالما ظل قادراً على الإشارة إلى هوامش عالية من الفوز في يوم الانتخابات وتجنيد داعميه في عروض مؤثرة للقوة الشعبية. ومن شأن هذه المظاهر أن تجعل من الصعوبة بمكان على الجيش الاستمرار في تقليده بالتدخل في السياسة التركية؛ فالإطاحة  بأردوغان وبحزب العدالة والتنمية تتطلب  قتال زعيم يحظى بشعبية غير مسبوقة وحزب حقق نجاحاً استثنائياً.
وهكذا كانت المفاجأة يوم الجمعة عندما هدرت الدبابات في شوارع اسطنبول وحلقت طائرات اف 16 على ارتفاع منخفض فوق أنقرة وأعلنت كينونة جديدة تدعو نفسها مجلس السلام في الوطن على التلفاز التركي الرسمي عن أنها تسيطر على البلد. وفجأة بدت أسوأ كوابيس أردوغان وقد تجسدت وأن جهوده لجعل تركيا مقاومة للانقلابات قد أفضت بالضبط إلى عكس ما كان يحذر منه.
إلى ذلك، بدا بعض المراقبين وأنهم يرحبون بالانقلاب الذي كان في طور الإعداد. لكن الحقيقة في أن أردوغان قد أصبح اوتقراطياً على نحو متزايد، ومع مرور الوقت بدا وأنه خدع الدولة التركية وأن الانقلاب لم يكن بأي طريقة من الطرق انتصاراً للديمقراطية. فالانقلابات ليست بثورات تحظى بالشعبية: وهي من الناحية الجوهرية  ليبرالية وعموماً تكون كارثية على التنمية السياسية طويلة الأمد للبلد.. ومن المؤكد أن تركيا ليست استثناء.
وفي الحقيقة فإن انقلاباً آخر ما كان أكسير حياة سحرياً للديمقراطية التركية. وفي سيناريو أفضل الحالات كان ببساطة ليفضي إلى نوع آخر من السلطوية أكثر مما تشهده تركيا راهناً.
وفي سيناريو أسوأ الحالات كان ليشعل فتيل حرب أهلية.
عمدت أحزاب المعارضة كافة إلى إدانة الانقلاب قبل وقت من اتضاح المحصلة ( بدلاً من تبنيه كفرصة للتخلص من أردوغان ومن حزب العدالة والتنمية للأبد).
ولا يعني هذا القول أيضاً إن فشل الانقلاب سيكون انتصاراً للديمقراطية. فقد أمضى أردوغان أكثر من عقد وهو يتحدث عن خطط لقلب الإرادة لدى الشعب. وتبدو تحذيراته الثابتة الآن نبوئية وليست ضربا من التوجس. وذلك ما يفسر لماذا خطط أردوغان وهندس الانقلاب الفاشل كطريقة لتعزيز السلطة، وفق نظرية تنتشر على نطاق واسع في تركيا. لكن هذه القصة بعيدة المنال-فالحفاظ على هذه العملية قيد السرية سيكون صعباً وسيكون إقناع المئات بالموت في سبيلها أمراً أكثر صعوبة- لكن من المؤكد أن أردوغان سيكون المستفيد الأول من المحاولة.
ومن الآن فصاعداً لن يكون أردوغان الرئيس الذي يستطيع بنجاح أن يفشل أي محاولة للإطاحة به وحسب بل إنه سيكون أيضاً الشخص الوحيد الذي كان على حق طوال الوقت. وبغض النظر عن إن حملات التطهير السابقة التي قام بها في الجيش وحربه المستمرة ضد خصومه الغولنيين قد جعلت من نبوءته محققة للذات: عندما نجده يصر الآن على صوغ دستور جديد يكرس نظاماً رئاسياً ويفرغ أي فحوصات وموازين ويستخدم الهيمنة المدنية على الجيش كتبرير فلن تبقى إلا قلة تعترض. ولا تعني عملية إشارة أردوغان الدائمة إلى إرادة الشعب إلى أن المشروع الذي  ينطلق فيه الآن ديمقراطي.
كان اعتقاد المخططين غير الكفئين للانقلاب وطنينهم منصباً على أنهم سيعيدون تأطير الدولة التركية وأن أعمالهم  ستنجح في فعل ذلك- لكن ليست بالطريقة التي استشرفوها. ومثلما يشير بعض الساسة الأميركيين من كلا الحزبين، وما يزالون، إلى معارضتهم لحرب العراق  كدليل على  حكم سياستهم الخارجية الفائقة في كل حالة فإن أردوغان سوف يستخدم التطورات التي شهدها الأسبوع الماضي كمبرر للحصول على أي شيء يريده لما تبقى له من فترته الرئاسية. وذلك يشتمل على دستور جديد وحملة على كل المعارضة وتطهير لها (ما يتصل بالانقلاب وغير ذلك) ومواجهة مع الولايات المتحدة تلوح في الأفق. وكما كان أردوغان يحلق عالياً من قبل فإن وضعه الآن أعلى.

مايكل كوبلاو

صحيفة الغد