الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط بدأت تتأثر بسياسة النفط

الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط بدأت تتأثر بسياسة النفط

_86241_obg

لاحظ عدد من الخبراء والمحللين أن علاقة الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط لم تعد مبنية على إستراتيجية البقاء طويلة الأمد في الدول الصديقة لأميركا في المنطقة، وذلك بغرض الحماية والتسليح والاستثمار في النفط، بل إن علاقة أميركا بالمنطقة أصبحت منذ فترة تتأثر بأسعار النفط والغاز ودرجة تأمين ممرات الشحن من موانئ التصدير الخليجية إلى الولايات المتحدة.

هذا التحليل يزيد من خطورة فكرة أن وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة سوف يضع الاستراتيجية الأميركية الجديدة مع الشرق الأوسط في طريق التنفيذ، خاصة وأن ترامب يغازل روسيا بشكل واضح في خطابه السياسي، الأمر الذي يؤشر على انسحاب أميركا من القضايا الرئيسية في المنطقة تأثرا بأسعار النفط والوضع الأمني.

يؤكد الباحثان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، وسايمون هندرسون، أن النظرة الأميركية إلى العالم أصبحت أكثر براغماتية ومادية من ذي قبل، مشيرين إلى أن اضطراب أسعار النفط وبداية ظهور طاقات بديلة كشفا عن توجه جديد بدأ يظهر في السياسة الخارجية الأميركية خاصة في ما يتعلق بتواجدها في الدول المنتجة للنفط.

هذه السياسة الجديدة سوف تزيد من تعقيد العلاقات مع الشرق الأوسط باعتباره مجالا لعدو مزدوج سواء للعرب أو للولايات المتحدة وهو إيران. وإذا كان الأمر متعلقا بالنفط في تحديد قوة أو ضعف العلاقة مع الخليج العربي فإن ذلك سوف يتحول إلى عامل سلبي بالنسبة إلى الأميركيين لأن انخفاض أسعار النفط سوف يؤدي بمجموعات الضغط الداخلية واللوبيات إلى المطالبة بتحويل وجهة التركيز الأميركي إلى منطقة أخرى من العالم تدرّ أكثر أرباحا، “وهذا ما لا يجب أن تسقط فيه الولايات المتحدة لأن ذلك سيضر بمصالحها”، حسب تصريح سايمون هندرسون.

إن الدور المستمر الذي يلعبه النفط في الاقتصاد العالمي ليس سوى أحد الأسباب التي تمنع الولايات المتحدة من الابتعاد عن الشرق الأوسط، فالمنطقة تضم أصدقاء وحلفاء قدامى يتطلعون إلى الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة على المستوى الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي. كما أن المنطقة هي مصدر عدم الاستقرار الذي لم ينفك يترك تأثيراته على الولايات المتحدة مرارا وتكرارا، وهذا عامل مهم بقدر أي عامل آخر يستدعي الوجود الأميركي في المنطقة، فالشرق الأوسط هو موطن لخصوم يسببون إشكالات دائمة للولايات المتحدة ومصالحها في المنقطة.

وبهذا يستنتج الباحثان، كلاوسن وهندرسون، أنه على الأميركيين التخطيط لسياسة خارجية غير مرتبطة بالربح والبراغماتية الفجة، بل إن العلاقات مع العرب بالذات لا يجب أن تخضع للنفط أو لتأمين المجال الجيوسياسي من أجل الممرات والموانئ وحماية تلك المنشآت، فهذا سوف يشكل جوا سياسيا تنعدم فيه الثقة.

وبينما تدرس الولايات المتحدة كيفية استغلال الفرص الجديدة والتحكم بالمخاطر الناشئة في الشرق الأوسط المتغير، يظهر خطر جسيم وهو أن عدم الاكتراث الذي بدأ يلوح بعد الاتفاق النووي الأخير مع إيران تجاه الأحداث والتوجهات والتطورات الإقليمية يؤثر سلبا على المصالح الأميركية وعلى استقرار وأمن أصدقائها وحلفائها.

يؤكد التقرير الذي نشره الباحثان في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط أن الأميركيين، إلى اليوم، لم ينسوا ما فعله العرب سنة 1973 عندما قطعوا النفط على الأسواق الغربية وخاصة الولايات المتحدة عبر تخفيض إنتاج النفط في منظمة الأوبك، وبالتالي فإن التعاطي الأميركي مع الدول العربية على أساس النفط فقط مقابل الحماية أو التسليح ليس سوى سياسة محدودة ولا يمكن لها أن تصل بالجميع إلى نتيجة ترضي جميع الأطراف، نظرا لما تتسم به من مضمون بدائي مع محيط سريع التحول والحركة وكثرة اللاعبين.

ويضيف الباحثان، باتريك كلاوسون وسايمون هندرسون، أنه لا بد أن يسمع الأميركيون، بوتيرة أعلى ووضوح أكبر، الأسباب غير المرتبطة بالطاقة التي تقف وراء الدور النشط الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة، وفي المقابل يجدر بالمسؤولين الأميركيين من أعلى المستويات تذكير دول الشرق الأوسط بشكل متكرر بمدى قوة الالتزام الأميركي ومدى كثافة الأصول العسكرية المنتشرة فيها، وكم من الوقت والجهود التي يكرسها كبار المسؤولين الأميركيين، ومدى أهمية المنطقة للمخاوف الأميركية.

صحيفة العرب اللندنية