المليشيات تعمق من حالة الإرباك الأمني في بغداد

المليشيات تعمق من حالة الإرباك الأمني في بغداد

Fighters from the Iraqi Imam Ali Brigade, belonging to the Badr Organisation headed by former Iraqi Transport Minister Hadi al-Amiri, take part in a graduation ceremony in Taza Khurmatu, 20 kms south of Kirkuk, on February 26, 2015. AFP PHOTO / MARWAN IBRAHIM (Photo credit should read MARWAN IBRAHIM/AFP/Getty Images)

تعود نشأة مليشيات الحشد الشعبي إلى فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرتها المرجعية الدينية الشيعية العليا بالعراق في 13حزيران/يونيو عام 2014م. وكان الهدف من إنشائها مقاتلة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” الذي استطاع التنظيم بكل سهولة السيطرة على محافظة الموصل وبعدها المحافظات ذات الطابع السُني قبل أن ينحصر تواجده في محافظة الموصل في الوقت الراهن.

أثبتت -ولاتزال- تثبت الممارسات العملية لمليشيات الحشد الشعبي بأنها انحرفت بشكل كبير عن الهدف الحقيقي لإنشائها وكأن ذلك الهدف كان مجرد هدفاً ظاهريا يُخفي في باطنه حقيقة أمره التي كشفتها ممارساته الواقعية. ويمكن التدليل على هذه الممارسات في أمران جليان. الأول: قامت تلك المليشيات بتعميق حالة الانقسام العامودي”الطائفي” المجتمعي في العراق  من خلال  ممارساتها المشينة ضد أبناء المكون السني في المحافظات ذات الطابع السُني. إذ تصل هذه الممارسات إلى مصاف الجرائم التي تستهدف حقوق الإنسان ومن هذه الجرائم” جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، فهذه الجرائم وقف المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنطبق على أفعال مليشيات الحشد الشعبي في سائر المحافظات السنية.

 فسلوك مليشيات الحشد الشعبي لم تكن مطابقة للخطاب الذي تستخدمه الجكومة العراقية فمعظم الجماعات الشيعية داخل الحشد الشعبي شاركت في أعمال العنف ضد المدنيين السنّة. ولعدم تكرار تلك الأعمال تم الاتفاق على ما اصطلح عليه “قواعد تكريت” -وهي اتفاقية غير رسمية تقضي بعدم دخول الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً إلى المدن السنية التي تستعاد من من تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” خشية إشعال فتيل توترات طائفية جديدة هناك. ولكن قوات الحشد الشعبي لم تلتزم بهذه القواعد ودخلت مدينة الفلوجة إذ أفادت مصادر أمنية عراقية وأخرى صحفية بقيام مليشيات الحشد الشعبي في نهب وحرق المنازل في الفلوجة بعد تحرير أحياء في المدينة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. كما عانى أهالي الفلوجة الذين تمكنوا من الهرب  من الضرب وحالات الاختفاء، بل وحتى من الإعدامات الميدانية على أيدي قوات الحشد الشعبي الميليشيات الشيعية طبقاً لتقارير “ذات صدقية” استشهد بها تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” وقال برونو غيدو، رئيس بعثة وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق، إن سلوك الميليشيات كان “غير مقبول على الإطلاق”. وقال غيدو لوكالة الأنباء الفرنسية إن المزاعم بإساءة المعاملة التي تمارسها الميليشيات الشيعية “ثبتت من جانب مصادر عديدة… ومن التقارير التي تلقيناها، فقد مورس التعذيب من جانب الميليشيات”.

واللافت أنّ عمليات الانتقام من المدنيين لم تحدث عقب انتهاء المعارك، على نحو ما حصل في تكريت، بل حصلت في بداياتها. ومع أنه سبقت الإشارة إلى أنّ الأساس في مشاركة الحشد الشعبي في معركة الفلوجة هو محاولة تحقيق مكاسب سياسية نظرًا لرمزية هذه المعركة، يبدو أنّ دوافع عدد من فصائل مليشيات الحشد الشعبي هي محض انتقام وتشفٍ، في سياق طائفي؛ فهذا ما يمكن أن يفسّر الاعتداءات والتباهي بها بالنشر المكثف لصور ومقاطع تصور إهانة، وتعذيبًا، وقتلًا لأعداد من المدنيين الفارين من الفلوجة. وما ينطبق على الفلوجة وتكريت من انتقام طائفي من قبل تلك المليشيات ينسحب أيضاً على سائر المدن السنية التي اقتحمتها ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مدينة ديالى.

أما ثاني تلك الانحرافات لملشيات الحشد الشعبي عن هدفها الحقيقي في مقارعة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” يتجسد بأنها ومنذ بروزها على المشهد العراقي برمته بشكل عام والعاصمة العراقية بغداد بشكل خاص أججت حالة عدم الاستقرار الأمي في بغداد وذلك من خلال سلوكها غير منضبط والذي يشي بعدم المسؤولية والاستهتار والاستخفاف داخل العاصمة، وكأن هذه المليشيات بأفعالها الخارجة على القانون قد أصبحت الجهة الرسمية التي تحكم العراق، وفي هذا السياق حصل مركز الروابط والبحوث والدراسات الاستراتيجية على وثيقة أمنية صادرة عن وزارة الداخلية العراقية بتاريخ 27 تموز/يوليو الحالي، مفادها قيام أشخاص مسلحي مجهولي الهوية يرتدون الزي العسكري “الأسود” يستقلون عجلات سوداء اللون نوع”سلفرادو عدد/2، ومتشوبيشي عدد/1، ونيسان باترول عدد/1″ بعدم الامتثال للتفتيش داخل  سيطرة الشعب ضمن منطقة الراشدية، ولم يكتفوا بذلك الفعل غير القانوني والأخلاقي وإنما قاموا أيضاً بالاعتداء على عناصر السيطرة بما فيهم ضابط عجلة السونار “الرايسكان” الملازم أول” علي طارق رزاق”، ولكي لا نتهم في مركز الروابط والبحوث والدراسات الاستراتيجية بأننا مركز نروج للأكاذيب فيما يتعلق بالشأن العراقي وأن ما نسوقه من معلومات  أمنية رجماً بالغيب، نضع بين يدي القارىء الكريم تفاصيل هذه الواقعة وفق ما جاء في تلك الوثيقة الأمنية وهي على النحو الآتي:


IMG_6088

هذا الاعتداء على سيطرة تؤدي واجبها الوطني قد لا يكون الأول من نوعه بل قد يكون سبقه العديد من الاعتداءات على سيطرات في مواقع مختلفة من العاصمة العراقية بغداد، كما أن هذا الاعتداء يدفعنا للتساؤل: لماذا يتم الاعتداء على ضابط عجلة السونار “الرابسكان” ويمنع من قيامه بواجبه الأمني، فالكل يعلم أن عجلة السونار هي العجلة المعنية في كشف المتفجرات في داخل المركبات؟ هذا الاعتداء على ضابط عجلة السونار يجعلنا نربط بينه وبين التفجيرات الإرهابية التي وقعت مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد ومنها على سبيل المثال التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مدينة الصدر في آيار/مايو من العام الحالي، وتفجيرات الكرادة الدموية في تموز/يوليو الحالي. فعدم امتثال المليشيات للسيطرة الأمنية يجعلها- بلا أدنى شك- من ضمن المشتبه بهم في حال قيام أي تفجير إرهابي مستقبلي في العراق وخاصة في العاصمة العراقية بغداد كون هذه المليشيات تحكمها بقبضة من حديد. يمكن القول أن هذا الاعتداء المشين يضاعف من حالة الإرباك الأمني في العاصمة العراقية بغداد وكأن العراق بشكل عام لا يكفيه حالة الإرباك الذي عشعش في مفاصل الدولة العراقية منذ نيسان/إبريل عام 2003م.

خلاصة القول: أن سطوة النظام الإيراني على العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م وبروز المليشيات الحليفة له وبشكل خاص بعد حزيران/يونيو عام 2014م، وممارساتها غير وطنية دفعتنا ذات يوم أن نقرأ  “السلام” باللغة العربية على العراق ولكن أن تكافأ مليشيات الحشد الشعبي على جرائمها وها قد تصبح في المستقبل القريب جزءا رئيساً من المؤسسات الرسمية ذات الشق العسكري أو الأمني في العراق، عندها يصبح لزاماً علينا قراءة “السلام” في كل لغات العالم على العراق العروبي.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة