كيف أقام غولن علاقات مع الغرب؟

كيف أقام غولن علاقات مع الغرب؟

441 (1)

التزامن مع مطالبة الحكومة التركية واشنطن بتسليمها المعارض فتح الله غولن، المتهم بتدبيرالانقلاب الفاشل، نشر الأخير مقالا بصحيفة نيويورك تايمز يقول فيها “لقد وقفت أنا وإخواني في جماعة الخدمة مع الديمقراطيات الغربية في الوقت الذي كانت أحوج ما تكون إلى مسلمين معتدلين”، وهي شهادة معتادة من غولن الذي يسعى لتقديم نفسه للغرب بصورة “الإسلامي المعتدل”.

ويصف الكاتب التركي علي بولاتج في كتابه “الدين، المدينة والجماعة: نموذج فتح الله غولن” استقرار غولن منذ 1999 في أميركا بأنه انتقال من المحلية إلى العالمية، مما جعله محط اهتمام الأكاديميين الغربيين الباحثين في شؤون الإسلام.

اهتم الغرب بغولن منذ زيارته الأولى لأميركا عام 1997 بدواعي العلاج، حيث التقى خلالها برئيس المنظمة اليهودية الهامة (رابطة مكافحة التشهير) أبراهام فوكس مان، وبعد ثلاثة أشهر اجتمع بالكاردينال الكاثوليكي البارز جون أوكونير، وبعد عودته لتركيا تابع لقاءاته بممثلي الأديان هناك، ثم بلغ ذروة شهرته بلقائه بابا الفاتيكان يوحنا بولص الثاني عام 1998، وهكذا برز غولن بوصفه ممثلا لوجه “الإسلام المعتدل” والمهتم بحوار الأديان.

وفي عام 1999 سافر غولن إلى الولايات المتحدة بحجة العلاج ولم يعد إلى تركيا، وظلت شهرته محدودة بالأوساط الدينية إلى حين وقوع هجمات نيويورك يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث سارع غولن إلى نشر بيانات في الصحف الأميركية تنتقد عقيدة تنظيم القاعدة، وحرص على إجراء لقاءات صحفية يقدم فيها “الوجه الآخر للإسلام” الرافض للعنف.

“عندما واجه غولن صعوبة في تمديد إقامته بالولايات المتحدة عام 2006، قدم رسالة تزكية من 19 صفحة تتضمن أسماء شخصيات بارزة “

ويرى الصحفي التركي روشين تشاكير أن مفهوم غولن للإسلام كان مختلفا عن المتوارث عبر التاريخ، فهو يفضل التحالف مع الغرب على العالم الإسلامي، وبينما كان نجم الدين أربكان يمثل الحركة الإسلامية الساعية لاستعادة قوة المسلمين الحضارية بمواجهة الغرب، فإن غولن كان يصر على أن تخلف العالم الإسلامي نتيجة لأفعال مجتمعاته وليس لسياسة الغرب، ومن ثم فإن النهضة تتطلب التحالف مع الغرب لا مواجهته.

وهنا انتقلت جماعة غولن إلى تنظيم مؤسساتي، فأسست منصات في الجامعات للحديث عن حوار الأديان مقابل تبرعات مالية، وأصبحت لديها منظمات خيرية وأوقاف ومحطة تلفزيونية باللغة الإنجليزية، ويعمل تحت مظلة “التحالف التركي الأميركي” اليوم عشرات المنظمات.

رسالة تزكية
واجه غولن صعوبة في تمديد إقامته عام 2006، فقدم رسالة تزكية من 19 صفحة تتضمن أسماء شخصيات بارزة، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية غراهام فولر والسفير الأميركي السابق بأنقرة مورتون أبرامويتز وأسقف الكنيسة الإنجيلية اللوثرية فلويد شونهالز.

ولاحقا، ألّف الباحث البارز في شؤون الإسلام جون إل أيسبوزيتو بالتعاون مع أكاديميين أتراك كتابين عن جماعة غولن، هما “الدولة العلمانية وحركة فتح الله غولن” و”مبادرات حركة غولن: الإسلام وبناء السلام”.

ويقول البروفيسور التركي سولي أوزيل إن جماعة غولن تميزت بخبرتها في حشد الرأي العام الأميركي، فقدمت للغرب ما يريد الاستماع إليه، وبما أن أفراد الجماعة يتمتعون بتحصيل علمي جيد فقد شكلوا جماعة ضغط قوية على مستوى العالم.

وتمتلك الجماعة فرعا لها في كل مدينة أميركة، وهي تبني علاقات مع محيطها باستمرار مستغلة الظروف المواتية، حيث تبرعت مثلا بمبالغ ضخمة لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية، ويعتقد أن بعض أعضائها يقودون حملتها.

شخصية مؤثرة
في عام 2008، أقام المركز الثقافي التركي المقرب من الجماعة حفل عشاء، وشارك فيه عبر اتصال بالفيديو الرئيس الأسبق بيل كلينتون، حيث قال “إنكم تساهمون في نشر التسامح وحوار الأديان الذي يشجعه فتح الله غولن”.

وفي العام نفسه اختير غولن عبر صحيفة فورين بوليسي بقائمة أكثر مئة شخصية مثقفة، كما وضعته صحيفة تايمز عام 2013 بقائمة أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم.

أما عام 2014 فشهد أزمة غير متوقعة للجماعة عندما بدأ مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا واسعا حول نشاط مدارس الجماعة التي تحمل اسم “كونسبت سكول”، وتعرضت للمداهمة بداعي توظيف مدرسين أجانب بطريقة غير قانونية، مع أن هذه المدارس كانت تتلقى دعما حكوميا، وما زال التحقيق جاريا حتى اليوم.

يرى الصحفي تشاكير أن واشنطن كانت تعلم بأن غولن لم يهاجر إليها للانزواء وأنه يدير منظمة عالمية، فكان لديه زوار من كافة أنحاء العالم باستمرار، وبالنظر لمساحة الحرية التي مُنحت له مقابل التضييق على المسلمين بعد أحداث سبتمبر، فإن أميركا كانت راضية عنه، حسب قوله.

عرفان بوزان

الجزيرة