الأمم المتحدة تعترف على استحياء: إيران لم تلتزم بالاتفاق

الأمم المتحدة تعترف على استحياء: إيران لم تلتزم بالاتفاق

349

في الثامن عشر من يوليو تم نشر التقرير الأول الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة حول تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يتبنى الاتفاق النووي مع إيران. وفي حين لا يكاد التقرير يتضمن معلومات جديدة تذكر، فإنه أثار البعض من الانتقادات من إيران وروسيا والولايات المتحدة المركزة بدرجة أولى على تجاوز التفويض، لكن بالطبع ليس على الخلفيات نفسها.

وهذا التقرير هو وريث مباشر لتقارير كتبتها سابقا لجنة الخبراء الأممية حول إيران، وهي هيئة استقصائية تم حلها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة بإيعاز من طهران.

وعلى هذا النحو، من المحتمل أن تكون الاستعدادات لها غارقة في صعوبات تميّز المشاريع الأولى، وما تزيد الطين بلة هي الشكوك العالقة بالتفويض الدقيق للأمانة الأممية والبيئة السياسية الحساسة. ونتيجة لذلك، خرج التقرير حذرا بشكل مفرط في تناول المسائل الخلافية المتنوعة، وابتعدت لغته الحذرة عن صياغة أي مسألة منها في عبارات مطلقة.

برنامج إيران الباليستي مسألة محورية في التقرير مثلما هو متوقع، وهو خط أحمر صارم بالنسبة إلى الإيرانيين. وكانت هذه المسألة قد أقصيت عمدا من خطة العمل المشتركة الشاملة وتم تفويضها للقرار الأممي رقم 2231 الذي ينظم البرنامج بشكل ملتبس عمدا.

وفي ابتعاد عن الحظر السابق الأقل غموضا الذي “قرر” بموجبه مجلس الأمن ألا تتولى إيران أي أنشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، تدّعي إيران الآن العدول عن مثل هذه الأنشطة في ما يتعلق بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على حمل هذه الأسلحة.

الأمين العام للأمم المتحدة لم يخف قلقه من عمليات إطلاق الصواريخ الإيرانية لكنه يترك لمجلس الأمن مهمة تأويل قراره

تأويل القرارات

أدى هذا التغيير إلى جدال عندما جرّبت إيران في بداية مارس الماضي سلسلة من الصواريخ الباليستية وأخفق مجلس الأمن في رد الفعل بطريقة واضحة نظرا إلى عدم قدرته على الاتفاق حول تأويل هذا البند. وفي آخر المطاف توصلت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى اعتبار عمليات إطلاق هذه الصواريخ “مخالفة” لقرار مجلس الأمن 2231. لكنها لم تتوصل إلى قرار أكثر وضوحا. وذهب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي شوركين إلى أبعد من ذلك في ردة فعله إزاء التقرير، حيث شكك في استخدام كلمة “القيود” في ما يتعلق بالصواريخ الإيرانية، وتفويض الأمين العام في هذا المجال بصفة أعم.

ولكن بشكل ضمني، تبدو المسألة حاليا محسومة، حيث يعبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه حول عمليات إطلاق الصواريخ الإيرانية على اعتبار أنها تهدد “الروح البناءة” لخطة العمل المشتركة الشاملة، لكنه يترك لمجلس الأمن مهمة “تأويل قراره”. وعلى ضوء اعتراض الصين وروسيا، من الواضح أن الهيئة الأممية لن تؤوّل البند على أنه ملزم قانونيا وممكن التطبيق في الحالة الراهنة، أما الدول الأعضاء الأخرى وعلى الرغم من أنها كانت أقل صراحة في توضيح مواقفها، يبدو أنها أسقطت المسألة باعتبارها قضية خاسرة في الوقت الراهن على الأقل.

المجال الخلافي الآخر الذي أثارته الولايات المتحدة يخص الملحق 1 من التقرير الذي يرسم حدود التشكّيات الإيرانية حول الطبيعة المحدودة للتخفيف من العقوبات إلى حد الآن. وبالرغم من أن الأمر غير عادي، فإن ذلك يعكس البيئة المتغيرة الذي صدر فيها التقرير. فقد أصبحت إيران الآن طرفا في الاتفاقية وليست مجرد هدف لقيود متصاعدة، ومن ثمة من المعقول أن تمنح الفرصة للتعبير عن مشاغلها. وكون أنها تتحصل على تلك الفرصة في ملحق للتقرير الأساسي، فإن ذلك يمثل شهادة أخرى على الجهود المضنية من الأمانة العامة للسير على خط رفيع.

ووجدت إيران كما هو متوقع ما تعيب عليه في التقرير حول الصواريخ الباليستية والأسلحة التقليدية، وفي ما تسميه وكالة أخبار الجمهورية الإسلامية “جزءا آخر غير ذي صلة”، ويصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريرا قدمته الولايات المتحدة حول حجز الأسلحة المتوجهة احتمالا إلى اليمن، ومشاركة إيران في استعراض عسكري في العراق وتقارير إعلامية عن توفير السلاح لحزب الله.

وبحسب قرار مجلس الأمن 2231 تبقى عمليات نقل الأسلحة التقليدية من إيران محظورة ما لم يأذن بها مجلس الأمن على أساس حالة بحالة. ومن الجدير بالذكر أن الأمانة العامة قررت الاستمرار في الممارسة التي رسختها لجنة الخبراء المتمثلة في تضمين التقارير الإعلامية حول الأحداث ذات الصلة. وبالرغم من أن الأمانة العامة لا يمكنها العمل على هذه التقارير بموافقتها الخاصة، فإنها تؤشر على تواصل التركيز على المسألة بالرغم من التعنّت الإيراني.

إيفاء بالالتزامات

والشيء الذي يسلط عليه الضوء هذا الجزء بالتحديد هو تعقيد القرار 2231، ففي حالة الاستعراض العسكري في العراق، تقول إيران إنه لا يتطلب موافقة من مجلس الأمن لأنها احتفظت بملكية الوحدات المعروضة. وفي تقريره يستخلص الأمين العام بحذر بأنه “حسب فهمه” كان ذلك “يستوجب الموافقة المسبقة”، لكنه أيضا يدعو مجلس الأمن لكي يوضح هل أن الملكية لها أي تأثير على مثل هذه القرارات؟ وصرحت الحكومة العراقية عندما استجوبتها الأمانة العامة بأنها أوفت بالتزاماتها بحسب فهمها، لكن القرار “مطول وتقني وغير واضح”، وهو تقييم من الصعب التنازع فيه.

وبالنسبة إلى لجنة الخبراء الأممية حول إيران، فقد أثبت التقرير الأول في سنة 2011 أنه كان حاسما، فخلال ورشة “الدروس المستخلصة” ذكر أعضاء سابقون في لجنة الخبراء أن تقريرهم الأول عطّله مجلس الأمن في عملية بطيئة نحو تآكل استقلالية هذا الجهاز عن النزوات السياسية.

ونتيجة لذلك كان على اللجنة أن توازن في تقاريرها اللاحقة بعناية كبيرة إذا ما أرادت لها أن ترى النور. وقد ألقت سابقة التقارير الأولى بثقلها على الأمانة العامة للأمم المتحدة التي منحت وقتا محدودا والقليل من التوجيهات حول كيفية تناولها ومع تطور التفويض الممنوح لها وكيفية تمتينه، وربما يوفر التقرير المقبل في ظرف ستة أشهر قياسا أفضل طريقة تنوي من خلالها الأمانة العامة التعامل مع الملف الإيراني.

صحيفة العرب اللندنية