علاقات تركيا بسورية

علاقات تركيا بسورية

13_262
واجهت تركيا، في العامين المنصرمين، مصاعب متنوعة، ردّت عليها بخطوات تصالحية تجاه روسيا وإسرائيل، بعد أن وجدت نفسها في مواجهة مخاطر تخترقها بقوة، وتهدّد بتقويض أمنها، ووحدة دولتها ومجتمعها.
وكانت تركيا، طوال فترة الصراع ضد السوفييت، جزءاً من نظام الأمن الغربي الذي تمتعت بحمايته عسكرياً وسياسياً، لكن مكانتها تراجعت في استراتيجيات الغرب، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبناء البلدان الغربية عامة، وأميركا خصوصاً، بيئة دولية مغايرة للتي أنتجها انقسام العالم إلى معسكرين متصارعين. وقد بدّل هذا التراجع دور مؤسسة أنقرة العسكرية، في حين تغيّرت البيئة العامة التي عمل العسكر في ظلها منذ أتاتورك، بما أحدثه وصول حزب العدالة والتنمية من انقلابٍ واسع في مختلف المجالات، خلال عقد ونصف العقد، عاشت تركيا بفضله تطوراً غير مسبوق، أدى إلى “أوربة” البلاد وعلمنتها، وأطاح دور الجيش حارساً للعلمانية، في حين بدّل سقوط السوفييت وظيفته حارساً للأمن القومي. وكشف إسقاط الطائرة الروسية، في نوفمبر/ تشرين الثاني، كم تغيرت مواقف أميركا وحلف الأطلسي من بلاد “العدالة والتنمية”، وأكد أنه لم يعد في وسعها الاعتماد على حليفيها التاريخيين هذين، بشهادة أوباما عن أردوغان في مقابلته مع الصحافي جولدبرغ التي اعتبره فيها استبدادياً وفاشلاً، وجعله مسؤولاً عن استمرار الحرب في سورية، متناسياً أنه نفسه من منع إقامة منطقة آمنة داخل سورية، كان أردوغان قد كرّر تصميمه على إقامتها، وحدّد مواعيد متتابعة لذلك، رداً على الاستعصاء السوري الذي أنتج آثاراً شديدة الإيذاء في الداخل التركي.
حسّن فشل الانقلاب بصورة جدية وضع تركيا دولةً، ووضع رئيسها أردوغان خصوصاً، وعلاقاتها الروسية/ الإسرائيلية المتجدّدة في سياقٍ تأكد معه أنها شريك قوي يصعب الاستغناء عنه. ويفسر هذا مسارعة موسكو وتل أبيب إلى تسوية خلافاتهما مع حكومتها، فروسيا كانت بحاجةٍ إلى كسر الحصار الاقتصادي الغربي، بفتح أسواقها من جديد أمام رجال الأعمال والتجار وأصحاب الرساميل الأتراك، بينما رأت تل أبيب في علاقاتها مع أنقرة تكريساً لتفوقها الإقليمي الذي أنتجه تدمير النظام الأسدي سورية وقتل شعبها وتهجيره، وطياً لخلافها مع دولةٍ قويةٍ ومزدهرة، يمكن أن يتعبها طويلاً الخلاف معها.
تعزّز التحسّن في وضع تركيا الخارجي الذي أنتجته المصالحة مع روسيا وإسرائيل، بفضل نجاح الديمقراطية في إفشال الانقلاب، وما ظهر من إجماع وطني/ شعبي حول الشرعية الحكومية التي وقفت معها قوى البلاد وأحزابها، ودعمها الشعب، عرفاناً منه بما أنجز في ظلها من تقدّم واستقرار، بزعامة أردوغان، السياسي الذي جعله التفاف الشعب حوله زعيماً وطنياً، وأباً ثانياً للأمة، مثل أتاتورك. وأمدَّ فشل الانقلاب أردوغان بقدر من القوة لم يسبق له أن امتلكه. لذلك، لن يتّخذ قراره السوري في ظرفٍ كالذي قرّر فيه استعادة علاقاته مع روسيا وإسرائيل. ولن يكون مضطراً للقيام بخطواتٍ تجاه النظام الأسدي، كالتي قام بها حيال موسكو وتل أبيب، بل لن يكون تنظيم علاقات بلاده مع سورية، على الأرجح، أولويةً ملحةً له، بما أن أولويته ترتيب أوضاع وطنه الداخلية التي كشف الانقلاب عيوبها وثغراتها، سيتطلب التخلص منها وقتاً. ويرجّح أن تعفيه ترتيبات الداخل من اتخاذ قرارٍ سريع تجاه سورية، علماً أنه لن يقتصر بالضرورة على النظام، ما دامت تركيا لا تعتبر نظام الأسد مساوياً لسورية، ولا ترى في تحسين علاقاتها مع سورية تقديم تنازلاتٍ للأسد تمسّ مكانتها الخاصة لدى أنقرة. وسيتعزّز الاحتمال إذا نجح أردوغان في إعادة تعريف علاقات بلاده مع أميركا وحلف الأطلسي، استناداً إلى موقعه الجديد زعيماً سينقل مركز القوة الداخلي من المؤسسة العسكرية إلى المؤسسة السياسية التي صار قائدها ورمزها، وغدا صعباً إجباره على تقديم تنازلاتٍ للأسد ونظامه، أو إكراهه على إعطاء الأولوية لتنازلاتٍ كهذه لن تعود عليه بأية فائدة، في ظل استبعاد أن يساوي بين سورية ونظامٍ وصف رئيسه بالقاتل، بعد إفشال الانقلاب.
وعلى العموم، يبقى أردوغان أحد أكثر داعمي الشعب السوري صلابةً، ويرجّح أن يعبر القرار الذي سيتخذه يوماً عن موقفه الحقيقي الذي أستبعد كثيراً أن يتغيّر حيال شرعية الثورة، وحق سورية في الحرية والكرامة.

ميشيل كيلو
صحيفة العربي الجديد