ماذا يعني تخفيض قيمة العملة؟

ماذا يعني تخفيض قيمة العملة؟

630
تخفيض قيمة العملة هو خفض سعر الصرف الرسمي لهذه العملة مقابل عملة دولية مرجعية (الدولار الأميركي أو اليورو مثلا)، بحيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة واحدة من العملة الوطنية.

ويصح الحديث عن تخفيض قيمة العملة (Devaluation) حينما يكون سعر الصرف خاضعا للإدارة المباشرة للدولة، التي تحدد هذا السعر عبر قرار حكومي.

أما عندما يكون سعر الصرف خاضعا لقوى العرض والطلب (تعويم العملة) ويحصل تراجع في قيمة هذه العملة، فالأولى هو الحديث عن انخفاض قيمة العملة (Depreciation).

بمعنى أن التخفيض هو فعل إرادي من الدولة، أما الانخفاض فهو نتيجة تلقائية للتفاعل الحر بين العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي دون تدخل مباشر من الدولة.

ووفقا للمنطق ذاته، يمكن الحديث عن رفع قيمة العملة (Revaluation) في مقابل خفضها، وارتفاع قيمة العملة (Appreciation) في مقابل انخفاضها.

الدوافع والأهداف
تلجأ الدول إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها الوطنية بشكل أساسي من أجل إعادة التوازن إلى موازينها التجارية التي تعرف عجزا هاما وبنيويا، أو على الأقل للتخفيف من حجم هذا العجز.

فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية يؤدي إلى جعل أسعار السلع المستوردة أغلى بالنسبة للمقيمين، مما يُفترض أنه سيحد من شراء السلع القادمة من الخارج ويشجع الإقبال على المنتجات الوطنية.

وإذا حصل ذلك، فنتيجته الطبيعية هي تراجع حجم الواردات ونقص فاتورتها بالعملات الأجنبية (وليس بالضرورة نقصا لفاتورة الواردات مقومة بالعملة الوطنية، لأن أثر انخفاض قيمة العملة يمكن أن يكون أكبر من أثر تراجع حجم الواردات).

وبالمقابل، تصبح أسعار السلع المصنعة محليا أرخص بالنسبة للأجانب، مما يُفترض أنه سيعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية ويرفع بالتالي من حجم الصادرات إلى الخارج.

وإذا تراجعت الواردات وتضاعفت الصادرات بما يكفي، فإن ذلك يعيد الميزان التجاري إلى حالة التوازن.

وقد تلجأ بعض البلدان لقرار تخفيض قيمة عملتها بهدف تحفيز الإنتاج الوطني من أجل الرفع من نسبة النمو

الاقتصادي والحد من البطالة من خلال التوظيف وتوفير مناصب الشغل الجديدة المواكبة لزيادة الانتاج.

علاقة مشروطة
أثبتت التجربة البشرية (في البلدان النامية على وجه التحديد) والنظرية الاقتصادية على حد سواء، أن العلاقة بين تخفيض قيمة العملة والحد من عجز الميزان التجاري وتحفيز الاقتصاد الوطني ليست علاقة آلية، وإنما علاقة مشروطة بعوامل ومحددات عديدة.

ويوجد عاملان يعدان من أهم العوامل التي تحدد فعالية أي سياسة صرف قائمة على تخفيض قيمة العملة هما:

– مدى قدرة الآلة الإنتاجية الوطنية والنسيج المقاولاتي المحلي (تكنولوجيا وماليا وبشريا) على تصنيع السلع المستوردة من الخارج بجودة مماثلة أو معقولة وأسعار منافسة، وإحلال منتجات وطنية مكانها.

ويتعلق الأمر خصوصا بالسلع التجهيزية (الآلات مثلا) والسلع الاستهلاكية المعقدة (بعض الأجهزة الإلكترونية كالهواتف الذكية مثلا)، التي يستعصي إنتاجها على الكثير من البلدان بسبب عدم توفر التكنولوجيا الضرورية أو مصادر التمويل الهائلة التي يتطلبها إنجاز مثل هذه المشاريع نظرا لكثافتها الرأسمالية.

– مدى المرونة السعرية للصادرات والواردات، بمعنى مدى تجاوب الطلب على الصادرات والواردات مع تغير الأسعار الناتج عن تخفيض قيمة العملة.

فعندما تكون المرونة السعرية لبعض السلع المستوردة والمستهلكة على نطاق واسع ضعيفة، بسبب أنها لا تصنع محليا أو لأن الإقبال عليها نتيجة لاعتبارات غير حساسة للسعر (الجودة والابتكار والمضمون التكنولوجي)، فإن ارتفاع أسعار هذه السلع لا يؤثر كثيرا على حجم استهلاكها محليا ولا يؤدي بالتالي إلى انخفاض مهم في الواردات.

وبالمقابل، حينما تكون المرونة السعرية لبعض أهم السلع المصدرة ضعيفة بسبب افتقارها إلى مقومات التنافسية المتجاوزة للسعر أو احتدام المنافسة الدولية عليها، فإن انخفاض أسعار هذه السلع لا يؤثر كثيرا على حجم استهلاكها في الخارج ولا يؤدي بالتالي إلى ارتفاع مهم في الصادرات.

سلاح ذو حدين
بدلا من أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تحفيز الإنتاج الداخلي ونمو الاقتصاد الوطني، يمكن لهذا الإجراء أن تكون له تأثيرات عكسية وسلبية تهوي بالاقتصاد إلى الانكماش بسبب التضخم الجامح الذي قد ينتج عن ارتفاع أسعار المواد الأولية (مصادر الطاقة كالنفط والغاز مثلا) والتجهيزات المستوردة.

وعلة ذلك أن ارتفاع أسعار المدخلات في عملية الإنتاج ينعكس بشكل آلي على أسعار المنتجات النهائية التي ترتفع بدورها، مما ينعكس سلبا على الطلب من خلال انكماشه. وهذا يفضي إلى تراجع المبيعات، ثم الإنتاج، فتقلع المقاولات عن الاستثمار ويدخل الاقتصاد في دورة انكماش.

وتشهد تجربة بعض البلدان النامية مثل المكسيك والأرجنتين على ذلك، فقد كان تخفيض قيمة العملة بهذين البلدين مصاحبا في أغلب الأحيان بتصاعد التضخم وتراجع الإنتاج.

لكن آثار تخفيض قيمة العملة تبقى عمليا وعلى العموم رهينة بطبيعة كل اقتصاد على حدة، وتخصصاته الإنتاجية، ومستوى انفتاحه واندماجه في التجارة الدولية، وتركيبة تجارته الخارجية

الجزيرة