قمة الأمل.. وحالة العرب!

قمة الأمل.. وحالة العرب!

f2925959adca411f896fa6410cfa93f8

قد يكون شعار القمة العربية السابعة والعشرين «قمة الأمل» التي اختُصرت أعمالها في يوم واحد بحضور ثمانية قادة وزعماء عرب، وانعقدت في خيمة، في نواكشوط، يدلل على الحالة التي وصل إليها بعض شعوب الدول العربية، حيث تحولوا إلى لاجئين يعيشون في مخيمات وخيم! وهذا حال ملايين الشعوب العربية في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال!

وقد حاولت «قمة الأمل» نشر الأمل في الجسد العربي الضعيف، ولم تعبر عن الواقع العربي الصعب، حيث غاب نحو ثلثي القادة العرب الاثنين والعشرين، بعضهم لأسباب صحية معذورين فيها، وآخرون لأسباب لا نعلمها، ولكن القمة ترسل رسالة واضحة عن الحالة العربية الصعبة، التي لا يمكننا كعرب أن نتجاهلها. بل لا يمكن لجيراننا الإقليميين من غير العرب إلا أن يستنتجوا بعض الدلالات والرسائل بمجرد نظرتهم ومتابعتهم لمداخلات القادة العرب، أو من مثل بعضهم ومن حضر ومن غاب، واللغة المكررة عن محورية القضية الفلسطينية، ومطالبة إيران بوقف التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية! ووضع استراتيجية لمحاربة الإرهاب. والأطراف الإقليمية الخارجية وهي تتابع هذا لا تملك إلا أن تستنتج أن أكثر من خطاب استمعنا له في خيمة نواكشوط يبدو كسرد لمعاناة الدول العربية وصراعها في مواجهة التهديدات والتحديات ومطالبتها بالدعم والإسناد، وخاصة الدول العربية التي باتت تنوء بأعداد اللاجئين السوريين، أو التي طفح بها كيل التدخلات والتهديدات الإيرانية، أو الصلف والتعنت الإسرائيلي.

إنه زمن الضعف والترهل العربي الذي يشجع ويغري القوى الإقليمية غير العربية على التدخل في الشأن العربي واللعب في ملعب العرب، دون رادع أو وازع، أو مشروع عربي جامع كما دأبنا على المطالبة بذلك منذ سنوات!

والعرب يريدون أن يواجهوا إسرائيل ويردعوا ويتصدوا لإيران، وهم يكررون هذا الخطاب منذ عقود، ويضمنونه في البيانات الختامية للقمم المتتابعة. ولكن المفارقة التراجيدية المؤلمة أن خطاب العرب لم يتغير. بينما حالتهم تزداد بؤساً وتفككاً وضياعاً. والأصعب أننا نشهد اليوم صراعات داخل الدولة الواحدة نفسها وليس مع أطراف خارجها. ونشهد تراجعاً كلياً لمكانة الدولة المركزية مقابل صعود نفوذ وتأثير الأجزاء، وأحياناً مجرد مكون من المكونات دون غيره، ما يخل بتوازن القوى والعدالة الاجتماعية والسياسية، بل يصير ذلك المكون أحياناً أقوى من الدولة المركزية نفسها. وينقلب عليها ويحتل عاصمتها ويصادر قرارها واستقرارها ـ سواء باحتلال عسكري كحال الحوثيين في اليمن أو احتلال سياسي عسكري كحال «حزب الله» في لبنان. أو بالاستعراض العسكري على أسس مذهبية تؤجج الطائفية كحال «الحشد الشعبي» في العراق.

بل باتت نظم عربية فاشلة تُعطي محاضرات عن السيادة والوحدة الوطنية، وتفاخر بأنها تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، كما يكرر رئيس النظام في سوريا، بينما سلم سيادة ما تبقى من الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، ولا تتجاوز ربع أراضي سوريا، لقوى دولية وإقليمية تصول فيها وتجول وتتحكم في مصيره وتصفي حساباتها الإقليمية والدولية على أرضه! وهناك دول تمارس إرهاب الدولة وتسفك دماء شعوبها وتقتلها بشتى صنوف القتل وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبعضها يصدّر الطائفية ويؤجج الصراعات المذهبية ويمارس التطهير الديني والمذهبي، ثم تقدم نفسها كرأس حربة في محاربة الإرهاب! متجاهلة أن هناك إرهاب دولة وإرهاب جماعات وإرهاب أفراد! بل لقد ظهر في لغة إرهاب اليوم تعبير «إرهاب الذئاب المنفردة» والذئاب الجماعية!

وفي محطات القمم كانت هناك قمم اتخذت قرارات ومواقف تاريخية، ولكن على رغم من تاريخية تلك القرارات إلا أنها لم تنفذ كحال غيرها كثير من قرارات القمم العربية، وفي الذهن هنا اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم بعد نكسة 1967، وقمة بيروت عام 2002 وقد تبنت المبادرة السعودية، التي صارت مبادرة عربية تنص على انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية مقابل التطبيع العربي الكامل.. يذكر أن وزير خارجية السلطة الفلسطينية، حذر في نهاية كلمته من موجة تطبيع وانفتاح عربية جديدة مع إسرائيل!

وفي كل قمة عربية يبرز خطاب متفائل وحماسي عن الحاجة للوحدة العربية وللعمل العربي المشترك للنهوض بحال العرب. ولكن لا يلبث ذلك الحماس حتى يتراجع قبل أن يجف حبر البيان الختامي. ولكن في وقت التراجع والتشرذم العربي لم تعد تلك الشعارات مقبولة، بل باتت ضارة بالأمن العربي الذي يتعرض لتهديدات متعددة من الدول الإقليمية غير العربية، ومن الدول الكبرى، وخاصة أن مشاريع القوى الكبرى والإقليمية باتت تتقاطع وتُخاض على الأراضي العربية.

وكما أشير باستمرار فإن النظام العربي فقد مراكز الثقل التقليدية بسبب تراجع مكانة ودور بعض الدول العربية المركزية، والانكفاء على الداخل بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية وتداعيات الربيع العربي، وبعض تلك الدول وخاصة العراق وسوريا باتت دولاً متراجعة في مؤشر الدول الهشة، وفقدت حكوماتها حتى السيطرة على نصف أراضيها!

ولذلك برزت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية والشركاء الخليجيين لتحمل عبء قيادة النظام العربي. ونرى ذلك في ملفات المنطقة من اليمن إلى ليبيا، ولكن القيادة الخليجية هذه بحاجة لتوحيد الصف الخليجي أولاً ودعم ومؤازرة الدول المؤثرة في النظام العربي للعمل على بلورة مشروع عربي يحصن الأمن القومي العربي ويتصدى للمشاريع الإقليمية التي تتقاطع وتهدد أمن العرب جميعاً.. وهذا ليس بحاجة لقمة تكرر بيانات سابقتها ولا تقدم ولا تؤخر، بقدر الحاجة لقرار استراتيجي وسياسي يفعل ما بات أمراً ملحاً وليس ترفاً!

عبدالله الشايجي

 صحيفة الاتحاد