التوحد بالمعتدي! مداخل تفسيرية للاتجاهات الحاضنة للتطرف

التوحد بالمعتدي! مداخل تفسيرية للاتجاهات الحاضنة للتطرف

3107201600larg

شهدت السنوات الأخيرة صعوداً في انتشار خطر الجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي استغلت معاناة العديد من البلدان، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، ظروفاً سياسية واجتماعية واقتصادية سيئة ولَّدت حالة من العنف والكراهية، وأوصلت بعض الشباب إلى اليأس من مستقبلهم، وجعلتهم يرتمون في أحضان التطرف، ويدعمون تنظيمات إرهابية، على شاكلة “القاعدة” و”داعش”، تستقطبهم بخطابها الذي يُسيء توظيف الدين.

وثمة عدد من المؤشرات الدالة على ذلك مؤخراً، ومنها دراسة صادرة عن البنك الدولي، في يونيو 2016، بعنوان: “من يدعم التطرف العنيف في الدول النامية؟”، حيث خلصت نتائجها، التي شملت 27 بلداً نامياً في العالم، إلى أن 83.7%، من العينة المُستطلعة آراؤها، أكدت أن الهجمات الإرهابية على المدنيين لا يمكن تبريرها سواء بصورة كاملة أو بسيطة، فيما أوجد 9.1% تبريرات لهذه العمليات الإرهابية، في حين أن النسبة المتبقية 7.2% لم تهتم بتلك القضية.

وتثير نتائج هذه الدراسة حول الداعمين للتنظيمات الإرهابية، تساؤلات حول البيئة الحاضنة للتطرف من قبيل لماذا يبرر البعض أعمال العنف؟ وما هي أشكال هذا التبرير أو التأييد؟ وما أبرز سمات هؤلاء الأشخاص؟

ما وراء تبرير البعض للعنف والتطرف؟

ثمة تفسيرات ربما توضح أسباب تبرير بعض الأفراد للعنف والعمليات الإرهابية، ولعل أبرزها يتمثل في الآتي:

1- الغطاء الديني: يعد البعد الديني أحد أهم العوامل التي تفسر تعاطف البعض مع أعمال العنف، حيث تعمل التنظيمات الإرهابية دائماً على صبغ أفعالها بغطاء ديني يُبررها، مع الترويج خطأ إلى وجود علاقة تبيعة بين ما يعتبرونه كُفر الحكام في الدول المعتدى عليها وكُفر المحكومين، وإعطاء مبرر شرعي لذلك، وهو ما يدفع البعض إلى تأييد الجرائم الإرهابية التي تستهدف المدنيين، أو على الأقل لا تتم إدانتها.

ولم تتوقف مزاعم الإرهابيين عند هذا الحد، بل حاولوا كسب تعاطف البعض في حالات قتل المسلمين المدنيين، عن طريق التسويق خطأً لمفهوم “التترس”، مستندين إلى بعض الآراء الفقهية التي كانت تجيز قتل المسلمين الموجودين في عقر دار “العدو” المُوجهة إليه الضربات العنيفة، إذا تترس “العدو” بهؤلاء المسلمين!

2- التوحد بالمعتدي: يتسم العقل السياسي للجماعات المتطرفة بما يمكن تسميته بـ”التوحد بالمعتدي”، ويُقصد بذلك أن هذه الجماعات تبرر تصرفاتها وفقاً لاستحضار صور لأفعال قام بها المعتدى عليه، أي أنها تفسر سيرها على النهج نفسه. وهذه حالة تدفع المصاب بها إلى التوحد بسلوك المعتدي ومحاكاته في أول فرصة تتاح لذلك، بدلاً من رفض السلوك والتنديد به.

وفي أدبيات التنظيمات الجهادية، ثمة دلائل على ذلك، فمثلاً في عُرف تنظيمي “القاعدة” و”داعش” تعتبر الولايات المتحدة دولة إرهابية تهدف إلى إرهاق وتدمير الدول الإسلامية، ولم تفرق في سياساتها ما بين مدني وإرهابي. ومن ثم، تعتمد تلك التنظيمات في التسويق لعملياتهم الإرهابية على عدم رفض المواطنين في الولايات المتحدة وقبولهم لسياسات بلادهم وحروبها في العراق أو أفغانستان.

وبالتالي، فإن تفسير العمليات الإرهابية على أنها بمنزلة رد فعل على سياسات الدول المستهدفة، من شأنه التأثير على العقل السياسي للمتابع لهذه العمليات، وقد يدفع البعض إلى تأييد هذا النوع من العمليات.

3- الانصياع لسلطة “العقل المشوش”: تعمل الجماعات المتطرفة على زرع صورة ذهنية سلبية تجاه الدول التي تعاديها، الأمر الذي تنتج عنه حالة من الكراهية من قِبل البعض لهذه الدول، وهو ما يُعطي صِبغة منطقية في عقول هؤلاء الأفراد للعمليات الإرهابية تدفعهم لتبريرها.

4- تباين التضامن مع ضحايا العمليات الإرهابية: ربما يؤدي التفاوت في درجات التضامن مع ضحايا الإرهاب بين الدول النامية والدول المتقدمة، إلى تداعيات سلبية في اتجاه تعاطف البعض في الدول النامية مع عمليات العنف والتطرف التي تُرتكب في البلدان المتقدمة، حيث يشعر هؤلاء بنوع من التمييز ضدهم.

وثمة شواهد على ذلك، ففي 17 نوفمبر 2015 أوقفت الشرطة الإيطالية 6 طالبات، أغلبهن من أصول مغربية، بمدرسة ثانوية في مدينة “فاريسي” التابعة لمحافظة لومبارديا شمال إيطاليا، وذلك بعد رفضهن الوقوف دقيقة صمت بعد هجمات باريس الإرهابية، بسبب ما اعتبرنه ازدواجية المدرسة في التعامل مع مثل تلك الأحداث التي سبقتها، مثل تفجيرات لبنان وغيرها في بلدان الشرق الأوسط.

درجات وأشكال تبرير البعض للعنف

يمكن وضع خريطة لأشكال تعاطف الأقلية مع عمليات العنف والإرهاب، وتبريرها، وتتحدد في الآتي:

1- الدعم بالتجاهل: يكون ذلك أبسط وأقل أشكال التعاطف أو التبرير، وفي هذه الحالة فإن الأفراد لا يدينون العمليات الإرهابية التي تستهدف قتل المدنيين، وفي الوقت نفسه لا يبررون هذه العمليات، وكأنهم يتخذون موقفاً ظاهرياً محايداً تجاهها.

2- التمويل المالي: يعد ترجمة لنمو درجة التعاطف بالتجاهل في البداية، ويُعنى به أن يقوم المتعاطف بتقديم دعم مالي للتنظيمات الإرهابية.

3- الدعم عبر شبكات التواصل الاجتماعي: يُقصد به أن يقوم الداعمون للتطرف بالترويج لأفكار الجماعات الإرهابية عبر المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف تجنيد عناصر جديدة لها.

4- الانضمام للجماعات المتطرفة: يعتبر ذلك أعلى درجات التأييد للجماعات الإرهابية، حيث يتوجه الفرد بناءً على رغبة شخصية، تُطعم بمحاولات التجنيد من قِبل هذه الجماعات وعوامل أخرى متعددة، للانضمام للتنظيمات الإرهابية.

سمات الأفراد الداعمين للتطرف

يشترك الداعمون للجماعات المتطرفة والإرهابية في سمات عدة، سواء تتعلق بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بهم، أو شعورهم بحالة من الاغتراب والعزلة في مجتمعاتهم، أو تشددهم لأفكارهم وأيديولوجياتهم، وذلك كالتالي:

1- تدهور البيئة المحيطة: تتمثل أهم السمات التي يتسم بها الداعمون للتطرف في صعوبة الواقع المحيط بهم، سواء من ناحية الظروف الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. ولعل أبرز المبررين للعمليات الإرهابية يكون هؤلاء الذين يعانون من ويلات الحروب في بلادهم، خاصةً تلك التي تشترك فيها الدول المستهدفة من قِبل الإرهاب. وبناءً عليه، يبدأ التنظيم الجهادي في استغلال هذه الظروف لتجنيد هؤلاء إلى صفوفه.

2- حالة من الاغتراب والعزلة: هذه السمة توجد بصفة خاصة في الداعمين للتطرف من الدول المتقدمة، حيث يعيش هؤلاء حالة من الصراع بين هويتهم الأم والهوية بالتجنيس، خاصةً في الدول التي لا تسمح لهم بالعيش وفقاً لعاداتهم وتقاليدهم الأصلية، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ترجيح كفة الدفاع عن الهوية الأم، ويدفع هؤلاء الأفراد إلى اللجوء إلى التنظيمات المتطرفة بداعي أنها تدافع عن معتقداتهم.

3- التشدد العقائدي والأيديولوجي: يتسم الداعمون للتطرف بتشددهم الأيديولوجي والعقائدي، ومن ثم يعمل هؤلاء على تقديم الدعم، سواء مادياً أو معنوياً، لمن يمثل أفكارهم وأيديولوجياتهم ويسعى إلى تنفيذها. ومثال على ذلك، تعد الخلافة الإسلامية أحد أهم الأفكار الجذابة للمسلمين، بما يحمله المعنى من عودة الدولة الإسلامية إلى أفضل عصورها، الأمر الذي يدفع البعض للسير في ركب التنظيمات التي تدَّعي إقامتها.

ختاماً، إن مجرد تبرير أو عدم إدانة عمليات العنف والإرهاب التي تستهدف المدنيين، يمكن استخدامه من قِبل التنظيمات المتطرفة لجذب هؤلاء المتعاطفين إليها، لذا يستوجب الأمر النظر إلى المحددات والأسباب التي توفر البيئة الحاضنة لنشر التطرف والإرهاب، والعمل على مواجهتها، وتوضيح ما بها من مغالطات لوقف استغلالها من قِبل الجماعات الإرهابية.

محمد مختار قنديل

مركز المستقبل لابحاث والدراسات المتقدمة