الحشد الشعبي: من يرفض ومن يؤيد ولماذا

الحشد الشعبي: من يرفض ومن يؤيد ولماذا

1280x960

يبدو أن هناك اتفاقا داخل مؤسسة الحكم التي يديرها البيت الشيعي حول وضع الحشد الشعبي دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى اتخاذ قراره الذي اعتبر فيه هذا التشكيل إحدى مؤسسات القوات المسلحة التابعة له، وجعله تشكيلا موازياً لتلك القوات، ويبدو أن هذا القرار كان قد تم اتخاذه في فبراير الماضي وكانت مدة نفاذه ثلاثة أشهر انتهت قبل شهرين، ويقال إن قيادات الحشد هي التي سربت هذا القرار لإحراج العبادي. ومع أننا نعيش في بلد لا تحكمه ضوابط سياسية سوى رغبة الحاكم ومزاج حزبه، إلا أن موضوع تبعية الحشد الشعبي لم تعد مسألة شكلية، وإنما لها دلالات تكشف عن التعقيدات التي تلف وضع الأحزاب الحاكمة وصراعاتها الداخلية، وما يمكن أن تقود إليه الأوضاع السياسية بعد داعش من نفوذ متعدد الجوانب لقيادات الميليشيات المسلحة بدعم إيراني.

رغم ما أحاط قرار العبادي من إشكالات دستورية وقانونية حاول الالتفاف عليها، حيث يمنع الدستور أي تشكيل ميليشياوي مسلح غير القوات العسكرية النظامية، ولعل توقيت اتخاذ العبادي لهذا القرار يتزامن مع التشريع المنتظر لقانون كسيح للأحزاب في العراق لم يمنع مزاولة الأحزاب الطائفية لنشاطاتها خلافاً للدستور، لكنه منع من أن تكون تلك الأحزاب ذات أذرع مسلحة “ميليشيات مسلحة”، فأراد العبادي تخليص الميليشيات من هذه الورطة، ولذلك لقي قراره ترحيبا من جميع الفصائل الميليشياوية.

العبادي في قراره لا ينطلق من حرص وطني على المصالح العليا للبلد، وإنما تلبية للأغراض الحزبية والميليشياوية، ويتصرف بخضوع تام لحزب الدعوة الذي عينه والذي يرأسه نوري المالكي الذي يُنقل عنه أنه صاحب فكرة الحشد الشعبي قبل فتوى السيستاني، وهناك من يقولون بأن هذه التبعية للمالكي جاءت مفبركة لإبعاد خطايا الحشد أو البعض من أفراده عن “حرمة السيستاني” الذي يحرص على ألّا يتورط بما يثير الشبهات حول مكانته بين الشيعة.

هناك تعبئة حزبية طائفية لتضخيم دور الحشد الشعبي إعلامياً في معارك التحرير ضد داعش أمام إهمال مقصود لدور الجيش العراقي، لقد أصبح هذا الحشد “خامس أقوى قوة ضاربة في العالم” حسب تصريح أحد قادته في استنساخ لمقولة وصفت الجيش العراقي خلال حربه مع إيران بأنه “خامس جيش في العالم”، أو تصريح الناطق باسم الحشد “لولا الحشد ربما كان داعش قد دخل بغداد وسقطت الحكومة والبرلمان”.

إن جميع المؤسسات الحزبية الطائفية في العراق تنتظم اليوم تحت خط تعبوي واحد يهدف إلى تأهيل الحشد ليصبح القوة العسكرية والأمنية الأولى في البلد، وليصبح الجيش العراقي رديفاً شكلياً بعد أن صرف على إعادة تأهيله مبلغ 25 مليار دولار عام 2015 فقط، وهناك كلام كثير ينسب إلى قادة إيرانيين مسؤولين مثل القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، الجنرال محسن رفيق دوست، وهو أحد أبرز مؤسسي الحرس بعد ثورة الخميني عام 1979، الذي اقترح تشكيل حرس ثوري عراقي على شاكلة الحرس الثوري الإيراني بمساهمة مباشرة من طهران في التسليح والتدريب ونقل الخبرات لقيام مؤسسة مثيلة في العراق تحت عنوان “الحشد الشعبي” مماثلة لـ”الباسيج” الإيراني التابع للحرس الثوري “الباسدران”. كما كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، محمد صالح جوكار، عن جزء من الخطة الإيرانية حول تشكيل قوات حرس ثوري في العراق، قائلاً إن هذه القوات يمكن أن تتشكل من خلال دمج الفصائل والميليشيات الشيعية في العراق، وجعل ميليشيات “سرايا الخراساني نواة لها”. على الرغم من أن هناك ميليشيات متقدمة في المواقع أكبر منها، إضافة إلى اختلاف ظروف إيران عن العراق، فهناك مرجعية واحدة هي ولاية الفقيه أما في العراق فلا يوجد مرجع سياسي وديني تعود إليه مؤسسة الحشد التي ستكون إشكالية كبرى في المستقبل.سبق للعبادي أن اعترف بانتهاكات الحشد خلال تواجده في مؤتمر ميونيخ قبل شهر حيث قال “أعتقد أن هناك مجموعات أفرزها الحشد الشعبي وهي مجموعات خارج إطار الدولة وسيطرتها ونحن لن نسمح بذلك، ولن نسمح بوجود أي جماعات خارج إطار الدولة ونحن نحاربها وسيتم القضاء عليها”. كما وجه مقتدى الصدر انتقادات كثيرة لانتهاكات الميليشيات عبر “الحشد” وقال في احدى المناسبات ناقداً الميليشيات التي يصفها بالوقحة إنها “تتعامل مع الوضع الأمني وتردّيه بأسلوب قذر بالذبح والاعتداء على غير الدواعش الإرهابيين بغير حق، وتريد أخذ زمام الأمور بيدها لبسط نفوذها بالذبح والاغتيالات وتشويه سمعة المذهب بل الإسلام وبالتالي فشل التقدم والنصر”.

مقابل التضخيم المقصود ماذا قال الجنرالات الأميركان عن الحشد الشعبي، فلقد أفصحوا في مناسبات عدة حول “انتهاكات” الحشد وصدرت عن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر اعترافات خطيرة؛ إذ قال “شاهدت جميع جرائم الحروب العسكرية التي حصلت على الأرض لكن ما وصل لنا من فيديوهات خاصة عما يحصل في معارك الفلوجة وما حصل في الصقلاوية أوقع لي صدمة كبيرة جدا! هذه الفيديوهات لعناصر استخبارات لنا من الداخل وهي تسجيلات متواصلة وخاصة.. المقاطع التي تتسرب وتشاهدونها على مواقع التواصل (وما تحتويه) من جرائم هي فيديوهات حقيقية ولو شاهدتم ما خفي لما صدقتم أبداً.. جرائم شاهدتها لم أرها في حروب الأرض ولم أتوقع أن تحصل مثل هذه الجرائم أبدا.. أطفال تمزق جماجمهم وهم أحياء، نساء يتم اغتصابهن بطريقة وحشية! فتيات صغيرات يغتصبن وبعدها يتم قتلهن.. رجال تقطع ذكورهم وبعدها يتم تمزيقهم في العربات وهم أحياء.. لن أتكلم عن الجرائم الأخرى فهي صعبة وصادمة تفوق الخيال.. الصور التي يتم التقاطها تفيد بأنه يتم استقبالهم وإعطاؤهم الماء فعلا حقيقة! لكن بعدها ينقلب كل شيء، ما تشاهدونه في مواقع التواصل الاجتماعي 0 بالمئة من الحقيقة”.

مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة خص المشهد العراقي بتصريح أدلى به أثناء زيارته إلى بغداد، قال فيه “عندما حلقت على متن مروحية فوق بغداد كان بالإمكان رؤية الكثير من الأعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية معروفة من دون رؤية العلم العراقي بينها إلا نادرا”، وأضاف “جهود الحرب ضد داعش محكوم عليها بالفشل إذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنة في أن تكون حكومة لجميع العراقيين”.

الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد باتريوس قائد سلاح الدبابات الذي احتل العراق عام 2003، حذر في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست من أن الخطر الحقيقي على العراق يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران وليس من تنظيم الدولة الإسلامية، وقال إن هذه الميليشيات متهمة بارتكاب جرائم حرب وقتل المدنيين السنة وليس الدولة الإسلامية وحسب.

رغم هذه التوصيفات الصادرة عن المسؤولين العسكريين الأميركان إلا أن إدارة باراك أوباما لم تفصح عن موقفها من مشاركة الحشد في معركة الموصل، أو من التطورات التي ستتبع قرار العبادي الجديد بهذا الشأن، فإدارة أوباما منشغلة بالأوضاع الداخلية والانتخابات، لكنها تسعى إلى جعل طرد داعش من الموصل ورقة تخدم هيلاري كلينتون في حملتها ضد دونالد ترامب.

الانتقادات الموجهة للحشد من قبل الأوساط العراقية لا تمس المكون الشيعي، فهذه الطائفة رغم الانتعاش العام المحاطة به حيث تحكم الأحزاب باسمها، فإن غالبيتها تعاني الحرمان من الخدمات. الانتقادات موجهة نحو مؤسسة ميليشياوية تشكل أدوات لخدمة أغراض حزبية وتضع المستقبل السياسي العراقي أمام مخاطر التشرذم والصراعات الإثنية والعرقية، وتسهّل طريق النفوذ الإقليمي بدلاً من أن ينتقل البلد إلى ظروف تساعد على بناء المصالحة وإشاعة السلم الأهلي. فما بعد داعش سيكون أقسى على العراقيين.