مصير العراق وسورية يهدد باكستان وأفغانستان

مصير العراق وسورية يهدد باكستان وأفغانستان

-أفغانستان-e1438854157983

كان من المفترض بخطة الأمن الباكستانية في 2014 أن تفتتح فصلاً جديداً في السياسة الأمنية، يفضي الى عدم التسامح مع التطرف والإرهاب على مختلف أنواعه. هذا ما خلص اليه مؤتمر الأحزاب الباكستانية في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014. ووجب حل المجموعات الإرهابية العاملة تحت مظلة الجماعات الدينية ونزع سلاحها، وحظر عملها تحت مسميات جديدة. والمشككون في جدية الدولة العميقة وإمكان قطع علاقاتها القديمة والراسخة مع التنظيمات المسلحة، التزموا الصمت. فقيادة الجيش الباكستاني شاركت في المؤتمر هذا.

وطوال أشهر، جاءت الوقائع على نحو ما اشتهت خطة الأمن الوطنية. وأبلغت الحكومة وسائل الإعلام بعمليات محددة ضد الخلايا الإرهابية النائمة، ومكافحة خطب الكراهية والمنشورات التي تحرض على العنف. ولكن مع نهاية 2015، أشارت المؤشرات الى أن العمليات هذه لم تغير في الواقع شيئاً. وانتقلت الحكومة من مكافحة العقائد المسممة والجماعات المحظورة إلى مكافحة مزاعم الفساد ودائرة صيد الأسماك في السند التي قيل أنها تمول الإرهاب! واتهم مستشفى الدكتور عاصم حسين في كراتشي بأنه الملاذ الآمن للإرهابيين. وصار جلياً أن باكستان أعتقت «طالبان الجيدين أو الخيرين» (طالبان أفغانستان، وجماعة الدعوة، جيش محمد، الخ…) من الملاحقة. وثمة سوابق قريبة. فالجنرال برويز مشرف التزم سياسة «الاعتدال أو الانفتاح المستنير» التي كان من المفترض أن تهزم عقائد التطرف والإرهاب. وتبين أنها كانت غطاء رص صفوف «طالبان» على الأرض الباكستانية بعد دحرها من أفغانستان.

وفي منتصف 2016، تراجعت الحرب على الإرهاب، إثر مقتل الملا منصور، زعيم «طالبان أفغانستان». وانبعثت صناعة «الجهاد» في باكستان. ففي 30 أيار (مايو) عقدت جماعة الدعوة اجتماعاً للجماعات «الجهادية» في إسلام أباد تحت مسمى «مجلس الدفاع عن باكستان». ودار الكلام على تصعيد وتيرة العمل «الجهادي» في أفغانستان، وعلى دعم المقاتلين في الدول المجاورة. وفي الخامس من حزيران (يونيو)، نظمت مجموعات متطرفة مسيرة كبيرة في إسلام أباد لاستعراض القوة. وفي شهر رمضان الأخير طلبت الجماعات الجهادية تمويلاً عبر منابر المساجد في مختلف المدن الباكستانية، لدعم ما سمته بـ «الجهاد في مناطق كثيرة». ونقلت أخبار هذه النشاطات وسائل الإعلام، ولم تحرك الحكومة ساكناً. وفي حزيران الأخير، قدمت حكومة حزب «إنصاف» في إقليم خيبر ثلاثمئة مليون روبية من موازنة الاقليم العامة الى الجامعة الحقانية التي يديرها سميع الحق، الذي يزعم أنه والد «طالبان». ولكن لماذا ترسل أموال دافعي الضرائب لمؤسسات ترفض أن تطور نفسها وتصر على نشر التطرف؟ وأخيراً وليس آخراً، نظمت الجماعة الإسلامية وجماعة الدعوة وغيرهما من الجماعات المتطرفة، مسيرة عامة يوم الأحد الماضي في راولبندي وإسلام أباد لتأييد السكان في كشمير الهندية.

هذا المنحى خطير. فهو يرجح كفة المسلحين في المنطقة. ويترتب على هذا الترجيح تقلص التعاون الاقتصادي مع دول الجوار، والعودة عن اتفاقات مبرمة مثل الممر التجاري الصيني – الباكستاني، وخط الكهرباء بين وسط آسيا وباكستان، وخط الغاز من تركمانستان عبر أفغانستان وباكستان إلى الهند. وتفوق طاقة باكستان هذه التبعات. والنشاطات العلنية لمن وصفتهم الأمم المتحدة بالجماعات الإرهابية ستزيد من عزلة البلاد دولياً. ولكن الأخطر هو انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» في المنطقة. وتشير الأخبار عن عملية عسكرية للجيش ضد المسلحين المؤيدين لهذا التنظيم في شرق أفغانستان إلى أن معظم قادة تنظيم «الدولة…» وعناصره هم باكستانيون. ويتحدر معظم المقاتلين في مناطق أتشين ونازيان، وكوت في ولاية ننجرهار من مقاطعة أوركزي القبلية الباكستانية، ومقاطعتي باجور وخيبر، وهم تحت مظلة «طالبان باكستان». وثمة ممر إمداد لهؤلاء المقاتلين في أفغانستان عبر وادي تيراه في مقاطعة خيبر القبلية المحاذية للحدود الأفغانية. وتنظيم «لشكر إسلام» بقيادة منغل باغ من مقاطعة خيبر، أبرز الداعمين. وهذه الشراكة عبر خط الحدود الفاصل بين أفغانستان وباكستان، خط دوراند، تشمل تجار المخدرات وعصابات المجرمين. ومن المهم الإشارة إلى أن هؤلاء عملوا على توتير العلاقة بين حكومتي باكستان وأفغانستان. وأهملت كل من حكومتي كابول وإسلام اباد هذه الجماعات الخطيرة على أمل أن تؤذي الحكومة الأخرى. وقرر، أخيراً، الأفغان تنظيف بلادهم من هذا الخطر. والعمليات الناجحة في مديرية كوت هي خير دليل على هذه الاستراتيجية. والى اليوم، لا مؤشر الى تعاون بين باكستان وأفغانستان للقضاء على هذا البلاء. والتعاون الباكستاني – الأفغاني في الحرب على الإرهاب على جانبي الحدود الذي بدأ في 2014، لم يثمر لأن باكستان فشلت في إعادة النظر في علاقتها مع «طالبان أفغانستان». وتلقى تنظيم «الدولة…» ضربات موجعة في العراق وسورية في الأسابيع الأخيرة. وأبو بكر البغدادي الذي يعرف هذه المنطقة حق المعرفة قد يلجأ إلى توسعة شبكته في باكستان وأفغانستان حيث ثمة بيئة مواتية ومشجعة. وإذا توسع تنظيم «الدولة…» في هذه المنطقة، يبدأ فصل جديد من النشاطات الإرهابية التي ستسترعي الانتباه الدولي. ولكن من أين لباكستان وأفغانستان أن تلقيا مصيراً أفضل من مصير العراق وسورية ؟ وألم يحن الوقت بعد لإغلاق نهائي لمدارس ومنظمات «الجهاد الخاص» في الدول الإسلامية؟ وهذا يقتضي أن تعيد باكستان النظر في سياستها الأفغانية.

أفراسياب ختك

* سيناتور باكستاني متقاعد، ونائب رئيس حزب عوامي القومي البشتوني اليساري المعادي للحركات الإسلامية «الجهادية» والسياسية، عن «ذي نايشن» الباكستانية، 30 /7/ 2016،

إعداد جمال إسماعيل

نقلا عن الحياة