معركة حلب وحوار جنيف لن يُحسما إلا بتوافق روسي أميركي

معركة حلب وحوار جنيف لن يُحسما إلا بتوافق روسي أميركي

_86666_64

يبدو أن التنسيق الواسع بين فصائل المعارضة المسلحة نجح في حلب، فتهاوت جبهات قوات النظام والميليشيات الداعمة له في جنوبي غرب المدينة وشمالي غربها في الساعات الأولى من بدء معركة فك الحصار، ما شجع الفصائل المتواجدة داخل حلب التي باتت محاصرة تماما بعد سيطرة النظام على طريق الكاستيلو، على محاولة الاقتحام من جانبها للمساهمة في معركة كسر الطوق عن المدينة، وهي المعركة التي يشارك فيها أبناء حلب، والتي كبدت منذ الساعات الأولى قوات النظام وميليشيات حزب الله وسواها التابعة للنظام الإيراني خسائر فادحة.

غير أنه في كل مرة تتوحد الفصائل المسلحة ومعها جبهة النصرة، أو ما بات يعرف بجبهة فتح الشام، في مواجهة قوات النظام والميليشيات الداعمة، ثم تنجز تقدما ملموسا على الأرض، تثار نقاشات حامية حول طبيعة هذه الفصائل وشكل هذه الإنجازات باعتبارها تحريرا أم غزوا أم “فتحا”. حدث ذلك بعد دحر النظام من محافظة ومدينة إدلب ويحدث اليوم تعليقا على معارك كسر الطوق عن حلب.

يطالعنا البعض من المعارضين بالقول إن إسقاط نظام الأسد هو الأولوية، ومهما كانت الجهات التي تسهم في إسقاطه فهذا هو المطلوب، وبعد سقوط النظام يمكننا التعامل مع هذه الجهات بالطرق المناسبة. ويرد آخر قائلا إن هذه الفصائل فيما لو أسقطت النظام فإنها ستمارس استبدادا أشد هولا كون سلطتها لا تقوم إلا بأقسى أشكال الاستبداد إضافة إلى كونها مرتبطة خارجيا بقوى معادية لطموحات الشعب السوري للحرية، وأن هذه الفصائل أعلنت صراحة معاداتها للأهداف التي ثار الشعب السوري من أجلها.

بداية لا بد أن نذكر أن الثورة السورية ليست عبارة عن فصيل مسلح أو مجموعة فصائل مسلحة، بما في ذلك فصائل الجيش الحر. الثورة السورية لا تختصر في المجموعات المسلحة، فهي كانت قبل أي فصيل مسلح ولن تهزم بهزيمته.

أما الفصائل المسماة جهادية ابتداء بتنظيم جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وصولا إلى كل الفصائل التي ما إن تستولي على حي أو قرية إلا وتقيم محاكمها الشرعية دليلا على سلطانها، ثم تعلن عداءها للديمقراطية والحرية والمواطنية، فجميعها وجدت لتقوض الجيش الحر وقد تمكنت من ذلك إلى حدود بعيدة نتيجة منع أي شكل من أشكال الدعم عن الجيش الحر وتوجيه كل أشكال الدعم الخارجي المتاحة إلى تلك الفصائل ما جعل المقاتلين يجدون لديها الإمكانيات والسلاح والتنظيم ويعتقدون أنها الأقدر على إسقاط النظام، فتركوا فصائل الجيش الحر والتحقوا بتشكيلاتها. وهكذا ابتلعت تلك الفصائل وفي طليعتها جبهة النصرة، غالبية فصائل الجيش الحر طوعا أو حتى بالإكراه.

واستمرت المعارضة الخارجية بغالبيتها في التغطية عليها واعتبارها فصائل ثورية، بما فيها النصرة، طمعا في استمرار قتالها للنظام مهما كانت النتائج، على اعتبار أن ذلك سوف ينهك قواته ويجبره على التفاوض معها وصولا إلى حل سياسي يمكّنها من السلطة بديلا عنه أو شريكا معه. فكما راهنت تلك المعارضة على التدخل العسكري الخارجي والأميركي تحديدا لإزاحة بشار الأسد، راهنت أيضا على الفصائل الجهادية لإضعافه.

ولا بد من معرفة القوى الحقيقية التي تقف وراء إطالة عمر النظام والإشارة إلى أنه لم يكن ليتمكن من استعادة شبر واحد لولا التدخل الكثيف لسلاح الجو الروسي منذ سبتمبر 2015. هنا يأتي دور الولايات المتحدة وما سمي بـ”أصدقاء” سوريا الذين طالما مدوا الفصائل المسلحة بالسلاح لتحقيق توازنات معينة، ولكنهم وبتوجيه صارم من الإدارة الأميركية، منعوا عنها السلاح النوعي الذي يمكنه شل قدرة سلاح الطيران الحربي للنظام، أي الصواريخ المضادة للطائرات.

كلّف هذا المنع سوريا دمارا شاسعا وعشرات الآلاف من الضحايا وتهجيرا للمدنيين لم يسبق له مثيل. ومكن النظام من الاستمرار كل هذا الوقت، دون أن يجد نفسه مضطرا إلى تقديم تنازلات. أما بشأن علاقة الحاضنة الشعبية للثورة بجبهة النصرة والفصائل الجهادية المماثلة، المعادية صراحة لأهداف الثورة، فيمكن التحقق منها بشكل واضح من خلال تطورات الصراع وخصوصا خلال هذه السنة (2016).

وبالرجوع إلى وقف الأعمال العدائية الذي نفذ جزئيا في السابع والعشرين من فبراير الماضي وتقدم توقعات الحل على توقعات تفاقم الصراع، شاهدنا كيف خرج السوريون إلى الساحات والشوارع ليذكروا العالم بحقيقة الثورة، ثم كان اعتداء جبهة النصرة على المتظاهرين في إدلب وفي معرة النعمان تحديدا، ما أسهم في وضوح الصورة ليظهر التباين والافتراق بين القوى “جهادية” وبين الحاضنة الشعبية. لكن استئناف العمليات من قبل النظام وحلفائه وكذلك قوات الاحتلال الروسي وبوحشية مطلقة مستهدفة المرافق المدنية وبالأخص المستشفيات والأسواق والأحياء الشعبية ما تسبب في عدد كبير من المجازر وخروج المستشفيات عن الخدمة، وصولا إلى حصار مدينة حلب وقطع الإمدادات الحيوية عن أكثر من ثلاث مئة ألف مدني، فتح لجبهة النصرة، بعد أن غيرت اسمها، ولم تغير سلوكها بالطبع، بابا عريضا للعودة إلى حضن الشارع السوري.

إن ارتفاع وتيرة الصراع تسهم في القبول العام لجميع الفصائل التي تقاتل النظام بما فيها النصرة وأخواتها، في حين أن انفتاح آفاق الحل السياسي الذي يضمن الشروط الدنيا يعجل في عزل تلك الفصائل وإنهائها.وإذا كانت تطورات معركة حلب غير واضحة الآفاق، فلأن تدخلا كثيفا للطيران الحربي، خصوصا الروسي، قد يمنع أو يؤخر فك الطوق عن المدينة، كما أن احتمال فك الطوق وبالتالي محاصرة قوات النظام والميليشيات الداعمة في البعض من مناطق حلب الغربية يبقى ممكنا، بل أكثر من ذلك هناك من يتوقع انتزاع المدينة كاملة من قبضة النظام.

في هذه الحالة، يخشى مراقبون أن تقوم جبهة فتح الشام، (النصرة سابقا)، بابتلاع باقي الفصائل وفرض سيطرتها على المدينة. والاحتمال الثالث أن يُفرض وقف للنار يلزم الجميع ليبقى الوضع على حاله في انتظار مفاوضات قادمة.

هذه المفاوضات يتوقع لها أن تفشل تماما كما سابقاتها، فطالما أتيح لبشار الأسد أن يكون الوفد المفاوض تابعا له. وهذا سيبقى قائما طالما استمر الروس في إصرارهم على بقاء الأسد على رأس السلطة. من هنا يتأكد أن الحسم العسكري محليا بات غير متاح، وأن مفاتيح الحل باتت بأيدي الخارج وتحديدا التوافق الروسي الأميركي واحتمالاته.

عديد نصار

صحيفة العرب اللندنية