أردوغان و«العنصرية» الأوروبية

أردوغان و«العنصرية» الأوروبية

erdo4

لا تزال أصداء الحدث التركي تدوي في أوروبا. وآخرها تبادل الانتقادات بين تركيا والنمسا، بعد قرار مستشار النمسا إبلاغ زملائه الأوروبيين بضرورة وقف مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، ما استدعى رداً من وزير الخارجية التركي، اتهم فيه فيينا بأنها «عاصمة العنصرية المتطرفة».

رجب طيب أردوغان يتهم «الغرب»، هكذا في شكل عام، بدعم الانقلاب العسكري الذي فشل، ولا حجة لديه حتى الآن سوى أن الدول الغربية تدعوه الى بعض الاتزان في رد فعله على فشل الانقلاب، والى تطبيق القانون وعدم أخذ الأبرياء ومن لا علاقة لهم بالانقلاب بجريرة المذنبين والمخططين. يضاف الى ذلك عتب أردوغاني آخر على القادة الغربيين الذين لم يسارعوا الى تطييب خاطره وتهنئته بالنجاة والسلامة.

وإذ يوجه أردوغان اتهاماته هذه، فإنه يبدو كمن يخفي قلقاً عميقاً عن عيون الغربيين المسلطة على إجراءاته العقابية. ينعكس هذا القلق في اللغة الغاضبة التي يستخدمها المسؤولون الأتراك عندما يوجهون كلامهم الى زملائهم الغربيين. هنا تسمع عبارات من نوع: اهتموا بشؤونكم، ولا تتدخلوا في أمورنا. وهو الردّ الذي يطلقه عادة من يخفي عيباً لا يريد كشفه. فتركيا في بداية الأمر ونهايته هي من استدعى أساساً عيون الرقيب الأوروبي، والغربي عموماً، عندما اعتبرت نفسها مؤهلة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وبالتالي مستعدة وجاهزة لاحترام الأصول والقواعد التي تلتزم بها دول الاتحاد عندما تتعامل مع من يخالفون القانون. وعندما تتجه الدول الأوروبية اليوم الى محاسبة تركيا على الإجراءات التي تتخذها، فهي تفعل ذلك لأنها تنظر الى تركيا كشريك أوروبي محتمل، يمارس ما تشترطه هذه العضوية المنتظرة، من حكم القانون واستقلال القضاء، والهبوط عن عرش «السلطنة» الى مقعد القيادة العادية التي تحتمل المحاسبة، وتعترف بأنها معرضة لارتكاب الخطأ، كما للقيام بأعمال الصواب.

عندما تتم مطالبة الحكم التركي باحترام هذه الأصول، فإن هذه المطالبة هي أبعد ما تكون عن «العنصرية»، مثلما اعتبر وزير الخارجية التركي جاووش اوغلو في رده على مستشار النمسا. فقد شرح المستشار موقفه المطالب بوقف إجراءات دخول تركيا الى النادي الأوروبي بأنه يعود الى الممارسات غير الديموقراطية التي أظهرها رجب طيب أردوغان في رد فعله على الانقلاب الفاشل، رد فعل شمل معاقبة ما لا يقل عن 65 ألف شخص، ولم يسلم منه أكاديميون وأطباء ومدرسون وصحافيون وموظفون عاديون في الدوائر الحكومية، فضلاً طبعاً عن الجيش، ووصولاً في نهاية المطاف الى حزب «العدالة والتنمية»، حزب أردوغان نفسه، حيث أصبح معارضوه داخل الحزب تحت المجهر أيضاً.

لو كان موقف النمسا، أو سواها من الدول الأوروبية، «عنصرياً» فعلاً تجاه تركيا، لكانت اعتبرت أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية هي إجراءات «طبيعية» من دولة عالم ثالثية، وبالتالي فلا داعي لتوجيه أي انتقاد لهذه الإجراءات، أو المطالبة بتصحيحها. وهو ما تفعله أصلاً الدول الغربية مع معظم دول منطقة الشرق الأوسط، فهي لا تنتظر من هذه الدول الكثير من احترام قواعد السلوك الغربي. وإذ توجه انتقادات لها من حين الى آخر على خروقات لحقوق الإنسان، فإن هذه الانتقادات لا تصل الى أزمات في العلاقات، لأن هذه الدول لم ترشّح نفسها لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولم توافق بالتالي على الالتزام بما يلزمه هذا الترشّح.

غير أن قسوة الانتقادات الموجهة الى تركيا هي إشارة من الأوروبيين الى أن نظرتهم الى هذا البلد تختلف عما يتوقعونه من دول أخرى في المنطقة. الأوروبيون كانوا ينتظرون من تركيا أن تكون نموذجاً لحكم الإسلام السياسي المتصالح مع الديموقراطية ومع دولة القانون. غير أن أردوغان خيّب آمال الأوروبيين، كما خيّب آمال كثيرين غيرهم في المنطقة العربية أيضاً. ولا بد أن يكون أردوغان قد سمع المثل العربي الذي يقول إن «العتب على قدر المحبة»، ولهذا فلعل من مصلحته ومصلحة بلده أن ينظر الى الانتقادات الغربية من هذه الزاوية وأن يتعظ منها، بدل أن يوجه الاتهامات يميناً وشمالاً.

ففي نهاية الأمر، لم تكن الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية هي من زرع جماعة غولن في المؤسسات التركية، هؤلاء الذين يطاردهم أردوغان اليوم بحجة أنهم حاولوا الانقلاب عليه.

الياس حرفوش

صحيفة الحياة اللندنية