ضاع سنة العراق ضيعة عمر بالحويزة

ضاع سنة العراق ضيعة عمر بالحويزة

version4_fsdfsdfsdfsdf

لو حمل الفيلسوف اليوناني ديوجينوس فانوسا ودخل به البرلمان ومجلس الوزراء العراقي في وضح النهار، بحثا عن سياسي سني عربي واحد في الحكومة، فإنه بكل تأكيد سيعود خالي اليدين. وزير الدفاع خالد العبيدي (ابن الموصل) يدعو إلى اقتحام الحشد الشيعي لمسقط رأسه قائلا “كما حدث للفلوجة تماما” بمعنى حرق بيوت وفصل النساء عن الرجال، وعطش وصواريخ النمر وإعدامات جماعية وتهديدات للسعودية والخليج. وفعلا كشف برلماني عراقي قبل يومين عن وصول الجنرال الرهيب قاسم سليماني إلى حدود محافظة نينوى “لغرض الاطلاع على الأوضاع هناك”.

وبما أن الدستور العراقي ينصّ على المحاصصة الطائفية يحق لنا أن نتساءل علنا هل رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري سني عربي؟ هل السيد النجيفي سني عربي؟ هل الأستاذ صالح المطلك سني عربي؟ هل السيد مشعان الجبوري سني عربي؟ هل السيد الكربولي سني عربي؟ هل الجنرال خالد العبيدي سني عربي؟ هؤلاء مسافرون في عربة شيعية. جميعهم يجرون عربة ولاية الفقيه بإخلاص.

فليخرج أحدهم ويخبرنا ما معنى سني عربي؟ لا يستطيعون لأنهم ليسوا كذلك. جميعهم متشيّعون سياسيا فعلى ماذا المحاصصة؟ هناك عربة كردية وعربة شيعية والسنة العرب لاجئون في العربتين. الحزب الإسلامي مثلا منتسبوه ليسوا سنة عربا، هؤلاء أتراك عثمانيون يعملون في جباية المال للإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي من خلال تقديم خدماتهم لولاية الفقيه في العراق. السني العربي يعني تيارا قوميا مدعوما من العرب، وعنده تنظيم ومؤسسات وقوات مسلحة، عندها فقط يصح الحديث عن محاصصة سياسية.

لقد كانت هناك محاولات مثل التي قام بها السيد أحمد العلواني، النائب الذي ضاع في غياهب السجون منذ سنين، وخضع للتعذيب لشتمه السيد حسن نصرالله، والدكتور طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي، الذي هرب تحت جنح الظلام من بطش رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي لم يعجبه إصرار الهاشمي على كشف معاناة السجون السرية وإصراره على زيارة المعتقلين السنة العرب. وهؤلاء يمكن اعتبارهم سنة عربا إلى درجة معينة.

الشيعة مصرون على اجتثاث أيّ تنظيم سياسي قومي عربي سنّي يكون بين صفوفه رجالات البعث السابقون، وكما تعلمون هناك فيتو عربي ضد الإخوان المسلمين فالحزب الإسلامي مثلا أسوأ من أبو درع والمالكي. في نفس الوقت قامت الحكومة الصفوية بعمل منظم وطويل لشراء شيوخ العشائر السنية، فصار نصفهم صحوات والنصف الآخر دواعش أو مطاردين كأمير الدليم علي الحاتم وغيره.

أهداف كثيرة مطلوب تصويب البندقية نحوها

السؤال هو ماذا يفعل السنة؟ إذن لا قومية ولا إخوان ولا داعش؟ ماذا يمثل صالح المطلك أو الكربولي أو العبيدي؟ ما معنى سياسي سني؟ لا يوجد عقد سياسي أو ثقافي أو حزبي أو مؤسساتي سني، ليس لهم الحق بأيّ وجود بالقانون العراقي. بالمقابل الشيعة تيار صدري وحزب دعوة وولاية فَقِيه وخط المرجعية هذا غير الشيوعي والمدني والمستقل والليبرالي والتكنوقراط.

أصبح السنة مثل حريم السلطان في كنف ولاية الفقيه، يتعاركون فيما بينهم مثل العبيدي والجبوري ومشعان والمطلك والكربولي. شخصيات بلا شخصية ولا ثقافة ولا موقف ولا تنظيم ولا طموح. مجرد داعشي أو محارب لداعش.

هذا الوضع لا حلّ له من الداخل، الحلّ يأتي من الدول العربية وخصوصا السعودية، وهو حلّ جديّ بعد داعش وليس مزاحا. الحشد الشيعي يقوم اليوم بصناعة محاربين سنة وحاقدين، فماذا يصنع النصر الطائفي والمجد المذهبي سوى الثأر؟ هناك مشروع طائفي ديموغرافي إيراني بينما السيد مشعان الجبوري (الشرقاطي) يقول إن الشرقاط لن تكون كالأنبار التي صاحت “قادمون يا بغداد” وليست كالفلوجة الدواعش، أهالي الشرقاط مع الحشد والأخ المهندس والخزعلي والعامري يحبون أهل الشرقاط.

والنتيجة أهالي الشرقاط مشردون ويموتون من الجوع والعطش والخوف والذبحات الصدرية، فقد تم جمعهم كالدواب في معسكرات عزل (غيتو نازي جديد وهولوكوست) بلا ماء ولا طعام عمدا. الحكومة العراقية التي تفاخر بها الجنرال وفيق السامرائي بعد حادثة الحج بمنى العام الماضي، على أنها أفضل من الحكومة السعودية في إدارة الزيارات المليونية والحجيج في موسم الحج الشيعي المقدس، تتذرع اليوم بأن مأساة النازحين فوق طاقتها، ولا تستطيع توفير الماء الصالح للشرب لهذه الأعداد الهائلة كما يدعون. القضية هي كما قال مائير كاهانا “العربي الجيد هو العربي الميت” فلا فرق بين الصهاينة والصفويين في السياسة العنصرية.

ماذا يقصد المثقف الشيعي الليبرالي المستقل من اجترار الماضي؟ لماذا يركّز على احتلال الكويت وحلبچة والأنفال وصدام حسين والمقابر الجماعية القديمة؟ إنّه ببساطة قريب من الإعلام العربي، ولا يستطيع الدخول في مواضيع الحاضر بسبب الخلاف الحادّ الحالي بين السعودية وإيران، فهو لا يستطيع إثارة موضوع مثل أطفال النازحين أو حرق بيوت الفلوجة أو انتهاكات الميليشيات أو المقابر الجماعية الحالية. لا يستطيع تأييد الحشد ولا يستطيع انتقاده لكنه يركز على المناطق الرخوة في الماضي البعيد، تلك النقاط المتفق عليها والتي هي لصالح الشيعة، بل هي التي جاءت بهم إلى الحكم.

هل رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري سني عربي؟ هل السيد النجيفي سني عربي؟ هل الأستاذ صالح المطلك سني عربي؟ هل السيد مشعان الجبوري سني عربي؟ هل السيد الكربولي سني عربي؟ هل الجنرال خالد العبيدي سني عربي؟ هؤلاء مسافرون في عربة شيعية. جميعهم يجرون عربة ولاية الفقيه بإخلاص

يركز على البعث والقومية والدكتاتور المقبور لأن هذا هو مدخل السنة الوحيد للعودة إلى السياسة، فَلَو كان لهم تنظيم قومي عروبي يدعمه العرب كما للشيعة الدعم الإيراني. يكون لهم شخصياتهم السياسية التي تكسب الشيعة القوميين بضمانة قيادة سنية بحيث توازن الشخصيات الشيعية. يكون لهم حرس وطني يوازن الميليشيات والبيشمركة، ولهم رسالة واضحة قوية تكسب الآخرين لتغير الوضع.

المثقف مخادع يحتفظ بكل علاقاته ولا يجازف، ويمارس لعبة الضغط على الجرح القديم حتى لا يكون هناك أيّ أمل، ويعمل على إحباط الطموح السياسي لطائفة مغلوبة بتعميق إحساسها بالذنب. يجري هذا بلغة غير طائفية في ظاهرها لكنها منتهى الطائفية والمكر والخبث في حقيقتها، بل يتبجح ويقول إن أحدا لا يعرف طائفته لأنه وطني ليبرالي. ومن أول سطرين تعرف انحيازه وهدفه.

السؤال المحيّر هو لماذا الحملة على السفير السعودي ثامر السبهان؟ الرجل تملقهم إلى أقصى الحدود، وأراد أن يدخل المشهد كما دخله سليماني والسفير الإيراني وخامنئي، بل كما دخله النجيفي وسليم الجبوري. السبهان أظهر لهم كما لو أنه “متشيع” سياسيا وهي مناورة خطيرة قام بها للدخول ومعرفة سبب خراب الدولة وفسادها. غير أنهم قاموا بحملة شعواء لمنعه من التصريح وتهديده بالطرد والقتل لماذا؟ لأنه سني عربي حقيقي بكامل ترسه وسيفه ورمحه وعقله وقلبه. خلفه تقف القوات المسلحة السعودية والخليج بكل ثقله، هذا شيء مرفوض عندهم ومثير للريبة.

هناك مثل عراقي قديم يبدو أنه نبوءة بمصير السنة العرب في العراق يقول “ضاع فلان ضيعة عمر بالحويزة” وهو مثل في وصف الغربة وضياع الحقوق. فالحويزة منطقة أهوار شيعية بين محافظة البصرة ومحافظة ميسان وبالتأكيد لا كرامة لعُمَر فيها، وهكذا ضعنا حقا في الحكومة الشيعية “الحويزة” وأصبحنا نموت عطشا وليس بيننا وبين الفرات سوى شيعة الحسين. ويا للمفاجأة الحويزة تصغير لكلمة حوزة.

أسعد البصري

نقلا عن العرب اللندنية