هيلارى ودونالد

هيلارى ودونالد

كلينتون-وترامب

انتهت معارك اختيار المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية: هيلارى كلينتون للديمقراطيين، ودونالد ترامب للجمهوريين. بالطبع فإنهما ليسا جميع مرشحى الرئاسة، فهناك أحزاب أخرى صغيرة ترشح هى الأخرى مرشحا لرئاسة الجمهورية، ولكن أحدا لن يسمع عن أى منهم. بشكل ما فإن الدول «الديمقراطية» الناضجة انتهت إلى حزبين، الجمهوريين والديمقراطيين فى أمريكا، والعمال والمحافظين فى المملكة المتحدة، والاشتراكيين والديجوليين فى فرنسا، والاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين فى ألمانيا. فى بعض الأحيان يكون هناك حزب ثالث مرجح عندما يكون التوازن دقيقا، ولكنها حالة لا تفضلها هذه الدول إلا مضطرة، فالحالة المثالية هى أن يقوم الشعب باختيار واضح بين اليمين واليسار، وفى أغلب الأحيان بين يمين الوسط ويساره، فهناك مساحة كبيرة للوسط يتأرجح داخلها الناس بين دعوة الحكومة للتدخل من أجل تصحيح موازين اختلت (اليسار)، وبين دعوة الحكومة إلى الخروج من الساحة لأن أحدا لم يعد يطيق يدها الثقيلة (اليمين). وهكذا الحال.

 لم تكن الخطوط والمسافات واضحة فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلما هى واضحة الآن أمام الشعب الأمريكى. ولم يكن الفارق فقط بين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب، وإنما بين حزبيهما، حيث جنحت الأولى نحو اليسار بتأثير من المرشح «الاشتراكى» الديمقراطى، بيرنى سوندورز، وجنح الثانى نحو اليمين بتأثير من جماعة المحافظين داخل الحزب، الذين تفوق عليهم جميعا الملياردير الشهير بشكل ساحق. كذلك كان الفارق كبيرا بين الديمقراطيين الذين يدخلون الانتخابات الرئاسية وهم أكثر وحدة وتناغما، بينما الجمهوريون متفرقون إلى درجة غياب أقطاب الحزب الرئيسيين (بوش الأب والابن والمرشح جيب، ورومنى، المرشح الجمهورى السابق) ومَن حضر منهم، مثل المرشح تيد كروز، رفض تأييد ترشيح ترامب. ولكن هذا الأخير دخل المعركة النهائية وفى يده ثلاثة أسلحة: شهرة ذائعة تعززت خلال مرحلة الانتخابات التمهيدية، واعتباره من قِبَل الكثيرين مرشح «التغيير» فى مواجهة مرشحة «المؤسسة»، التى لن تزيد عن كونها تطلب فترة ثالثة لإدارة أوباما التى لا مفر من رحيلها، والمدهش أنه مرشح الطبقة الصناعية ذات الياقات الزرقاء، والتى أنهكتها المنافسة العالمية.

 السحرى الذى يسعى إليه دونالد وهيلارى هو 270 صوتا تمثل الولايات المختلفة، فرغم أن الانتخابات الأمريكية تبدو كما لو كانت انتخابات تقوم على الانتخاب الشعبى المباشر، إلا أنها فى الحقيقة تعبر عن الحالة الفيدرالية الأمريكية بين ولايات لكل منها أصوات حسب عدد سكانها، وعلى المرشح أن يحصل على الأغلبية فى أغلبية الولايات، لكى يحصل على الرقم المذكور الذى يكفل له الفوز. وحسب الانتخابات السابقة، واستطلاعات الرأى العام، فإن حالة هيلارى كلينتون الآن تكفل لها 236 صوتا، أما دونالد ترامب فإن لديه 191 صوتا، والفارق بينهما والرقم السحرى يوجد فى عدد من الولايات التى لم يُعرف عنها الاستقرار فى التصويت للمرشح الجمهورى أو الديمقراطى، فرغم الطبيعة التنافسية الشديدة فى الانتخابات، فإنها تنحو واقعيا إلى الاستقرار، فالولايات الساحلية فى عمومها تنحو إلى الديمقراطيين، بينما ولايات الداخل، وفى الجنوب خاصة، فإنها الأكثر محافظة وتصويتا للجمهوريين. الولايات الواقعة بين هذه وتلك من حيث التركيبة السكانية الزراعية والصناعية، والانعزالية والكوزموبوليتانية، متعددة الأعراق ومتنوعة الثقافات، تشكل فارقا بين المعسكرين. حفنة قليلة من الولايات تخرج عن هذه الأنماط، مثل أوهايو وفلوريدا وميتشجان وكلورادو، وعليها فى العادة تتوقف نتيجة الانتخابات. وفى أحيان قليلة يكون عدد من الولايات قابلاً للانقلاب من معسكر إلى آخر، ولكن ذلك لا يحدث إلا فى حالة وجود زعامة طاغية مثل رونالد ريجان للجمهوريين، وباراك أوباما للديمقراطيين.

هيلارى تدخل الانتخابات وفى جعبتها خبرة عريقة وكبيرة فى الخدمة العامة بدأت من المجتمع الأهلى، ثم السلطة فى البيت الأبيض تحت عباءة زوجها، وحتى منصب وزيرة الخارجية، وقبله عضوية مجلس الشيوخ، وهى خبرة قال عنها باراك أوباما إنه وزوج السيدة، الرئيس السابق «بيل»، لا يملكان ما ينافسها. ولكن هيلارى لها مع الخبرة تاريخ، فيه النجاحات والإخفاقات، وفيه أنها جزء من مؤسسة حاكمة عريقة، سواء فى الحزب الديمقراطى أو فى الدولة. دونالد من ناحيته فى يده سلاح حاد يدور حول كلمة وحيدة هى «التغيير»، فكما أن هناك بين شعوب الأرض مَن يعشقون «الاستقرار» الذى يصل أحيانا إلى الجمود، فإن هناك شعوبا أخرى تعشق التغيير. وعندما تكون هذه الشعوب فى حالة خوف وقلق من المستقبل، ومن شعوب ودول أخرى، فإن إلحاح التغيير عليها يكون طاغياً. ترامب يلعب على هذا الوتر، وبمهارة وقدرة كبيرة، ومع كل عملية إرهابية تجرى فى أمريكا أو أوروبا فإنه يكسب أرضا جديدة وفيها أصوات إضافية.

مَن الذى سوف يكسب فى النهاية: هيلارى أم دونالد؟ الحسابات العقلانية، والأصوات المتاحة، وميول الولايات المختلطة، وحالة العالم وحالة أمريكا تقول إن فرص هيلارى أكبر وشعبيتها أرحب، ولأن التاريخ سجل مرة أن يكون الرئيس من السود، فإنه ربما يريد تسجيل أول امرأة فى الرئاسة الأمريكية. ومع ذلك فإن مَن يعرف أمريكا جيدا يدرك أن سلاح التغيير قاطع، وهو بالتأكيد يلعب لصالح دونالد.

د.عبدالمنعم سعيد

صحيفة المصري اليوم