عودة أحمدي نجاد

عودة أحمدي نجاد

epa01412500 Iranian president Mahmoud Ahmadinejad is seen at the presidential office in Tehran, Iran on 13 July 2008. Ahmadinejad said that he would welcome the United States plan to set up an interest section in Tehran as an effort to expand human relations. There have been US press reports and official indications that Washington was considering opening an interest section in Tehran which would also issue visas for Iranian nationals with relatives in the US. "We have not yet received (from the US) any official proposal but if so, we would definitely evaluate it," the president said. EPA/ABEDIN TAHERKENAREH

الأهم من رسالة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد المفتوحة، قبل يومين، إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي يطالبه فيها بإعادة أموال إيرانية مجمدة، الأهم هو الخطاب الإيراني الذي يحمل دلالات سياسية تستحق البحث فيها، نظراً إلى أن هناك مستجدات جيواستراتيجية في المنطقة تقودها تركيا لتغيير الوضع، فضلاً عن أن نجاد يعدّ من الأوراق السياسية التي يراهن عليها المرشد الأعلى لخوض الانتخابات الرئاسية خلال العام القادم.

أحمدي نجاد ذكر في رسالته أنها لا تحمل صفة سياسية بقدر ما أنها تدافع عن الإنسانية، إلا أن الأمر مؤشر يمكن من خلاله تصور مسيرة الخارطة السياسية الإيرانية خلال المرحلة المقبلة من ناحية إدارة علاقاتها الدولية مع الولايات المتحدة التي تطرح دونالد ترامب كشخصية سياسية متشددة لتولي الرئاسة فيها. إذن فالأمر الأقرب يعني أن خطاب التشدد هو خيار إيراني مطروح في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك عدم رضا إيراني سياسي وشعبي عن نتائج «الاتفاق النووي».

لا مفر من الاعتراف بأن العلاقات الدولية الإيرانية شهدت حراكاً متزايداً تجاه دول كثيرة في أوروبا، إلا أنه بمجرد استحضار القيادة السياسية الإيرانية للخطاب المحافظ في تفسير خلافات سياسية تحدث في الوقت الحاضر، هو دليل واضح على أن الانفتاح على الخارج قد أضرّ بتيار المحافظين فيها، وبالتالي فهي تبحث عن العودة إلى الانغلاق على الداخل باعتبار أن الانفتاح يهدد استمرار واستقرار النظام الثوري.

المسألة لا علاقة لها بالسباق الرئاسي في إيران، لكن بكيفية إدارة العلاقات الإيرانية مع العالم الخارجي، وكما يبدو فإن إيران لا يمكنها أن تتخلص من التشدد حتى لو كان شكلياً، لأن الإصلاحيين ليسوا أقل تشدداً من المحافظين، أو بكلام آخر الكل يُدار من المرشد المتشدد، لذا فإن التفكير في أن تكون إيران دولة طبيعية هو نوع من الخيال السياسي لا يوجد إلا في ذهن الرئيس باراك أوباما.

اختيار نجاد لتوجيه رسالة إلى الرئيس أوباما لم يكن مصادفة، فالمعروف أن علاقة أحمدي نجاد بالمرشد وثيقة، وهو يعتبر ورقة سياسية مهمة قد يستخدمها المرشد في حال تعقدت الأمور في الملفات الإقليمية والدولية، لا سيما أن نجاد معروف بقدرته ومهارته في توتير العلاقات مع الغرب وإسرائيل، فهو من السياسيين المؤدلجين بالفكر الثوري، ولا يزال يحتفظ بشعبية لدى الكثير من الشعب الإيراني، خاصة الفقراء. ومن ثَمَّ فإن حجم تأثيره الداخلي والخارجي سيكون كبيراً.

نجاد العائد إلى الواجهة السياسية الإيرانية قد يكون هو عنوان الرسالة الإيرانية القادمة للعالم، وإذا لم يكن نجاد «الشخص» فقد يكون نجاد «الخطاب». لكن مثل هذا الخيار مرتبط بما يحدث من تطورات «جيواستراتيجية» في المنطقة خصوصاً في العراق وسوريا، حيث تسيطر إيران على القرار السياسي فيهما، وكذلك بتطورات الوضع في الملف النووي، بل هو الأكثر تأثيراً في اختيار الشخصية القادمة إلى الرئاسة الإيرانية.

إن نجاد بتصريحاته المستفزة للعالم هو أفضل شخص يمكن أن يدفع إلى القلق الإسرائيلي والأميركي منه، وبالتالي تحقيق الهدف، خصوصاً أن نجاد له «خبرته السيئة» في التعامل مع الغرب والمجتمع الدولي.

هناك مستجدات في المنطقة تحرّض إيران على التحرك، لا سيما حالة التشكل الجديد في المنطقة التي قد تظهر بعض ملامحها مع زيارة الرئيس التركي طيب أردوغان إلى روسيا أول من أمس، ما يعني أن هناك ترتيبات سياسية حول الملف السوري، وربما الإيراني، خصوصاً أن تركيا بدأت بإعادة استراتيجيتها القديمة «تصفير المشاكل» مع الجيران، بمن فيهم إسرائيل، بل إن هناك تفهماً روسيّاً لرغبة أردوغان في ترتيب البيت التركي، والعودة إلى ما قبل أتاتورك، وعودة السلطان العثماني في منطقة الشرق الأوسط، بينما يرغب القيصر الروسي، حليف إيران الاستراتيجي، في العودة إلى آسيا الوسطى.

يبقى أنه على العرب هم أيضاً التفكير في ما يحصل من إعادة تشكيل للمنطقة وفق نظرية «سايكس -بيكو الثانية»، وذلك على اعتبار أن تركيا إذا كانت هي «الرجل المريض» في المرة الأولى فإنها ليست كذلك هذه المرة، أو هكذا يبدو من تحركاتها السياسية، فهي تريد أن تكون ضمن المستفيدين من الاتفاقية الجديدة، وبالتالي فإن على العالم العربي الحذَر من أن يكون هو «الرجل المريض» الجديد.

محمد خلفان الصوافي

نقلا عن الاتحاد