هل احتياطي النفط الأمريكي الأكبر عالميا؟

هل احتياطي النفط الأمريكي الأكبر عالميا؟

5244638_640

هل حقا الولايات المتحدة – وليس المملكة العربية السعودية، أو فنزويلا أو كندا – تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم؟ هذا الادعاء جاء في تقرير نشر حديثا عن مؤسسة رايستاد الاستشارية للطاقة Rystad Energy ومقرها أوسلو، حيث قدرت احتياطيات النفط الخام والمكثفات في الولايات المتحدة من الحقول والاكتشافات الحالية، ومن المحتمل اكتشافه في ضوء المعلومات الأولية المتوافرة في مناطق ذات احتمالات جيدة بنحو 264 مليار برميل، أكثر من نصفها من مصادر النفط الصخري غير التقليدية. بالتأكيد نتائج هذا التقرير تصدرت العناوين الرئيسة لبعض الوقت، ولكنها أيضا أثارت انتقادات من مهندسي النفط ومدققي حسابات الاحتياطيات النفطية، الذين أكدوا أن التقرير اعتمد على تعريفات للاحتياطيات فضفاضة ومضللة إلى حد ما.

سعى تقرير مؤسسة رايستاد للطاقة إلى تطبيق نهج موحد لتقدير الاحتياطيات في جميع الحقول وفي جميع الدول لتسهيل إجراء مقارنة عادلة على مستوى العالم، سواء بالنسبة لدول “أوبك” أو خارج “أوبك”، وذلك باستخدام معلومات موثقة من 60 ألف حقل تشمل معظم حقول العالم على مدى ثلاث سنوات. يشير التقرير إلى أن بيانات الاحتياطيات النفطية من المصادر الأخرى، مثل النشرة الإحصائية لمنظمة “أوبك”، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ونشرة شركة بريتش بتروليوم لاتجاهات الطاقة العالمية، تعتمد جميعها على تقارير رسمية من الدول المعنية. ويضيف التقرير أن هذا يؤدي إلى أرقام مبنية على “مجموعة متنوعة وغير شفافة من المعايير”.

لقد كان تقرير رايستاد للطاقة متحيزا بصورة واضحة لمصادر النفط الصخري، وكثير من الانتقادات التي وجهت لهذا التقرير تتعلق بتضخيم احتياطيات هذه المصادر غير التقليدية في الولايات المتحدة. الانتقاد الرئيس هو في تصنيف الاحتياطيات، حيث إن التقرير لم يعتمد على المعايير الدولية القياسية، مثل تلك التي وردت في نظام إدارة الموارد البترولية الصادر عن جمعية مهندسي البترول العالمية SPE. بدلا من ذلك، استحدث تصنيفات خاصة به بعيدة كل البعد عن التصنيفات التقليدية مثل الاحتياطي النفطي المثبت، الممكن والمحتمل، ليشمل تقديرات للنفط اكتشفت أخيرا وأيضا لنفط لم يتم العثور عليه بعد. حتى بعض النقاد شعروا أن هذا الأسلوب قد شكل انحيازا إلى النفط الصخري في الولايات المتحدة.

المملكة العربية السعودية، روسيا ودول أخرى تمتلك أيضا موارد النفط الصخري، لكن هذه الموارد لم تؤخذ في الاعتبار في تقرير رايستاد للطاقة. نعم هذه الدول لم تطور هذه الموارد حتى الآن، وذلك لأنها ليست بحاجة ماسة لها في الوقت الحاضر، لكن الجميع يعلم أنها موجودة. بالنسبة إلى تقديراته للموارد المحتمل اكتشافها، اعتمد التقرير على اتجاهات الاكتشافات التاريخية، معايير كفاءة التنقيب والمقارنة بالأحواض الأكثر نضجا. بالنسبة لكميات النفط الصخري المستقبلية، تضمن التقييم المقارنة بالآبار القائمة والتشكيلات الأكثر نضجا، وأخذ في الاعتبار أحدث الاتجاهات والتغيرات الجيولوجية. وكلا الأسلوبين يعتمدان بالدرجة الأولى على الرأي الشخصي لمهندسي النفط أو مدققي حسابات الاحتياطيات النفطية، الذين يعتمدون عادة على خطط تطوير الحقول في تقييماتهم.

المشكلة الأخرى في تقرير رايستاد هي عدم قدرته على تفسير كيف سيتم إنتاج أكثر من 130 مليار برميل من النفط الصخري في الولايات المتحدة اقتصاديا بأسعار منخفضة. الحجم الكبير لهذه الموارد لا جدال فيه، ولكن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تراجع إنتاج الولايات المتحدة العالي الكلفة بنحو مليون برميل في اليوم خلال الـ 12 شهرا الماضية ودفع المنتجين أيضا إلى إجراء تخفيضات كبيرة في احتياطياتهم المؤكدة، استنادا إلى معايير تقييم الاحتياطيات لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية SEC الأكثر صرامة.

في هذا الجانب، يشير عديد من مهندسي البترول ومدققي حسابات الاحتياطيات إلى أنه من غير المنصف مقارنة الاحتياطيات من دون الأخذ في الاعتبار التكاليف، خصوصا مع موارد النفط الصخري حيث نفقات حفر واستكمال الآبار يمكن أن تكون أعلى بكثير. وعليه ليس من الإنصاف مقارنة النفط الصخري باحتياطيات الحقول التقليدية في المملكة العربية السعودية مثلا، حيث التكاليف للبرميل الواحد أقل بكثير.

في هذا الخصوص، أشارت بعض التقديرات أخيرا إلى أن هناك تنقيحات سلبية بمقدار ستة مليارات برميل من النفط المكافئ في احتياطيات النفط والغاز الصخري لأكبر 25 شركة مستقلة تتداول أسهمها في الولايات المتحدة في عام 2015، هذا الرقم يمثل نحو 20 في المائة من الاحتياطيات المؤكدة لهذه الشركات. كميات كبيرة من احتياطيات النفط الصخري اتضح أنها غير اقتصادية في إطار أسعار نفط العام الماضي المعتمدة من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، حيث انخفضت هذه الاحتياطيات بأكثر من 45 في المائة عند 50 دولارا للبرميل لخام غرب تكساس الوسيط.

لقد أوضح تقرير رايستاد أن تقديرات الاحتياطيات المعتمدة تشتمل على “كميات غير تجارية”، التي على ما يبدو أنها قوضت قيمة التقرير من وجهة النظر الاقتصادية. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم معايير تقييم الاحتياطيات الأخرى تتسم أيضا بأنها لم تتطرق كثيرا إلى المرونة الاقتصادية في كميات الاحتياطيات المقيمة. في الواقع فقط معايير تقييم الاحتياطيات لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تعتمد سعرا للنفط لاختبار الاحتياطيات، وهذا بالطبع يسهم بدرجة كبيرة في تضييق نطاق الموارد النفطية التي يتم تقييمها – فقط الاحتياطيات المثبتة تجتاز اختبار هذه المعايير.

مع ذلك، دراسة مثل تقرير رايستاد تخدم بعض الأغراض في إظهار حجم الموارد النفطية المتاحة عالميا، وكيف تغير المشهد العالمي بطفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة. وتوقع التقرير أن يرتفع إنتاج النفط الخام والمكثفات في أمريكا الشمالية إلى 11 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2026، لكن إدارة معلومات الطاقة أكثر مشككة في ذلك. حيث ترى أن إنتاج النفط الصخري سيبلغ ذروته عند 5.6 مليون برميل في اليوم في عام 2020 – بارتفاع 600 آلف برميل في اليوم عن مستوى العام الحالي – في ظل سيناريو الإدارة المرجعي، وحتى أقل من ذلك في إطار سيناريو “أسعار نفط واطئة”.

د. نعمت أبو الصوف

نقلا عن الاقتصادية