بعد لقاء بوتين وأردوغان

بعد لقاء بوتين وأردوغان

349
هناك نباهةٌ ظاهرةٌ في قول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أول من أمس، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ضيفه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنهما سيناقشان الموضوع السوري، بعد هذا اللقاء مع الصحافة. … إذن، إذا كنتم منشغلين بقراراتنا في هذا الشأن، فأنتم مخطئون، لأنه ليست لقصة سورية الأولوية التي تفترضونها في العلاقات التركية الروسية، اتفقنا في صددها أو اختلفنا. صدق بوتين، فقد أفاد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في تصريحاتٍ خصّ بها وكالة أنباء الأناضول، بعد مغادرة أردوغان سانت بطرسبورغ، بأن مسؤولين استخباريين وعسكريين أتراكاً سيلتقون نظراء روساً لهم لبحث تفاصيل ميدانية وإغاثية في سورية. وبعيداً عن الكلام الذي لا طعم له عن توافق روسي تركي على وقف إطلاق النار، وعلى ضرورة الحل السياسي، جاء شديدَ الأهمية قول الوزير أوغلو إن المسؤولين الروس طلبوا من ضيوفهم “تحديد النقاط التي لا يتوجّب ضربها” (!).
الموجز الأهم بعد لقاء سانت بطرسبورغ، مسقط رأس بوتين، أن روسيا قوةٌ كبرى وصاحبةُ قرارٍ مركزي في سورية، وليس في وسع تركيا أردوغان أن تُجبرها على شيء، أو تثنيها عن خياراتها العسكرية والسياسية هناك. هذه الحقيقة مؤكّدة قبل تأزم العلاقات بين موسكو وأنقرة عقب إسقاط طيارٍ تركي مقاتلة سوخوي روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. كانت العلاقات أكثر من ممتازة، اقتصادياً، والتعاون بين البلدين متقدّم في غير مشروع، فيما الخلافاتُ بشأن سورية ظاهرةٌ ومعلنة، كما أن الخلافات بشأن إقليم ناغورني قاراباخ وجورجيا وغيرهما معلومة. كانت موسكو وأنقرة تقدّمان درساً مفيداً جداً، في السياسة والعلاقات الدولية، موجزه أنه يمكن التعايش مع أي خلافاتٍ سياسيةٍ بين أيِّ بلدين، والمضي، في أثنائها، في أحسن تعاون وأفضل مصالح، وأي خدشٍ في هذا التعايش يأخذ هذه المصالح إلى اختلال شديد الإيذاء.
ما تم في مباحثات بوتين وأردوغان، في قصرٍ في سانت بطرسبورغ قرأنا أنه شهد، في تاريخٍ مضى، خطط حروبٍ على تركيا العثمانية، ترسيمٌ جديدٌ للبديهية أعلاه. ليس فقط لأن مليار دولار من الصادرات إلى روسيا خسرتها تركيا في الشهور السبعة عقب واقعة السوخوي، بل لأن الاتفاق السابق بين البلدين، زيادة حجم التبادل التجاري من 30 مليار دولار إلى مائة مليار خلال سنتين، أمر أوْلى وأهم، وفي الوسع إنجازه. أما مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، مع تخصيص نصف الكمية للاستهلاك التركي، فأمرٌ من الحماقة التهاون في أمره، وكذا مشروع إقامة محطة نووية في تركيا لتوليد الطاقة، بمساعدةٍ روسية. هذه الحزمة من القضايا (الكبرى)، معطوفةً على الدفع بالسياحة الروسية في أنطاليا (مثلاً)، وغير ذلك من ملفات التعاون الاقتصادي، أكّدت مباحثات أردوغان وبوتين على صيانتها من أيِّ خدشٍ فيها، لا سيما وأن لإسناد الرئاسة الروسية نظيرتَها التركية، ليلة محاولة الانقلاب إياها، تأثيره الحاسم وشديد الإيجابية.
أين سورية في هذا كله؟ سؤالٌ بالغ الوجاهة، لكنه يتجاهل الحقيقة الأوضح، وهي أن الأزمة في هذا البلد وصلت إلى منزلةٍ من العفونة، ليس في وسع الرئيس أردوغان فعل المعجزات لحلها، إذ لا يستطيع التأثير على قرارات صديقه بوتين (كما وصفه). ومع كل الاحترام لمن رأى في مستجدّات معركة حلب منجزاً يحمله أردوغان إلى سانت بطرسبورغ، فإن مطلب الروس من الأتراك أن يعرّفوهم على المواقع السورية التي لا ينبغي ضربها ينزع عن هذا التحليل أي وجاهة. لكن هذا لا يعني أن الرئيس التركي مطالبٌ بتبني المنظور الروسي المقيت في الصراع، فقد كان الرجل واضحاً في قوله، قبل مباحثات سانت بطرسبورغ، إن حلاً سياسياً في سورية لا يقوم على تنحّي الأسد لا يمكن نجاحه. ولا تعني الإشارة، هنا، إلى حلب، تبخيساً من أهمية البسالة التي أبداها الثوار المحاربون هناك، وإنما القول إن حسابات الطريق إلى قصر الأباطرة في سان بطرسبورغ غير حسابات الوصول إلى طريق الكاستيلو شمال حلب.

معن البياري
صحيفة العربي الجديد