النظام والميليشيات المسلحة شريكان في تدمير الاقتصاد السوري

النظام والميليشيات المسلحة شريكان في تدمير الاقتصاد السوري

_87322_64

يعزى نجاح اقتصاد الحرب الذي تسيطر عليه الميليشيات إلى الفوضى المتصاعدة في الداخل السوري، وذلك كرد فعل من الضواحي على المركز، وإثر الهجرة الكثيفة التي انطلقت من المناطق القروية إلى المناطق الحضرية على إثر الفقر والبؤس والجفاف الذي أحاط بالقرى السورية خلال الأعوام ما بين 2007 و2010، حيث شكلت القرى والمدن الصغيرة والضواحي الشعبية قاعدة احتضان للنازحين والمزارعين المفلسين إلى درعا ودمشق وحمص، قبل أن تجندهم الميليشيات الإسلامية المتحاربة، والتي تقدم اليوم جل قيادات الحركات الإسلامية الحالية، بحيث لا يمكن فهم هذا التجاذب دون التهميش السابق واحتكار السلطة والثروة من طرف مافيا النظام، واستشراء حدة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين المراكز الحضرية والقرى والبوادي.

وفي خضم انتقال الثورة السورية إلى حرب أهلية، برز سريعا اقتصاد حربي خاص بالميليشيات المتصارعة، قوامه النهب ومصادرة المصانع والمخازن، كما اللجوء إلى التهريب والمضاربة في الليرة السورية كمصادر مهمة للدخل عبر الحدود التركية، حيث تركز الميليشيات على جلب السلع وكل ما يحتاجه الناس من تركيا، بحيث تمول الحرب نفسها، وهو ما عزز التنافس والصراع بين الفصائل، حيث كان الصراع دمويا وشديدا على حقول النفط في الشمال الشرقي، ومطاحن ومخازن الحبوب التي استغلها داعش للتحكم في قوت مليون مواطن سوري، وجني المزيد من المكاسب باحتكارها.

وازدادت عمليات جني المكاسب بفضل تحصيل الإتاوات وفرض الرسوم الجمركية على المعابر والحواجز بين حلب والحدود التركية ( أكثر من 35 حاجزا أمنيا)، حيث تنتشر المئات من الحواجز الأمنية بين المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة، إذ يفرض مثلا لواء التوحيد ولواء عاصفة الشمال وفصائل أخرى رسوما على كل شاحنة تمر بمعبر باب السلام، وصلت إلى 1000 دولار بحسب البعض من المصادر السورية الداخلية.

كما أن جبهة النصرة قامت بفرض رسوم عبور عبر كل المناطق التي كانت تمر بها أنابيب النفط، بما فيها تدفق النفط إلى المناطق الحكومية في بانياس وحمص! لكن المثير للاستغراب في اقتصاد الحرب، هو عقد صفقات بين أطراف موالية للحكومة تملك مطاحن حبوب، وأطراف معارضة استولت على مخازن حبوب، كما مقايضة الماء مقابل الكهرباء في إدلب، فضلا عن حصول تفاهمات بين جبهة النصرة والحكومة للحصول على النفط في منطقة دير الزور.

وكما هو حال بيع النفط والمحاصيل للطرف الخصم، وفرض ضرائب على تنقلها من هذه المنطقة أو تلك، تشير المختصة في دراسة التموين الدولي للمنسوجات والملابس آن لو لينجي ريو في صحيفة لوموند الفرنسية، إلى أن 6 في المئة من واردات القطن في تركيا، تأتي من الحقول التي يسيطر عليها داعش بنسبة 90 بالمئة. فقد حصل التنظيم على 150 مليون دولار من المداخيل خلال 2015، بينما يفاوض رجال أعمال أتراك الفصائل المسلحة على محاصيل القطن المزروع. وتقدّر الخبيرة أن خُمس القمصان المصنوعة في تركيا مصنوع من قطن شمال سوريا، إلى درجة أنّ 1.2 بالمئة من تلك التي تباع في فرنسا تغذي خزينة تنظيم داعش.

على مستوى النظام السوري، تراجع اقتصاده الوطني وتوقفت كل الأنشطة الاقتصادية الرسمية، إذ وصلت خسائر الاقتصاد السوري بسبب الأزمة، حتى نهاية عام 2014 إلى حوالي 202 مليار دولار أميركي ويقدرها “فرونتير إيكونوميكس” -وهو مركز استشارات أسترالي- بـ 275 مليار دولار في عام 2016، وتعادل الخسارة بالأسعار الثابتة 276 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010. هذا في الوقت الذي ساهمت فيه الحرب الأهلية في تدمير القدرات الإنتاجية وانهيار الاستثمارات، وتحويل الإنفاقات العامة إلى الموازنات العسكرية والأمنية، مما أدى إلى شلل تام في الاقتصاد السوري، حيث تدنت العملة السورية وسائر الخدمات معها، فضلا عن كون البطالة بلغت حوالي 60 بالمئة وارتفاع حاد في معدلات التضخم، فيما أضحى 40 بالمئة من الشعب السوري تحت عتبة خط الفقر.

أما على المستوى الإداري فقد تعطلت جل المصالح بشكل كبير، مما أثر في مستوى التماسك الاجتماعي، وأدى إلى المزيد من تهاوي الثقة بين المواطن والدولة في ظل تنامي الشرخ الطائفي وتعدد الولاءات المذهبية، مما دفع النظام السوري إلى الالتفاف على حالة خروج مناطق بأكملها من سيطرته بمضاعفة لتأمين مشاريع واستثمارات توفر له حضور إداري وأمني وخدماتي في المناطق التي ظلت تحت سيطرته، فيما تفاقمت معضلة تغلغل الاختراق الإيراني في النظام الاقتصادي السوري إلى درجة أن مساعداتها وقروضها وصلت إلى 6 مليارات دولار، بينما لم تكن تتجاوز في عام 2010 حوالي 613 مليون دولار.

لكن تنظيم الشبكات الجهادية ماليا وإداريا لم يكن ليتم إلا على حساب تفكك الاقتصاد السوري، إذ سرعان ما قلب موازين القوى لصالحها بازدياد عمليات النزوح والهجرة القسرية خاصة وأن الدعم المالي الأجنبي الذي كانت تتلقاه من بعض المتبرعين والجمعيات لتعزيز سيطرتها على المناطق الواقعة تحت قبضتها، كان يقتصر على تأمين المساعدات بشكل خاص للمناصرين من السكان لهذه الجماعات، والتي كانت تتخذ كذريعة للمطالبة باستمرار التبرع والمساعدات التي كانت تصل بانتظام.

ويمكن اعتبار جبهة النصرة (أو جبهة فتح الشام) ظاهرة لتنامي الفاعلين من غير الدول بما لديها من جناح عسكري ضارب وتمويل خارجي، في وقت تصاعد فيه اللجوء إلى العنف الجهادي والعنف الاقتصادي لكي يجتمع في سلة الحرب الأهلية السورية كل من معياري العنف السياسي والاقتصادي كوسيلتين مفضلتين لقلب الأوضاع والتحكم في المسرح الاجتماعي.

د.حسن مصدق

صحيفة العرب الجديد