سُنة العراق بين سندان داعش ومطرقة مليشيات الحشد الشعبي

سُنة العراق بين سندان داعش ومطرقة مليشيات الحشد الشعبي

41

 منذ معركة تكريت في آذار /مارس عام 2015 والتي تعد أولى مشاركات مليشيات الحشد الشعبي في العمليات العسكرية ضد تنظيم الداعش وحتى يومنا هذا، وهي تواصل القيام بجرائمها وتجاوزاتها وممارساتها الطائفية الممنهجة ضد أبناء المحافظات العراقية ذات الطابع السني. ولعل آخر تلك الجرائم ما كشفت عنه مصادر قبلية محلية في محافظة صلاح الدين، شمالي العراق، اليوم الجمعة، عن قيام مليشيات “الحشد الشعبي” بحملة تهجير جديدة، طاولت عشرات الأسر جنوب المحافظة، فيما أكّد مسؤولون محليون استيلاء المليشيات على مساحات واسعة من الأراضي، وتوزيعها على ذوي قتلاها. وأكّد عضو مجلس أعيان بلدة الضلوعية، جنوب صلاح الدين، محمد خلف الجبوري، في تصريح إعلامي ، أن مليشيات “بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام”، التي تعمل ضمن قوات “الحشد الشعبي”، أبلغت الليلة الماضية وصباح اليوم، نحو 90 أسرة في البلدة بضرورة مغادرة منازلها خلال 72 ساعة، مضيفاً أن “عناصر المليشيات هددوا باعتقال المخالفين، بتهم الإرهاب”. ولفت الجبوري، إلى أن “المليشيات بررت تهجيرها الأهالي، بأنهم من أقارب عناصر في تنظيم داعش، مُعرباً عن خشيته من حدوث موجات نزوح جديدة في المنطقة. وفي السياق ذاته، أكّد عضو المجلس المحلي في الضلوعية، علي فارس حمد، أن مليشيات “الحشد الشعبي” صادرت مساحات واسعة من أراضي البلدة، ووزعتها على ذوي قتلاها الذين قضوا خلال معارك مع تنظيم “داعش” في صلاح الدين. وبيّن علي فارس حمد،، أن المليشيات وزعت الأراضي ضمن مشروع أطلقت عليه اسم “تعويض شهداء الحشد الشعبي”.

أثبتت -ولاتزال- تثبت الممارسات العملية لمليشيات الحشد الشعبي بأنها انحرفت كليا عن الهدف الحقيقي لإنشائها وكأن ذلك الهدف كان مجرد هدفاً ظاهريا يُخفي في باطنه حقيقة أمره التي كشفتها ممارساته الواقعية. ويمكن التدليل على هذه الممارسات في أمران جليان. الأول: قامت تلك المليشيات بتعميق حالة الانقسام العامودي”الطائفي” المجتمعي في العراق من خلال ممارساتها المشينة ضد أبناء المكون السني في المحافظات ذات الطابع السُني. إذ تصل هذه الممارسات إلى مصاف الجرائم التي تستهدف حقوق الإنسان ومن هذه الجرائم” جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، فهذه الجرائم وقف المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنطبق على أفعال مليشيات الحشد الشعبي في سائر المحافظات السنية. أما ثاني تلك الانحرافات لملشيات الحشد الشعبي عن هدفها الحقيقي في مقارعة تنظيم”داعش” يتجسد بأنها ومنذ بروزها على المشهد العراقي برمته بشكل عام والعاصمة العراقية بغداد بشكل خاص أججت حالة عدم الاستقرار الأمي في بغداد وذلك من خلال سلوكها غير منضبط والذي يشي بعدم المسؤولية والاستهتار والاستخفاف داخل العاصمة، وكأن هذه المليشيات بأفعالها الخارجة على القانون قد أصبحت الجهة الرسمية التي تحكم العراق.

وقد انتقدت جهات هذه الانحرافات، فعلى المستوى العراقي اعترف حيدر العبادي رئيس وزراء العراق بانتهاكات الحشد خلال تواجده في مؤتمر ميونيخ الذي عقد في شهر شباط/فبراير من العام الحالي، حيث قال “أعتقد أن هناك مجموعات أفرزها الحشد الشعبي وهي مجموعات خارج إطار الدولة وسيطرتها ونحن لن نسمح بذلك، ولن نسمح بوجود أي جماعات خارج إطار الدولة ونحن نحاربها وسيتم القضاء عليها”. وعلى الجانب الأمريكي صدر عن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر اعترافات خطيرة؛ إذ قال “شاهدت جميع جرائم الحروب العسكرية التي حصلت على الأرض لكن ما وصل لنا من فيديوهات خاصة عما يحصل في معارك الفلوجة وما حصل في الصقلاوية أوقع لي صدمة كبيرة جدا! هذه الفيديوهات لعناصر استخبارات لنا من الداخل وهي تسجيلات متواصلة وخاصة.. المقاطع التي تتسرب وتشاهدونها على مواقع التواصل (وما تحتويه) من جرائم هي فيديوهات حقيقية ولو شاهدتم ما خفي لما صدقتم أبداً.. جرائم شاهدتها لم أرها في حروب الأرض ولم أتوقع أن تحصل مثل هذه الجرائم أبدا.. أطفال تمزق جماجمهم وهم أحياء، نساء يتم اغتصابهن بطريقة وحشية! فتيات صغيرات يغتصبن وبعدها يتم قتلهن.. رجال تقطع ذكورهم وبعدها يتم تمزيقهم في العربات وهم أحياء.. لن أتكلم عن الجرائم الأخرى فهي صعبة وصادمة تفوق الخيال.. الصور التي يتم التقاطها تفيد بأنه يتم استقبالهم وإعطاؤهم الماء فعلا حقيقة! لكن بعدها ينقلب كل شيء، ما تشاهدونه في مواقع التواصل الاجتماعي 0 بالمئة من الحقيقة”.

مارتن ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة خص المشهد العراقي بتصريح أدلى به أثناء زيارته إلى بغداد، قال فيه “عندما حلقت على متن مروحية فوق بغداد كان بالإمكان رؤية الكثير من الأعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية معروفة من دون رؤية العلم العراقي بينها إلا نادرا”، وأضاف “جهود الحرب ضد داعش محكوم عليها بالفشل إذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنة في أن تكون حكومة لجميع العراقيين”. الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد باتريوس قائد سلاح الدبابات الذي احتل العراق عام 2003، حذر في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست من أن الخطر الحقيقي على العراق يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران وليس من تنظيم داعش، وقال إن هذه الميليشيات متهمة بارتكاب جرائم حرب وقتل المدنيين السنة وليس الدولة الإسلامية وحسب.

أما الأمم المتحدة فقد انتقدت أداء مليشيات الحشد الشعبي، إذ عبر برونو غيدو، رئيس بعثة وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق، إن سلوك الميليشيات كان “غير مقبول على الإطلاق”. وقال غيدو لوكالة الأنباء الفرنسية إن المزاعم بإساءة المعاملة التي تمارسها الميليشيات الشيعية “ثبتت من جانب مصادر عديدة… ومن التقارير التي تلقيناها، فقد مورس التعذيب من جانب الميليشيات”. وعلى المستوى الحقوقي ذكرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في إحدى تقاريرها والتي تحظى بصدقية عالية الآتي:” فقد عانى السنة الذين تمكنوا من الهرب من الضرب وحالات الاختفاء، بل وحتى من الإعدامات الميدانية على أيدي رجال الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً خلال الأسابيع الأخيرة”.

كل الانتقادات الموجهة لمليشيات الحشد الشعبي من قبل أوساط عراقية ودولية وأممية لا تمس المكون الشيعي، فهذه الطائفة رغم الانتعاش العام المحاطة به حيث تحكم الأحزاب باسمها، فإن غالبيتها تعاني الحرمان من الخدمات. الانتقادات موجهة نحو مؤسسة ميليشياوية تشكل أدوات لخدمة أغراض حزبية وتضع المستقبل السياسي العراقي أمام مخاطر التشرذم والصراعات الإثنية والعرقية، وتسهّل طريق النفوذ الإقليمي بدلاً من أن ينتقل البلد إلى ظروف تساعد على بناء المصالحة وإشاعة السلم الأهلي. فما بعد داعش سيكون أقسى على العراقيين.

وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات لا تزال معاناة أبناء محافظات السنة المركبة”داعش والمليشيات” مستمرة، وهنا نتساءل من يستطيع أن يوقف جرائم تلك المليشيات؟ فعندما نتحدث عن محنة السنة العرب الحالية ومستقبلهم المظلم، فإننا نبحث ذلك كحالة سياسية واجتماعية، لا علاقة لها بالمسائل الدينية والمذهبية التي ليست من اهتماماتنا، وإنما من حقنا وواجب علينا أن نذكّر أهلنا بالآتي من الأخطار ونحذر من أيام مقبلة قد تكون في غاية الصعوبة، عسى أن تنفع الذكرى ويفيد التحذير. وهنا نتساءل أيضاً: متى سيتحرر سُنة العراق من سندان داعش الذي يرى في كل سُني عراقي مخالف له على أنه مُرتد أوكافر ومطرقة مليشيات الحشد الشعبي المعبأة نفسيا وعقائديا بأن السنة هم العدو رقم واحد؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية