ليبيا، وليس سورية، هي خط المواجهة الحالي في الحرب ضد “داعش”

ليبيا، وليس سورية، هي خط المواجهة الحالي في الحرب ضد “داعش”

8afa2544-7cff-4a79-8045-9dc0dd417883_16x9_600x338

يوم الأربعاء قبل الماضي، وافقت إيطاليا على “التفكير بشكل إيجابي” في أي طلب أميركي لاستخدام المجال الجوي والقواعد الجوية الإيطالية لتنفيذ مهمات قصف ضد “داعش” في ليبيا. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من الضربات الجوية الأميركية ضد متشددي “داعش” في سِرت. ومن المتوقع أن يكون هذا العمل –الذي أعلن أوباما أنه يأتي لخدمة “المصالح القومية الحيوية” للولايات المتحدة- بمثابة الخطوة الأولى في هجوم دولي مستدام ضد “داعش” خارج العراق وسورية.
وتم توجيه الضربات الجوية الأميركية بعد طلب من حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة. وفي حين أن هذا الهجوم ليس المرة الأولى التي تضرب فيها طائرات أميركية قوات “داعش” في ليبيا (حيث هاجمت معسكراً للتدريب في صبراتة في شباط (فبراير)، فإن هذه الخطوة قد تكون أكثر أهمية لأنها تؤشر على التزام غربي متزايد تجاه الإدارة الليبية الجديدة –عسكرياً، وسياسياً واقتصادياً.
في حين تحاول حكومة الوفاق الوطني استعادة النظام في البلاد، ثمة مخاوف متزايدة من أن “داعش” ربما يكون بصدد إنشاء معقل له في ليبيا. وتشير تقديرات الاستخبارات الأميركية، على سبيل المثال، إلى أن عدد مقاتلي “داعش” في البلد تضاعف ليصل إلى ما بين 4.000 و6.000 مقاتل خلال الـ12 إلى 18 شهراً الماضية، مع ظهور أدلة متزايدة على أن عدداً كبيراً من هؤلاء الإرهابيين يأتون من العراق وسورية، حيث يُعتقد بأن مقاتلي “داعش” أصبحوا الآن في أدنى مستوياتهم في سنتين على الأقل.
كان الوضع الأمني في ليبيا واحداً من أهم بنود أجندة القمة التي انعقدت في نيسان (أبريل) بين أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني في ذلك الحين، ديفيد كاميرون، وأنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي. وبعد نحو خمس سنوات ونصف من وفاة القذافي، ربما تكون هناك الآن “نافذة فرصة” لمحاولة جلب قدر أكبر من النظام إلى البلد الممزق، كما اتفق المؤتمرون.
بعد الفشل في التخطيط لما بعد نظام القذافي، وهو ما وصفه أوباما بأنه “أسوأ خطأ” في فترة رئاسته، ظلت ليبيا منذ ذلك الحين تحت سيطرة ميليشيات وحكومات وبرلمانات متناحرة. وفي هذا السياق، قال أوباما أن مجموعة كاملة من الأدوات سوف تُستخدم الآن لدحر “داعش” في ليبيا، بما فيها الدعم المالي، والمخابراتي، والعسكري واللوجستي.
في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا، أصبح القادة الغربيون عازمين أيضاً على القضاء على إمكانية إنشاء “داعش” قاعدة عمليات له في ليبيا. وعلى سبيل المثال، قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، أنه يجب القيام بـ”كل شيء ممكن” لجلب الاستقرار إلى البلد، بما في ذلك إمكانية إرسال قوات بريطانية لتدريب قواتها تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني، مؤكداً أن “داعش” في ليبيا يشكل “تهديداً مباشراً لبريطانيا، ولبقية أوروبا الغربية. ولدينا كل مصلحة في ضمان الأمن لليبيا مستقرة”.
بالإضافة إلى العمليات العسكرية، ناقش الخمسة الكبار أيضاً خطة أوسع لتحقيق استقرار البلد، بما في ذلك استعادة إنتاج النفط لدعم الاقتصاد، ووقف تدفقات الهجرة من ليبيا. وعلى جبهة النفط، كما تبين إحصائيات الأمم المتحدة، فإن البلد اعتمد منذ وقت طويل بشكل كامل تقريباً على استخراج النفط والغاز الذي شكل نحو 95 % من عوائد التصدير، و99 % من دخل الحكومة.
تحتوى ليبيا على أكبر احتياطات للنفط في أفريقيا، وهي بين العشرة الأعلى عالمياً، مع إنتاج يقارب 1.65 مليون برميل يومياً في العام 2010 قبل الإطاحة بالقذافي. ومع ذلك، يقف الإنتاج اليوم عند 360.000 برميل في اليوم، وهو ما يعكس انغماس ليبيا في الفوضى منذ ذلك الحين، بما في ذلك الهجمات التي شنها “داعش” على البنية التحتية للنفط. ولا تعتبر استعادة شباب الإنتاج النفطي في ليبيا حاسمة لاستعادة ثروات الاقتصاد فحسب، وإنما هي مهمة أيضاً لبقاء حكومة الوفاق الوطني، وتخفيف تدفقات الهجرة من البلد.
جاءت إحدى الإشارات على التقدم الذي يتم إحرازه يوم 31 تموز (يوليو)، عندما رحبت شركة النفط الحكومية الليبية، “المؤسسة الوطنية للنفط”، بإعادة الفتح “غير المشروط” لموانئ النفط المحاصرة، في موانئ مثل راس لانوف والسدر وزويتينة، التي لديها القدرة مجتمعة على تصدير أكثر من 600.000 برميل يومياً، بعد اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني وحرس مرافق النفط. والأخير هو ميليشيا كانت قد أغلقت الموانئ لمدة 18 شهراً، وأكدت أن عناصرها لم يقبضوا رواتبهم من الحكومة الليبية.
في حال صمد الاتفاق، فإن المؤسسة الوطنية للنفط تأمل في زيادة الإنتاج بنحو 150.000 برميل يومياً في غضون أسبوعين، مع طموح إلى زيادة الإنتاج إلى نحو 900.000 بحلول كانون الثاني (يناير). ومع ذلك، سيضيف مثل هذا الإنتاج المحسن فقط إلى المعروض العالمي الحالي المفرط من النفط، والذي شهد هبوط الأسعار بأكثر من النصف منذ أواسط العام 2014.
وعلى صعيد المهاجرين، تركز الكثير من الانتباه مؤخراً على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام بين الاتحاد الأوروبي وتركيا واليونان، والذي تتم بموجبه إعادة اللاجئين الجدد الذين يعبرون إلى اليونان إلى تركيا، وحيث تدفع بروكسل التكلفة. وفي المقابل، يقبل الاتحاد الأوروبي اللاجئين السوريين الذين تم التدقيق عليهم مباشرة من تركيا –مهاجراً واحداً مقابل كل طالب لجوء سوري تستعيده أنقره من اليونان. ومع ذلك، تشكل الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا قضية ملحة أيضاً، مدفوعة بعدم الاستقرار الذي يميز فترة ما بعد سقوط نظام القذافي. وأحد الأسباب الرئيسية لإلحاح هذه المسألة لا يتعلق بعدد المهاجرين، وإنما بحقيقة أن معدل الوفيات بين المهاجرين على هذا الطريق البحري، وفق بيانات منظمة الهجرة الدولية، كان حول 1 من كل 20 تقريباً، مقارنة  بنحو 1 من كل 1000 على الطريق بين اليونان وتركيا.
تظهر الضربات الجوية التي نفذتها القوات الأميركية يوم الاثنين قبل الماضي أن الجهود المبذولة لإنقاذ حكومة الوفاق الوطني في ليبيا قد تكثفت، مع الهدف النهائي المتمثل في معالجة خطر “داعش”. وبالنسبة للغرب، لا تتمثل الأولوية الاستراتيجية في تأمين أمن ليبيا الداخلي، وإنما في منع الشبكة الإرهابية من استخدام ليبيا كقاعدة عمليات لمهاجمة أوروبا، بينما يتم أيضاً تخفيف تدفقات الهجرة من ذلك البلد إلى القارة.

أندرو هاموند

 صحيفة الغد