داعش لم يهدم المدن فقط بل هدم الأمل العراقي

داعش لم يهدم المدن فقط بل هدم الأمل العراقي

48C58E33-39AE-4DE0-B596-543838D4244B_mw1024_s_n

يتحدث الكاتب عبدالرحمن الراشد عن الإيزيدية نادية مراد. الفتاة العراقية التي أبكت مجلس الأمن، وزارت مصر، وتحدثت إلى العالم بأسره وذكرت بأن داعش ذبح 700 رجل من قريتها في ساعة واحدة، وكيف أن هذه الفتاة الصغيرة اغتُصبت وبيعت مرارا، كل ذلك باسم الإسلام والجهاد.

وقبل ذلك سمعنا كثيرا عن حالات اغتصاب في سجون سرية للحكومة العراقية لنساء مسلمات. الفارق هو أن الحكومة لم تعترف بحدوث انتهاكات، أو على الأقل لا يوجد مسؤول سياسي أو رجل دين شيعي يبرّر الانتهاكات علنا بينما داعش يفتخر بعودة الرق، ويبيح بيع البشر وشراءهم والتمتع بالفتيات السبايا.

هل تعلمون أنه طيلة فترة الاحتلال الصهيوني لفلسطين لم تُسجّل حالة اغتصاب واحدة ضد الفلسطينيات؟ لم يرتكب جندي إسرائيلي أو متطرف يهودي انتهاكات من هذا النوع.

قبل يومين التقيت بفتاتين سوريتين كانتا تعملان في الأمم المتحدة بسوريا. واحدة مسلمة متخصصة بحالات النساء المغتصبات، والثانية مسيحية متخصصة بحالات الأطفال المغتصبين، كوارث كبيرة وقصص في المناطق المنكوبة والمخيمات. السيدتان سحاقيتان وتتساءلان هل العار والإثم أن تتزوج مثليتان بالغتان أم العار هو اغتصاب الأطفال والنساء بالقوة؟

الشيء الأساسي الذي يحزّ في النفوس هو أن سنة العراق أصحاب حق ومظالم. مقاتل السنيين طيلة عشر سنوات من الاحتلال منحتهم نوعا من التعاطف والمقبولية لدى المثقفين الشّيعة أنفسهم، خصوصا في فترة الاعتصامات والمطالب المشروعة التي أقرّتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية. عشر سنوات تحت حكم ولاية الفقيه البغيض ذاقوا خلالها الويلات والتهجير والتصفيات.

شباب الموصل يرفع راية الموت

كل ذلك تبخر في لحظة سقوط الموصل بيد داعش في العام 2014، وتحول الموضوع من مظالم وحقوق إلى جرائم السنة، وهذه العمليات ضد داعش مصحوبة للأسف بهدم المدن كحواضن للإرهاب وتشريد الناس كمشبوهين. وبدلا من أن يكون الحديث حول التخلص من الحكم الطائفي، تحول الحوار إلى سُبل التعاون مع إيران للقضاء على الإرهاب السني.

خسارات كبيرة تعرضت لها المسألة الوطنية في العراق، وصارت مهنة الناشط السني هي محاربة داعش وفضح الإسلام المتطرف السني، بدلا من أن تكون مهمته الأساسية المطالبة بحقوق طائفته في نظام فاسد وعنصري عميل لإيران. هذا الانقلاب القهري هو أحد أكبر الخسارات المعنوية والثقافية في العراق الحالي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.

لا توجد طائفة في العالم تتجرأ على ما قام به سنة العراق. احتلال مدن، وإعلان خليفة لداعش، وتبنّي كل عمليات التفجير والذبح في العالم الحر القوي، بل يحرّضون عليها ويتفاخرون بإصدارات ذبح لأجانب وغربيين.

لو أن الخلافة أعلنها رجل غير عراقي لما كان لها تأثير. المشكلة في وجود سني عراقي مثل البغدادي. إن ثقل سنة العراق في العالم تاريخيا ليس بالقليل، وهذا جعل المعاناة أعقد وساهم في النهاية بإبادة المدن العراقية بتحالف دولي، كما ساهم في ضياع التفوق المعنوي والأخلاقي لمدن محبوبة عربيا كالموصل والأنبار وبغداد. لقد ضاعت عذابات ومظالم ودموع ودماء لعشر سنوات من الاحتلال.

صديقي الأميركي صار يقول أنت متعاطف مع سنة العراق، بينما العالم يراهم اليوم مثل الأميركيين الجنوبيين بعد الحرب الأهلية الأميركية. ويقول ألم يدع أبراهام لنكولن إلى تأسيس جيش من المتطوّعين بعد هجوم قوات الولايات الفيدرالية على القواعد العسكرية وهزيمتها؟ ألم تقدم الولايات المتحدة 600 ألف قتيل من الجنود وعددا مجهولا من المدنيين في سبيل توحيد البلاد وإعلان العالم الجديد؟

ثم إن الجنوبيين استمروا بعناد ولسنوات بعد خسارتهم الحرب بقتل العبيد ورفض تحريرهم ورفض مشاركتهم في الانتخابات، وإلى وقت قريب كانت بعض المدن العنصرية ترفض اختلاط السود مع البيض في المطاعم والمتاجر رغم توقيعهم على شروط الهزيمة والقبول بنهاية الرّقّ.

بسبب داعش صار العالم ينظر إلى سنة العراق كجماعة مشابهة للأميركيين الجنوبيين الذين اعتادوا على استعباد الناس، ورغم هزيمتهم عسكريا ما زالوا يرفضون المساواة، وبهم يحقق المرشح الجمهوري دونالد ترامب تقدما في الانتخابات الرئاسية اليوم.

المقارنة والإسقاط على التاريخ الأميركي خطأ. إلا أن داعش في النهاية رسّخ هذه الفكرة لدى العالم. داعش في كل مكان هذا صحيح لكن خليفته سني عراقي، وهذه مشكلة كبيرة جدا حطمت كل طموحاتنا بالعدالة والمساواة في العراق.

أسعد البصري

العرب اللندنية