الانتصار في الحرب الإعلامية ضد داعش لا يحققه الطائفيون

الانتصار في الحرب الإعلامية ضد داعش لا يحققه الطائفيون

_14712680488

الحرب الإعلامية والتعبوية، عارضا سياسته في هذا الشأن خلال خطاب له في المؤتمر الدولي للعمليات النفسية والإعلامية ضد داعش، المنعقد ببغداد بتاريخ 10 أغسطس، متجاوزا الحقيقة الأساسية وهي أن الحرب ضد داعش عالمية، والحرب الإعلامية جزء منها وتقودها الولايات المتحدة الأميركية، والعراق وسوريا البلدان المهمان فيها نظرا إلى احتلال داعش لأجزاء كبيرة من أراضيهما.

فهل يجوز للعبادي أن يجعل من نفسه المنظّر والقائد لتلك الحرب؟ وهو الذي يعترف بأن المستشارين الإيرانيين والأميركان يقودون العمليات العسكرية الآن وفي معركة الموصل المقبلة، أو ليس في ظل حكم حزبه بولاية مسؤوله نوري المالكي، اجتاح داعش ثلث الأراضي العراقية والموصل من ضمنها في يونيو 2014، ثم ما هي مقومات الحرب الإعلامية والنفسية التي يقودها العبادي؟ وماذا حققت من انتصارات “إعلامية” ضد داعش؟

الحرب الإعلامية بين العالم والقاعدة، ثم بعدها داعش، لم تبدأ عند احتلال الأخير للأراضي العراقية والسورية، وإنما قبلها بسنوات، ذلك أن هذا النوع من الحروب لا يبتدئ بالعساكر، وإنما في النفوس والعقول ووسط مجتمعات كبيرة خصوصا تلك التي تواجه الاضطهاد والعنف والتنكيل، وخطر التنظيمات المتطرفة والإرهابية لا حدود جغرافية له.

داعش مؤسسة إرهابية متطرفة لديها أيديولوجيا تستظل بالدين الإسلامي زورا وبهتانا، ولدت ونمت وترعرعت في أحضان قوى دولية وإقليمية كبرى، ولديها إمكانات خوض حروب قذرة في مختلف بقاع العالم بأوروبا وأميركا وباكستان واليمن وليبيا، إضافة إلى كل من العراق وسوريا.

ومن الطريف أن يتهم المرشح الجمهوري الأميركي دونالد ترامب، باراك أوباما ومرشحة حزبه هيلاري كلينتون، بأنهما وراء تأسيس داعش في العراق والشام، وهذه المنظمة لديها مرجعية فكرية وسياسية واحدة، وتدير معاركها بجميع وسائل الإرهاب والفتك والدمار، وتستخدم أدوات الترهيب والتخويف لتحقيق أهدافها.

ومن المفاجئ للمختصين في شؤون التواصل والإعلام امتلاك هذا التنظيم وسائل وأدوات إعلامية حديثة ومتطورة، بل هناك الكثير ممن يدرسون الأفلام المفبركة التي أصدرها تنظيم داعش خلال السنتين الأخيرتين لما يدعيه من عمليات وانتصارات كعملية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة عام 2015، وعمليات التعذيب الوحشية بإغراق الضحايا بطريقة مرعبة على طريقة أفلام هوليوود، والإعدامات الوحشية ضد جنود “سبايكر” في صلاح الدين، والقتل والتمثيل وبيع النساء الإيزيديات في شمال الموصل العراقية.

كما يمتلك داعش قدرات هائلة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الأداة الإعلامية الأهم في التأثير على الشباب العربي والعالمي اليوم، وحرب داعش الإلكترونية تتم بأساليب الاحتيال والابتعاد عن عيون الرقباء. ولا ندري إن كان العبادي، رئيس وزراء العراق، يعلم وهو المهندس الذي كان وزيرا للاتصالات في العراق عام 2004، بأن الأرقام العالمية تظهر بأن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم اليوم أكثر من 3 مليارات نسمة، منهم أكثر من 120 مليون مستخدم عربي.

كما تشير آخر الإحصائيات إلى أنّ عدد مستخدمي شبكة فيسبوك الاجتماعية يقدر اليوم بحوالي 1.23 مليار مستخدم، فيما يتجاوز عدد مستخدمي تويتر الـ500 مليون، وتخطى عدد مستخدمي تطبيق التراسل الفوري “واتس آب” مليار مستخدم. ويشار هنا إلى أن فيسبوك أعلنت العام الماضي عن وجود حوالي 83 مليون مشترك مزيف ضمن قاعدة حساباتها، فيما أعلنت تويتر عن وجود 20 مليون حساب مزيف، وأن هذين الموقعين قد حددا بعدم نشر المحتوى المسيء أو الذي يحرض على الكراهية.

تنظيم داعش يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه وتجنيد مقاتلين جدد، ولعل المئات قد خرجوا من بلدان كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا إلى سوريا بسبب تلك الوسائل الإرهابية. ويحاول داعش إظهار نفسه بأنه قوي وشرس، قادر على الإيذاء والانتقام من أعدائه وتسهيل عمليات التجنيد للشباب العربي المحبط، خصوصا في العراق وسوريا.

داعش يسعى إلى بث الذعر في نفوس الناس، ولقد أنتج برنامجا تلفزيونيا بثه عبر يوتيوب كان رسالة إلى الجنود العراقيين في الموصل قبل اجتياحها في يونيو 2014، يحذرهم من المقاومة ويدعوهم إلى الاستسلام، ويقول الخبراء في وسائل الإنترنت إن هذا البرنامج حقق أهدافه في هروب الجنود من الموصل. ذكر مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية في بغداد مارتن تشارلوف “أن الخوف من اجتياح داعش لمدينة بغداد كان سببه حملات مواقع التواصل الاجتماعي وليست الحقيقة”.

فماذا قدم رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة من خطط وبرامج في مجال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للتغلب أو مواجهة داعش في ميدان الحرب الإلكترونية؟ وهل استطاعت حكومته ومؤسساته تعبئة الشباب العراقي كله في هذا الميدان، أسوة ببلدان العالم التي تحسست هذا الخطر ووضعت البرامج الحديثة لمكافحته.

توصلت بلدان أوروبا وأميركا إلى أن وسائل التصدي لداعش ليست عبر الصاروخ والدبابة على أهميتهما في الميادين التي يحتلها، لكن الحروب الإلكترونية والإعلامية والنفسية هي الوسائل الأقوى لدحر هذا التنظيم، يضاف إلى ذلك أن المجتمعات الأوروبية متماسكة ولا توجد فوارق وصراعات طائفية عند شعوبها مثلما يحصل في العراق.

لقد نشطت هذه الدول في مراكز انتشار داعش بالمنطقة العربية لوضع السبل الكفيلة لمطاردته والتغلب عليه إعلاميا؛ ففي بريطانيا صدرت “استراتيجية مكافحة التطرف” ومنها العمل عبر وسائط الإنترنت: فيسبوك ويوتيوب وتويتر وغيرها، والبدء بمعركة قوية لإسقاط الإرهابيين وفي مقدمتهم داعش من مخيلة الشباب المسلم في بريطانيا، وكذلك فعلت البعض من الدول العربية الخليجية.

لقد فشلت حكومة العبادي في إدارة الحرب الإعلامية والتعبوية، لأسباب واقعية كثيرة ترتبط بسلطة الحكم وأحزابه، والغموض الفكري المتعدد في النظرة إلى الإرهاب والتطرف، وكذلك بتخلف الوسائل الإعلامية المستخدمة وأساليبها وتوجهاتها، ومن بين هذه الأسباب:

أولا – عدم وجود مرجعية واحدة في العراق تحارب داعش وتضع الاستراتيجيات العسكرية والتعبوية والإعلامية لها، بل هناك تعدد في مصادر المرجعيات السياسية والعسكرية، سواء في إصدار بيانات المعارك أو الواقع الميداني، حيث يتحول المحافظ الجالس في بغداد إلى ناطق عسكري لمعارك الفلوجة أو أطراف الموصل.

كما أن قيادة الحشد الشعبي الإعلامية تتحدث عن سير المعارك ولديها خطابها الإعلامي الخاص بها الذي يخدم توجهاتها دون الاكتراث بالمصادر الرسمية الحكومية، بل هناك خلافات خفية بين العبادي وغريمه ومسؤوله الحزبي نوري المالكي حول استراتيجية المعركة ضد داعش ونتائجها المستقبلية، وهناك الأحزاب الدينية الحليفة في الحكم، السنية والشيعية، التي لديها رؤى خاصة حول مشاركة الحشد في معركة الموصل من عدمه.

ثانيا – ما هي الأسس التي يستند العبادي إليها في حربه الإعلامية؟ هناك أكثر من خمسين فضائية تلفزيونية رئيسية في بغداد، إضافة إلى المئات من الإذاعات، ولكل حزب حاكم من “الشيعة” فضائية أو اثنتان، لو تم فحص برامج هذه القنوات سنعجز عن تبين الاستراتيجية الإعلامية لعزل فكر داعش والتطرف عن حواضنه المفترضة أو المتحققة، فهل التغلب على داعش يقتضي، مثلما هو حاصل، عدم التمييز بين الحاضنة العربية والسنية في المحافظات الست وبين داعش؟

الحرب الجارية وفق هذه البرامج هي أكبر من داعش فهي “حرب جيش الحسين ضد جيش يزيد” وليست حرب جميع العراقيين ضد جميع أشكال التطرف الديني والمذهبي، لا داعش وحده. وهل قامت قيادات تلك الأحزاب والحكومة بتخصيص قناة فضائية واحدة تهتم بالحرب الإعلامية ضد داعش، وتعمل على تعبئة وتوجيه الشباب العراقي بجميع أطيافه بنبذ فكر داعش، وليس اتهام أبناء العرب السنة في المحافظات بارتمائهم في أحضان داعش.
أليس من المهم عزل داعش عن حواضنها بواسطة كسب الناس والمهمشين، وفتح كل الأبواب للتعايش والسلم الأهلي والمصالحة السياسية، وليس إلقاء التهم بـ”الداعشية” على كل من يخالف الحكومة في الرأي؟ أليس تنظيم داعش هو المستفيد من ذلك لأنه يعمل على كسب أنصاره من بين المقموعين والمظلومين؟ هل أن قيام الحكومة أخيرا بغلق جميع المواقع الإخبارية الإلكترونية غير المادحة للحكم يدخل في إطار الاستراتيجية الإعلامية لمحاربة داعش؟ وهل هذا الإجراء سيخدم تلك الاستراتيجية؟

ثالثا – هناك فارق كبير بين من يريد الانتصار في الحرب الإلكترونية ضد داعش، قابعا داخل حزب أيديولوجيته تقوم على الصراع الطائفي، ويصور في أدبياته بأن داعش “أمة” وليست مجموعة متطرفة معزولة، وهو مقيّد أيضا بأحكام وتوجهات عمائم سوداء وبيضاء، وبين من يديرها في مجال فسيح من المساواة والعدالة وحقوق الإنسان.

الانتصار على داعش في العراق إعلاميا يتم حين تُزال جميع التحفظات والشكوك، ويعاد الاعتبار إلى أهل العرب السنة، ويتحول الخطاب الإعلامي التعبوي إلى خطاب وطني وليس طائفيا، وهذا للأسف لن يتحقق في ظل النظام السياسي القائم.

د. ماجد السامرائي

نقلا عن العرب