ما غفل عنه وزير الدفاع العراقي في معركته

ما غفل عنه وزير الدفاع العراقي في معركته

العبيدي-خلال-مقابلة-تلفزيونية-مع-قناة-العراقية-660x330

عندما ذهب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي إلى جلسة استجوابه في مبنى البرلمان مطلع الشهر الحالي لم يكن في حساباته بشكل مطلق أن يكون سببا مباشرا في توحّد الفاسدين داخل جبهة واحدة عابرة للطائفية تضم جميع الأحزاب والكتل النيابية داخل البرلمان العراقي بشكل غير مسبوق في تاريخ جميع الدورات البرلمانية التي تم انتخابها بعد العام 2003، على الرغم مما كان يبدو ظاهراً عليهم طيلة الأعوام الماضية من خلافات عميقة تصل بهم في معظم الأحيان إلى تعطيل إقرار الموازنات الحكومية والكثير من القوانين التي لها صلة وثيقة بحياة ومستقبل العراقيين، إضافة إلى حلبات المصارعة والملاكمة التي كانت تشهدها قاعة البرلمان بين فترة وأخرى في ما بينهم.

وبعد أن أصدر القضاء العراقي يوم الاثنين 15 أغسطس قراره القاضي بعدم اقتناعه بما جاء على لسان وزير الدفاع من اتهامات كان قد وجهها في جلسة استجوابه ضد رئيس البرلمان سليم الجبوري وعدد من أعضائه، لم يعد لدي شك في أن العبيدي هذه الأيام يلوم نفسه كثيرا بناء على ما كان قد أقدم عليه من عمل اتسم بجرأة تحسب له ولم يسبقه إليها أحد في تسمية الأشياء بأسمائها الصريحة جاءت على غير السياق الذي تعودنا عليه من قبل جميع الأطراف والكتل والشخصيات السياسية التي لم يتجرأ أيّ منها على الإفصاح ولو باسم واحد من الذين تثار حولهم شبهات فساد، بالشكل الذي أدى إلى غرق العراق في مستنقع آسن أصبح بموجبه متربعا على قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم حسب تقارير المنظمات الدولية، إلا أن جرأة وشجاعة العبيدي في نهاية الأمر صبتا من حيث لا يعلم لصالح تلاحم الفاسدين بجبهة واحدة، بدل تهديم أسس القلعة التي كانوا يتحصنون خلفها منذ ثلاثة عشر عاما.

ربما يتحمل العبيدي الجزء الأكبر من هذه النتيجة التي لم تكن مفاجئة لأغلب المراقبين الذين يتابعون المشهد العراقي لأنهم يدركون جيدا طبيعة المعركة الشرسة التي وضع نفسه فيها، وهي معركة ليست متكافئة بكل المقاييس، وهذا يعود إلى افتقار العبيدي إلى الخبرة السياسية وإلى عدم توفر الطموح لديه للعمل في الميدان السياسي كما صرح بذلك أثناء حديثه في جلسة الاستجواب، إضافة إلى أنه لم يتهيأ بما يكفي لهذه الجولة ولم يستعن بطاقم متمرس من المستشارين القانونيين والسياسيين أو بوثائق دامغة لا تقبل الشك والدحض حتى يكون قادرا على مواجهة أناس باتوا يمتلكون من الخبرة المتراكمة في نصب الفخاخ والتسقيط لبعضهم البعض، فكيف بمن يقتحم خلوتهم ويريد الإطاحة بهم.

هؤلاء باتت لديهم ذخيرة كبيرة من أساليب التزييف والخداع، حتى وصل الحال بالعراقيين إلى الدرجة التي لم يعودوا فيها يثقون بكافة العاملين ضمن السلطات الثلاث التي تدير الدولة والحكم سواء القضائية أو التشريعية أو التنفيذية.

إن جلسات البرلمان المنقولة تلفزيونيا بشكل مباشر والحوارات التي عادة ما كان يشارك فيها الساسة على شاشة الفضائيات طيلة الأعوام الماضية كانت تكشف لنا عمق وحِدَّةَ الخلافات القائمة بين الكتل البرلمانية، ولم تكن الخلافات في حقيقتها ذات صلة بمسألة القناعة بالقوانين والموضوعات المتداولة في محاور النقاشات الدائرة، بقدر ما كانت ذات صلة وثيقة بالطائفية المذهبية التي يتخندق خلفها الجميع، حتى أمست القاسم المشترك الذي يوزعهم إلى فرق وجماعات متخاصمة لم تكن حتى تتردد في إلقاء تُهم التخوين في ما بينها.

الطائفية كانت في معظم الحالات السبب الجوهري الذي عادة ما ينطلق منه جميع الفرقاء للوقوف في مواجهة بعضهم البعض ضد أي مسألة يتم تداولها تحت قبة البرلمان وخارجه، حتى لو توفرت فيها قواسم وطنية مشتركة لا سبيل لإنكارها، إلاّ أنهم ما كانوا يترددون في القفز على هذه المشتركات والدوس عليها ليختاروا بدل الوقوف في جبهات طائفية متصارعة.

نعم تحلى خالد العبيدي بشجاعة تليق بجنرال عسكري افتقدها أغلب الساسة، وكشف من خلالها بشكل صريح ما لم يكن مسموحا بكشفه من أسماء لشخصيات فاعلة في المشهد السياسي العراقي مارست عمليات ابتزاز وسمسرة تتعلق بصفقات كبيرة لعدد من الوزارات العراقية تصل عمولة البعض منها إلى مليارات الدولارات كانت تجري خارج أروقة البرلمان العراقي، لكنه ونتيجة الأخطاء التي سبق أن أشرنا إليها بدل أن يسحب البساط من تحت أقدامهم دقّ ناقوس الخطر فأيقظ جيش الفاسدين من غفوتهم، ومنحهم فرصة أن يتغاضوا عن خلافاتهم ويتجمعوا بكتلة متراصة حاملين كل ما ادخروه من أسلحة لمواجهة من يتقدم ولو بخطوة واحدة لهدم جدران قلعتهم.

مروان ياسين الدليمي

العرب اللندنية