كيف نقلت إسرائيل الحرب للمنظمات الإغاثية الدولية في قطاع غزة المحاصر؟

كيف نقلت إسرائيل الحرب للمنظمات الإغاثية الدولية في قطاع غزة المحاصر؟

13187f4dc3363947237334913bb6ba05

لم تكتف إسرائيل بسياستها المحاصرة لقطاع غزة، منذ يونيو (حزيران)2007، والقائمة على منع وتقنين دخول وخروج الأموال من القطاع عبر البنوك والطرق الرسمية؛ فقد بدأت تعمل بهدف الخلاص من المؤسسات الدولية الإغاثية، التي سمحت لها بالعمل في القطاع، تحت رقابة وقيود شديدة.

في الفترة الأخيرة، أخذت تل أبيب تعتقل العاملين في المؤسسات الدولية، وتكيل الاتهامات لهم بأنهم حولوا الأموال لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وفيما تبدو حجج الاحتلال غير منطقية على المطلق بشهادة القائمين على هذه المؤسسات، إلا أن طرق إسرائيل على وتر«دعم الإرهاب» يهدد المصالح الخاصة لهذه المؤسسات، في ظل وجود «فوبيا الإرهاب» عند الغرب، وهو ما يهدد هذه الكيانات بالفعل، كيانات تغيث مئات الآلاف من الفقراء في القطاع المحاصر والمنهك، من العدوان الإسرائيلي، وبالفعل توقفت أستراليا عن دعم مؤسسة «World Vision»، قبل أن تنتظر نتائج تحقيقات اتهام أحد موظفي المؤسسة بتحويل أموال لحماس، كما أن المؤسسة نفسها أوقفت عملها في قطاع غزة والضفة الغربية.

إسرائيل تبدأ محاصرة العاملين في المؤسسات الدولية بغزة

تناقلت وسائل الإعلام، في الخامس من أغسطس (آب) الحالي، خبر اتهام مدير عمليات «ورلد فيجن» «World Vision» الدولية في غزة، «محمد الحلبي»، بتحويل ملايين الدولارات إلى حركة حماس، وزعمت المصادر الإسرائيلية أن الحلبي، الذي اعتقل قبل شهرين أثناء عبوره إلى القطاع، عبر معبر بيت حانون «إيرز»، اعترف بتحويله مبلغ 7.2 مليون دولار سنويًا إلى حماس، على مدار خمس سنوات.

المبلغ الذي أعلنت عنه إسرائيل، كما قالت منظمة «وورلد فيجن» (World Vision) في بيانها الرسمي، أكثر من موازنتها الخاصة بالقطاع خلال السنوات العشر الماضية، تقول المتحدثة باسم المنظمة في ألمانيا «سيلفيا هولتن» «ميزانية المنظمة الخيرية في غزة طوال العقد المنصرم بلغت 22.5 مليون دولار»، وتابعت «ثمة فجوة كبيرة بين الأرقام التي تشير إليها الحكومة الإسرائيلية، وبين الأرقام التي نعرفها»، مؤكدة أن «ورلد فيجن» تنفذ عملية تدقيق داخلية وخارجية صارمة، لكن مباشرة بعد هذا الاتهام، اتخذت استراليا و ألمانيا قرارات بتعليق تمويل المنظمة الإغاثية المسيحية في القطاع.

بعد شهر ونصف الشهر من اعتقال الحلبي، اعتقلت إسرائيل الموظف في الأمم المتحدة «وحيد البرش»، وزميله «سعيد أبو غزة»، واتهمت تل أبيب «البرش»، المتعاقد مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني»، بـ«بالامتثال لأوامر حركة حماس، ونقل 300 طن من الركام من موقع تابع لمشروع إزالة الركام، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى موقع الميناء الذي تديره الحركة في شمال القطاع.«ورد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي«UNDP» على إسرائيل في بيان رسمي قال فيه «البرنامج الإنمائي يملك إجراءات مشددة للتأكيد على أن الركام الذي يتم إزالته وطحنه يستخدم في الأغراض المخطط لها، وأن الذي تمت إزالته، وإعادة تدويره، تم نقله إلى أماكن، ومواقع محددة، بطلب وموافقة من وزارة الأشغال العامة والإسكان».

لم يكن هذا المرور الأول لممثلي المنظمات الدولية والعاملين فيها، الذين استمرت إسرائيل في اعتقالهم والتحقيق معهم، في الفترة الأخيرة عبر معبر «بيت حانون»، ولم تكتف إسرائيل باعتقالهم، بل إن الفترة الأخيرة شهدت تضييقًا على العاملين في المؤسسات الدولية، فبالإضافة إلى أنها خفضت من معدلات الموافقة على طلبات التصاريح، للموظفين المحليين العاملين مع المنظمات الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية خلال العام 2016، للخروج من قطاع غزة ودخوله، لم تتوان أيضًا عن سحب تصاريح العديد من موظفي المؤسسات الدولية، والبعثات الدبلوماسية العاملة في القطاع، ورفضت تجديد تصاريحهم لأسباب أمنية.

وسرعان ما رافق هذه التحركات الإسرائيلية حملة إعلامية ودبلوماسية عنيفة، بلقاء سفراء، وشن هجوم في الإعلام الغربي، مفاده أن حماس تستغل المعونات التي تأتي للفقراء والمحتاجين لصالح زيادة حفرالأنفاق، وتشجيع«الإرهاب»؛ إذ دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، «داني دانون»، إلى تشديد المراقبة على المنظمات الإنسانية.

حجج إسرائيلية واهية.. والمؤسسات الدولية شديدة الرقابة على أموالها

لم تكن إسرائيل لتسمح للمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني ذات التمويل الدولي، بالعمل في قطاع غزة خلال سنوات الحصار، إلا بعد تأكدها من طبيعة العمل المقدم من قبل هذه المؤسسات؛ إذ تتجنب المؤسسات الدولية قضايا دعم «الإرهاب» أو دعم حركة حماس بكل الطرق، وتعتمد نظامًا ماليًا شديد الرقابة، سواء الخاص بالتحويلات البنكية أو الصرف، ويمكن التخوف من كون العالم الغربي يعاني من «فوبيا الإرهاب»، الأمر الذي يدفع بسهولة لقطع التمويل عن أية جهة.

وبالرغم من إدراك إسرائيل التام بالسياسة الصارمة التي تنتجها هذه المنظمات في التمويل، مارست أيضًا رقابة شديدة على عمل تلك المؤسسات وعلى أموالها، وتدخلت في تفاصيل المشاريع التي تنفذها في القطاع.

ويقول الأكاديمي والمستشار الاقتصادي لعدد من المؤسسات الدولية، «د.أحمد أبو شعبان» «ما أعلمه من خلال خبرتي حول المؤسسات الدولية، وخاصة التي يوجد فيها تمويل أمريكي، أن تلك المنظمات تتبع أنظمة رقابة قوية جدًا؛ فهي لا تسمح بإساءة استخدام الأموال الموجهة لعمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، في أية أنشطة أخرى».

ويتابع القول خلال حديثه لـ «ساسة بوست»: «في المؤسسات الدولية هناك قوانين تحكم الممولين للدول المانحة».ويعتقد أبو شعبان أن اتهام إسرائيل للمؤسسات الدولية يأتي في إطار سياسي، أكثر من أي شيء آخر، لذلك يعتبر هذه الاتهامات أداة من الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لتشديد الحصار على غزة، والضغط أكثر على أهالي القطاع، من خلال تقليص كمية المساعدات، وهذا سيؤثر بشكل كبير على الفقراء الموجودين فيه، حسبما قال.

إسرائيل تهدد المنظومة الإنسانية في غزة

لا يرى مدير شبكة المنظمات الأهلية في القطاع، «أمجد الشوا»، في الموقف الإسرائيلي من التضييق على المنظمات الدولية العاملة في غزة، إلا تعميقً اللأزمة الإنسانية وزيادة لتدهور الأوضاع المعيشية للسكان، ويقول «تعميق الأزمة المعيشية في غزة كارثة على مختلف المستويات، وهذا الواقع يتطلب التحرك من جميع الأطراف؛ للتخفيف من مثل تلك القرارات الإسرائيلية، التي تهدد حياة المواطن في قطاع غزة، وأيضًا تهدد المنظومة الإنسانية».

ويأسف الشوا؛ لكون أستراليا بدأت في تجميد تمويلها لمؤسسة «ورلد فيجن»، معربًا عن خشيته من أن يتبع ذلك خطوات من قبل ممولين آخرين، سواء بفرض قيود وشروط على تمويل مشاريع في القطاع، أو أن يكون هناك عملية سحب لهذا التمويل، ودافعهم لذلك سيكون القيود الإسرائيلية.

ويتطرق الشوا، خلال حديثه الخاص لـ«ساسة بوست»، لخطورة الحملة التحضيرية التي تقوم بها إسرائيل، بحق المنظمات الدولية والأمم المتحدة، التي تقيد عملها، وأيضًا تعمل على تقليل أعداد العاملين فيها. ويوضح «الحملة تأتي في ظل ظروف صعبة يعيشها سكان قطاع غزة، تدهور في الأوضاع الاقتصادية، ونسب بطالة، وفقر، وقلة أمن غذائي آخذة في الارتفاع»، ويضيف «80% من أبناء شعبنا يعتمدون على المساعدات الآتية من مؤسسات الإغاثة الدولية، وتأتي هذه الحملة من أجل تعميق التدهور الحاصل للحالة الإنسانية، في ظل استمرار الحصار وبطء عملية الإعمار».

إسرائيل تريد مضاعفة الحصار على القطاع

تظهر أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن معدل البطالة في قطاع غزة يصل إلى 41 %، وهناك أكثر من 200 ألف عاطل عن العمل، بالإضافة إلى أن نسبة الفقر، والفقر المدقع بلغتا 65%، كما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي لـ 72%، وانخفضت نسبة الناتج المحلي الإجمالي.

لذلك فإن أكثر من 80% من أبناء القطاع يعتمدون على مساعدات المؤسسات الدولية، كما يقول مدير مكتب منظمة التعاون الإسلامي في قطاع غزة، المهندس «محمد حسنة»، موضحًا أن إغلاق المؤسسات الدولية يقع في باب «خنق المواطن الفلسطيني، وخلق باب جديد من أبواب الحصار الإسرائيلي على كافة أهالي القطاع، لمضاعفة معاناتهم»، وذلك في إطار تغيير الوضع السياسي الواقع على الغزين. ويقول «يهدف ذلك إلى تضييق الخناق والحصار، ودفع المنظمات الدولية لوقف نشاطها في غزة، وهو رسالة من الإسرائيليين للمؤسسات الدولية بغزة بإغلاق فروعها، ووقف دعمها وتمويلها للمشاريع الخدماتية والإنسانية لمواطني القطاع المحاصر».

ويري حسنة أن ذلك «يأتي من باب الحرب على المؤسسات الدولية، هذه المؤسسات إذا وجدت نفسها أنها تستغل في قضايا سياسية، سيتوقف عنها الدعم الخارجي، وقد تقوم بأخذ عامل السلامة وإغلاق مكاتبها، كما فعلت مؤسسة فيوجن بصرف موظفيها مؤقتًا، ولكن فيما يبدو أنه بشكل دائم؛ نتيجة وقف دعم أستراليا للمؤسسة».

ويشير حسنة إلى أثر إغلاق مكتب مؤسسة «فيوجنورلد» في الضفة الغربية وقطاع غزة وينبه إلى أنه «إذا تكرر الأمر في أكثر من مؤسسة دولية، سيحدث نقص في الدعم الدولي المقدم لغزة، وبالتالي مضاعفة الحصار». ويتطرق حسنة خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى أهمية مواجهة الحملة الإسرائيلية، ويقول إن بيان وزارة الخارجية في غزة، وبيان حركة حماس غير كافيين، ويتابع «يجب أن يكون هناك تحرك لتعزيز الوعي لدى المجتمع الغربي، يجب أن يكون هناك حملة توضيح أين تذهب تلك الأموال، ومصداقية الصرف موجهة للغرب، نحن نطالب المجتمع الدولي بأن يكون أكثر عقلانية، وألا تنطلي عليه الحيل الإسرائيلية».

ميرفت عوف

نقلا عن موقع ساسة بوست