نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله هو أمر لا مفر منه

نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله هو أمر لا مفر منه

الجيش-الإسرائيلي1

بينما استطاع حزب الله في العام 2006 أن يضرب في شمال إسرائيل فقط، أصبحت صواريخه اليوم تهدد كل شبر من الدولة اليهودية في 12 تموز (يوليو) 2006، عبرت وحدة من قوات حزب الله من لبنان إلى إسرائيل، ونصبت كميناً لعربتي “همفي” إسرائيليتين، وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة اثنين وأسر اثنين. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، إيهود أولمرت، غارة حزب الله بأنها “من أعمال الحرب”.
عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في أيار (مايو) من العام 2000، رفضت الحكومة اللبنانية تحمل المسؤولية عن أراضيها الخاصة، وتخلت عن السيطرة الفعلية عليها لحزب الله بدلاً من ذلك. لكن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت لبنان ككل مسؤولاً عن الهجوم، لأن هجوم حزب الله انطلق من الأراضي اللبنانية، كما أن حزب الله هو جماعة لبنانية. وببساطة، لا يستطيع لبنان أن يحتفظ بالأمرين معاً -احتضان حزب الله عندما يكون ذلك مناسباً من الناحية السياسية، والنأي بنفسه عنه عندما يريد تجنب المساءلة. وكان ما أعقب ذلك حرباً استمرت 34 يوماً. وكانت حرباً وجيزة، وإنما بالغة الدموية.
كان حزب الله قد خزن في مستودعاته ما بين 10.000 و12.000 من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وعدداً أقل من الصواريخ بعيدة المدى. وكان قد وضع الكثير من هذه الصواريخ في مخابئ محصنة تحت الأرض، والتي قام بتصميمها -وربما ببنائها أيضاً- مهندسون كوريون شماليون في كهوف وجبال جنوب لبنان.
في تلك الحرب، أطلق حزب الله آلافا عدة من الصواريخ إلى داخل إسرائيل، مما أسفر عن مقتل عشرات عدة من الإسرائيليين وضرب مدن مثل حيفا، التي لم تكن قد ضربت في أي حرب عربية إسرائيلية منذ حرب إنشاء إسرائيل في العام 1948.
عندما قصفت إسرائيل لبنان، مستهدفة بطاريات صواريخ ومواقع حزب الله، طالبت الأمم المتحدة ومجموعة واسعة من الدبلوماسيين الدوليين بوقف فوري للأعمال العدائية. وأوفد الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، كوفي عنان، فريقاً من ثلاثة أعضاء إلى المنطقة لحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس.
وفي 14 تموز (يوليو) 2006، أدان الرئيس الفرنسي جاك شيراك رد إسرائيل الانتقامي ضد حزب الله في لبنان ووصفه بأنه “غير متناسب على الإطلاق”. ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “استخدام إسرائيل القوة على نطاق كامل” بأنه غير مقبول. وهو تصريح انطوى على مفارقة إلى حد ما، بالنظر إلى أنه أمر سلاح الجو الروسي، بعد عقد من ذلك، بتنفيذ قصف شامل للبلدات والقرى السورية من دون أي محاولة للتمييز بين المقاتلين والمدنيين.
وحتى وزارة الخارجية الأميركية دخلت في اللعبة أيضاً. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين، كوندوليزا رايس، للصحفيين في اليوم الأول من الحرب: “من المهم للغاية أن تمارس إسرائيل ضبط النفس في تصرفاتها للدفاع عن النفس”. وسعى الرئيس جورج دبليو بوش إلى تأكيد ذلك، فقال: “للمساعدة على تهدئة الوضع، لدينا دبلوماسيون يعملون في المنطقة”.
وفي رأي السيناتور هيلاري كلينتون في ذلك الحين، لم تستطع الدبلوماسية أن تأتي بثمارها سريعاً بما يكفي. وقالت لـ”أن. بي. آر”: “لقد كانت لدينا خمس سنوات ونصف من التجربة الفاشلة في الحديث الحازم في غياب الدبلوماسية والانخراط. أعتقد أن الوقت قد حان للعودة إلى ما يعمل، إلى ما عمل تاريخياً ويمكن أن يعمل مرة أخرى”.
في نهاية المطاف، حصل الدبلوماسيون على ما يرغبون. وانضمت الولايات المتحدة إلى الجوقة الدولية التي تدعو إسرائيل إلى التراجع، بغض النظر عن أن حزب الله ما يزال يشكل تهديدا قوياً. وفي 11 آب (أغسطس) 2006، اعتمد مجلس الأمن الدولى بالإجماع القرار رقم 1701 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، وطالب بأن “لا تكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان سوى للدولة اللبنانية”.
كان ذلك خطاباً يمكن أن يحتفل به الدبلوماسيون، ولكن الواقع كان مختلفا الآن. وقال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله: “لا يوجد جيش في العالم يمكنه أن يجبرنا على إلقاء السلاح من أيدينا، من قبضتنا، بما أن الناس يؤمنون بهذه المقاومة”.
بعد شهر واحد فقط من وقف إطلاق النار، زعم نصر الله أنه أعاد ملء ترسانته بالكامل، وادعى أيضاً أن حزبه يمتلك 25.000 صاروخ. وفي مفارقة كبيرة، لام وزير الدفاع اللبناني إسرائيل على فشلها في الإجهاز على حزب الله، وقال “إن الجيش لن يذهب إلى الجنوب لتجريد حزب الله من سلاحه ونقوم بالعمل الذي لم تقم به إسرائيل”.
بعد عشر سنوات الآن، ربما يكون من الحكمة الجلوس والنظر في ثمن الموافقة على وقف إطلاق نار سابق لأوانه. ودعونا ننس، للحظة، أن حزب الله تخلى عن أي تظاهر بأنه منظمة وطنية لبنانية، وأنه يحارب بدلاً من ذلك في سورية نيابة عن الحكومة السورية وجمهورية إيران الإسلامية.
اليوم، يضع المحللون والخبراء حجم ترسانة حزب الله عند ما بين 120.000 و130.000 صاروخ وقذيفة صاروخية. وفي حين ضرب حزب الله في العام 2006 شمال إسرائيل فقط، فإن صواريخه وقذائفه يمكن أن تهدد اليوم كل شبر من الدولة اليهودية.
تبين الآن أن ضمانات الأمم المتحدة والضمانات الدبلوماسية الأوروبية غير موجودة. وقد تجاهل الدبلوماسيون الأميركيون إعادة تسليح حزب الله بمجرد أن حولت عناوين الأخبار انتباهها عن الموضوع. كما يمكن القول إن اتفاق إيران النووي، أو خطة العمل المشترك الشاملة -الإنجاز الأبرز لولاية الرئيس باراك أوباما الثانية- جعلت الأمور تزداد سوءاً فقط، وغمرت الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الموردين الرئيسيين لحزب الله، بسيل من المال.
عندما يتعلق الأمر بتهديدات المتطرفين، فإن مفتاح السلام نادراً ما يكون من خلال الدبلوماسية. بدلاً من ذلك، فإنه يتحقق من خلال إحراز نصر حاسم، غير متناسب وساحق، والذي يتم القضاء فيه على أكبر عدد ممكن من المهاجمين المحتملين. وفي كثير من الأحيان، لا تجلب حالات وقف إطلاق النار السلام، وإنما تصبح درعاً يمكن أن يختبئ وراءه المحرضون وينجون من عواقب أفعالهم.
حزب الله اليوم قوة هائلة، وليس فقط بسبب ضخ إيران الهائل للأسلحة والمعدات، وإنماً أيضاً بسبب تقلب الدبلوماسيين قبل عقد من الزمن. ولو أن الرئيس جورج دبليو بوش تمسك بحزم بمبادئه، ولو أن رايس منحت الأولوية للحق فوق طمأنة أقرانها، لما كان هناك اليوم أي سيف مسلط على رأس المنطقة.
للأسف، وبسبب قرارات اتخِذت قبل عقد من الزمن، فإن السؤال الآن لا يتعلق بما إذا كان هناك صراع جديد سينشب بين إسرائيل وحزب الله، وإنما يتعلق بكم يمكن أن يكون حجم الضرر أكبر.

*مسؤول سابق في البنتاغون، والذي تتركز مجالات بحثه الرئيسية في الشرق الأوسط وتركيا وإيران والدبلوماسية. وهو يحاضر في كبار ضباط الجيش الذين يُرسلون للانتشار في الشرق الأوسط وأفغانستان عن السياسة الإقليمية. قام بالتدريس في دورات عن إيران والإرهاب والسياسة العربية على متن حاملات الطائرات الأميركية.

مايكل روبين

صحيفة الغد