أسرار الحسيني: عراق اليوم لم يعد يملك مقومات الدولة

أسرار الحسيني: عراق اليوم لم يعد يملك مقومات الدولة

_87862_salamg

يرفض أسرار الحسيني، عضو القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، تسمية ما هو موجود في العراق حاليا دولة لأن الدولة تستدعي قرارات وسلطة مركزية لا وجود لها في الواقع الآن، لسيطرة الميليشيات التي هي قوى غير وطنية تأسست بإرادة إيرانية وأميركية.

وقال متحدثا لـ”العرب”، خلال زيارة قصيرة له للعاصمة الأردنية عمان، ”إن المكون الرئيسي لهذه الميليشيات هو أكثر شرائح الشعب تخلفا والتي لا يمكن أن يكون بيدها أي قرار في أي حال من الأحوال”.

وقال القيادي الشيوعي العراقي إن القوانين التي صدرت بعد الاحتلال غير شرعية لأن من أصدرها سلطة نصبها الاحتلال لتكون وكيلة عنه، ولن تكون القوانين شرعية ما لم تصدر بإرادة شعبية حرة بعيدا عن أي ضغوط وتأثيرات خارجية سواء أكانت قوة عسكرية أو أتباع احتلال أجنبي سلطهم هذا الاحتلال على الشعب.

وأكّد أن جميع القوانين المعمول بها منذ بداية الاحتلال ومنها قانون المساءلة والعدالة ثم حظر حزب البعث وتجريمه وغيرها من القوانين صدرت بصفة فرض الأمر الواقع، وحتى التدابير المتخذة من دون قانون بشأن النفط العراقي وتسليمه إلى شركات احتكارية مثلا كلها غير شرعية لأنها صدرت عن سلطة غير شرعية.

وتطرق الحسيني إلى مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي، مؤخرا، بحضور 269 نائبا وبأغلبية الأصوات، وقال إن هذا القانون لم يناقش على أساس الإرادة الحرة للشعب، متسائلا: متى أصدرت سلطة احتلال أو سلطة مرتبطة بالاحتلال قوانين لصالح الشعب؟ وأضاف “نحن كبلد لدينا حساسية تجاه التدخل الأجنبي لأن شعبنا الحلقة الأضعف أمام القوات المحتلة، ونحن لدينا مواد أولية هي النفط والثروات المعدنية ولدينا سوق والنفط أخذته الشركات الاحتكارية، ونحن لا نصنّع النفط ولا نستثمر المعادن بإرادتنا، كما كنا قبل الاحتلال، ولن نستطيع تنمية اقتصادنا وفق إرادة الاحتلال وسنصبح موضع استغلال وسوقا لتصريف منتجات الدول الصناعية”.

وأكد أن وجود قواعد عسكرية في العراق تسعى لاستمرار هذا الاستغلال سيدخل البلاد في تحالفات لا يد ولا مصلحة للعراقيين بها، كما أدخلوهم قبل ذلك في حلف بغداد، ليناصبوا الاتحاد السوفيتي، في حينها، العداء من دون أن تكون لهم في ذلك مصلحة ولا رأي ولا كلمة، مذكرا أنه كان من ضمن خطط ذلك الحلف تلغيم المواقع المتوقع نزول الجيش الأحمر إليها بالأسلحة النووية، كما أن إدخال العراق بعد الاحتلال الأخير في تحالفات مع القوى الإمبريالية والإقليمية سيكون لصالح أميركا وإيران وتضيع المصلحة الوطنية العراقية في هذا الخضم.

وقال الحسيني إن مشروع قانون الأحزاب السياسية في هذا السياق سيكون ضد مصالح العراقيين، مؤكدا أن شعارات الديمقراطية الأميركية للعراقيين لم تنتج إلا أكثر أشكال التنظيمات تخلفا ووحشية.

وحذر الحسيني من شرعنة الميليشيات في قانون الأحزاب السياسية، وقال إن ذلك سيترك انعكاسات خطرة على المجتمع، إذ ستوجه هذه الأحزاب الميليشياوية لقمع أي رأي مخالف وهي لن تكون قوى وطنية إصلاحية وسيتم تسخيرها لأغراض مصلحية ومناطقية وشخصية تزيد في خلق الشروخ المجتمعية.

راعي الميليشيات والدستور

قال القيادي الشيوعي العراقي إن نوري المالكي، الذي عينته سلطة أجنبية، افتضح أمره ودوره في الكثير من الجرائم بحق الشعب العراقي، ومع ذلك فهو يعمل بحرية في ظل النظام الحالي وله قوة وميزانية من الدولة غير العشرات من المليارات التي سرقت خلال ولايتيه، وهو الآن يحسب له ألف حساب وحساب وتدعمه الميليشيات التي يرعاها.

ووصف الدستور العراقي الحالي بأنه مفروض من سلطة احتلال وليس مكتوبا بيد عراقية، وإنما بيد المحامي الأميركي نوح فيلدمان، ويهدف أساسا إلى تقسيم العراق وتجزئة المجتمع إلى مكونات إثنية وطائفية ومناطقية وتغذية جميع الأفكار الانفصالية حتى في المدينة الواحدة، مبينا أن هناك حملات تطهير على المستويات كافة في المدن العراقية بدأت منذ العام 2003 إذ تم تهجير المسيحيين والصابئة والسنة من مناطقهم، وأن مكونات صغيرة تدعمها منظمات غربية مثل الآشوريين واليزيديين بدأت برفع أصواتها مطالبة بإيجاد مناطق آمنة لأبنائها وإقليم يحتويها نتيجة القهر المستمر.

وطالب الحسيني بإزالة هذا الدستور وإلغائه وكتابة دستور عراقي يضمن حقوق الجميع في وطنهم من دون أي تدخل خارجي، ولكن ليس للشعب العراقي ممثلون في الوضع الحالي لكتابة مثل هذا الدستور بإرادة حرة. أما الدعوات إلى تعديل الدستور الحالي فهي دعوات مشبوهة لأن من يكتب الدستور أو يعدله سيكون القوى نفسها التابعة للمحتلين، لذلك لن يكون الدستور حتى بعد تعديله مرضيا عنه شعبيا.

واستطرد الحسيني قائلا “ومع ذلك فإن كتابة دستور عراقي جديد ليست قضية ملحة، الآن، وإنما إزالة العملية السياسية التي فرضها المحتلون وجعلوها أمرا واقعا وبناء عملية سياسية عراقية وطنية تضمن وحدة الشعب، وهناك من يزعم أن داخل العملية السياسية الحالية وذلك ما يعيد إلينا المثل المشهور أن جهنم مليئة بذوي النيات الطيبة، ونحن لا نعتقد أن من بين من اشترك في العملية السياسية من نيته طيبة”.

تشتت الإرادة السياسية

لا ينكر الحسيني أن شعب العراق مشتت الإرادة السياسية لعدم وجود هياكل تنظمه، فالهياكل التي ينبغي أن تنظم الشعب مطاردة الآن أو هجرت أو مضيّق عليها مثل الأحزاب الوطنية والنقابات والصحافة الحرة وجميع المؤسسات الممثلة لإرادة الشعب حتى غير السياسية منها، ولا حلّ إلا بعد إزالة الاحتلال بجميع أنواعه وإفرازاته.

وأكّد أنه لا بد من توفر تنظيمات ذات رؤية وطنية تمثل الإرادة الشعبية وتجسدها، ومن غير ذلك فإن الفوضى ستكون مستمرة، ناقلا وجهة نظر حزبه بأن “شعب العراق ليس الوحيد مشتت الإرادة السياسية، فالشعوب العربية من موريتانيا إلى عُمان مثله ولهذا جيرت انتفاضات ما سمي بـالربيع العربي لمصلحة الغرب ليس لعدم وطنية المنتفضين، وإنما لغياب القيادات الوطنية الجامعة المخلصة ذات الرؤية الواضحة”.

وشكّك الحسيني بنزاهة القضاء العراقي مستدلا على ذلك بتقديم رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري إليه وتبرئته خلال دقائق لا تكفي حتى لتقليب أوراق الدعوى. وتطرق أسرار الحسيني إلى رفع الحصانة عن رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري وتقديمه إلى القضاء مع ملفات فساد كبيرة قدمها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي وتبرئته خلال ساعات.

وقال “ليس غريبا على مثل السلطة الحاكمة في العراق حاليا والتي لا تملك احتراما حتى لنفسها، أن تقدم رئيس مجلس النواب بتهم فيها ملفات مخلة بالشرف ثم يبرئه قضاؤها المشكوك بنزاهته خلال دقائق لا تكفي حتى لتقليب أوراق الدعوى، ونرى أن استهداف رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود لن يؤدي إلى نتيجة إذ لديهم قضاة عدة من أمثاله، كما جرى استبدال رئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي بسليم الجبوري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي بحيدر العبادي، إذ لم يؤد ذلك الاستبدال إلى أي نتيجة، فالحل في تبديل النظام السياسي لا في تبديل الأشخاص، والقضاء جزء من النظام السياسي والمؤسسات الفاسدة الأخرى لهذا النظام”.

الإرهاب الإيراني والأطفال

أكد الحسيني أن هدف الإرهاب الذي تمارسه إيران في العراق عبر أذرعها المسلحة قمع أي معارضة لنفوذها وتدخلها في الشؤون الداخلية العراقية. وقال إن الإرهاب الحكومي والميليشياوي والإيراني وصل إلى حاضنات الأطفال الخدج، ففي آخر تقرير صدر عن حادثة مستشفى اليرموك تأكد أن الحادث حصل بفعل فاعل، وأن يصل مستوى الإجرام والإرهاب إلى استهداف الأطفال والأمهات والمرضى الآخرين في المستشفيات فذلك يؤكد أن الهدف هو إبادة أكثر ما يمكن من العراقيين وشل إرادة الشعب بالإرهاب والتخويف.

وذكّر بأن الإرهاب، الذي لم تتوقف عجلته يوما، بدأ منذ بداية الاحتلال ومنذ أن نظم جون نيغروبونتي، الذي عين سفيرا لواشنطن لدى العراق، وتسلم أواخر يونيو 2004 أكبر سفارة أميركية في العالم ببغداد لمدة عشرة أشهر، فرق الموت في العراق من الميليشيات المرتبطة بإيران وبالأحزاب التي جاء بها الاحتلال، لنشر الطائفية والفوضى وتقسيم الوطن والشعب، كما فعل في هندوراس وغيرها، ففي فترة توليه السفارة الأميركية في العراق عم إرهاب الاحتلال باتخاذه أسلوب العقوبات الجماعية، مما دفع فرنسا إلى تحذير أميركا من عاقبة هذه السياسة ومغبتها على المحتلين أنفسهم، لأن فرنسا جربت مثل هذه الأساليب في حروبها التي دارت في مستعمراتها سابقا وجاءت نتائجها عكسية تماما، واعتمدت أميركا سياسة التفاهم والتنسيق مع إيران لتوسيع رقعة الإرهاب وتعميمه على جميع العراقيين بحيث أن الإرهاب شمل حتى من تدعي إيران حمايتهم، وهم الشيعة في العراق.

شرعنة الميليشيات في قانون الأحزاب السياسية ستترك انعكاسات خطرة على المجتمع

وقال الحسيني إن النفوذ الإيراني لن ينحسر من العراق والمنطقة إلا بوجود مقاومة شعبية موحدة، مشيرا إلى أن الموجود حاليا في العراق مقاومة فردية لهذا النفوذ، وممارسة إيران وأعوانها الإرهاب بأشرس صوره تمنع توحد هذه المقاومة أو بروزها على السطح بقوة، ولكن ما لا ينكر أن هناك تذمرا شعبيا عراقيا وشديدا واضحا جدا من التدخل الإيراني في شؤون العراق، مستشهدا بهتافات العراقيين في تظاهراتهم السابقة والحالية ورفعهم شعار (إيران بره بره بغداد تبقى حرة)، واصفا إياه بأنه تعبير عفوي حقيقي عن دوافع هذه الجماهير ووعيها بمخاطر المشروع الإيراني على العراق والمنطقة كلها.

التنسيق بين القوى المعارضة

نفى عضو القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أن تكون ثمة اتصالات يجريها القيادي الشيوعي السابق عزيز الحاج أو تجريها القيادة المركزية بشأن إعادة الحاج إلى القيادة المركزية. وقال إن عزيز الحاج سقط منذ زمن طويل ولم تعد له علاقة بالحزب، مشيرا إلى أنه سقط أكثر عندما تقدم بعد احتلال العراق للحصول على منصب وزير ممثلا للأكراد الفيليين.

وأضاف أن عزيز الحاج لم يكن مؤهلا للقيادة لكن الظروف حتمت أن يكون على رأس التنظيم، وكانت النتيجة أنه كشف ذلك التنظيم في النصف الأخير من القرن الماضي أمام السلطة موجها ضربة قاصمة للحزب، واستمر منذ ذلك على انحرافه عن الخط الوطني كله، باستجابته لإغراءات السلطة والمناصب الحكومية حاليا.

وبيّن أن حزبه يدعو إلى وحدة القوى الوطنية وإلى العمل في إطار تنسيقي مع باقي القوى الوطنية. وأكد أنه ليست للقيادة المركزية أي خطوط حمراء على أي قوة وطنية فهي منفتحة على الجميع ضمن الأفق الوطني وتعمل على وحدة الكلمة لمواجهة ما يمر به الوطن من محن، وهي تدرك تماما أن المعركة شديدة وشرسة وتحتاج إلى جميع الجهود لأن الخندق المعادي واسع جدا ولديه المال والسلطة ووسائل الإعلام المختلفة، وهو مجمع على أجندته المشبوهة ولا يمكن لقوة منفردة أن تحقق لوحدها الأهداف الوطنية الكبرى.

سلام الشماع

صحيفة العرب اللندنية