في فهم التأثيرات المتعددة لحركة غولن في تركيا

في فهم التأثيرات المتعددة لحركة غولن في تركيا

151028115557_turkey_gulen_640x360_bbc_nocredit

تعتبر حركة فتح الله غولن في تركيا، التي تتم محاكمتها اليوم بعد اتهامها بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، هدفاً مميزاً لنظريات المؤامرة التي تشكل محور الفكر الشعبي في منطقة الشرق الأوسط. انطلقت هذه الحركة لتعزيز المكانة الدينية، إلا أنها أسست، من بين أمور أخرى، سلسلة مدارس في أرجاء تركيا، بالإضافة إلى شبكة من الروابط الشخصية بين أتباعها داخل الحكومة وخارجها. ومن شأن هذه الأخيرة بدورها أن تستخدم للدفاع عن الحركة ضد الأعداء المحتملين، بمن فيهم، أقلّه نظرياً، السيطرة على النظام من قبل من يعتقدون أن الأمر يقتصر على الشعور بالخطر من وجود سلطة تنفيذية منافسة.

ويمكن توفير المزيد من الحجج لمحبذي نظرية المؤامرة من الواقع الذي لا شك فيه ومفاده أن الحركات السرية المماثلة، على غرار الماسونية موجودة في دول أخرى منذ الثورة الفرنسية على الأقل في أواخر تسعينيات القرن الثامن عشر. وذلك على غرار ما أشار إليه الدكتور ألبرت حوراني من جامعة أوكسفورد وغيره، وقد وضعوا نموذجاً تنظيمياً للمجموعات ذات الأهداف السياسية العلنية مثل تلك التي دعمت الثورة العرابية ضد النظام الحاكم في مصر في العام 1881.

ولعلّ دراسة وجيزة لدور «الإخوان المسلمين» في مصر قد تساعد على تسليط الضوء على ديناميات مثل هذه الحالات المعقدة. فعلى غرار حركة غولن، تم تأسيس «الإخوان المسلمين» في مصر على يد شخصية كاريزمية هو حسن البنا، الذي كان يعتقد أن العقيدة الإسلامية في مصر في خطر. ومثلهم، قرر العمل بحسب ما كان يقول إنها قناعاته الدينية، وقد عبّر عن هذه الحالة بالذات في فترة ما قبل الثورة الناصرية في عام 1952 من خلال إرسال رسائل إلى الملك، يعدد فيها المناطق المصرية التي كان يبدو له أن الحياة فيها خالية من الإيمان وعديمة الحشمة.

ومن بعد ذلك، عندما تمت محاكمة عدد من قياديي «الإخوان المسلمين» من قبل الضباط التابعين لعبد الناصر، أصبح ينظر إلى سرية الحركة واحتمال قيامها بأي نشاط ضد النظام على أنه أمر خطير. والحال أنه كان يمكن أن تحشد عدداً كبيراً من الناس في الشوارع للاحتجاج. ومن جهة أخرى، قامت باحتواء ما بات يعرف بـ «الجهاز السري» الذي تم تأسيسه في أواخر العام 1930 لحماية القيادة من المخاطر، أو في هذه الحالة، من أشخاص على غرار حسن البنا. وقد سيطرت محاولات فهم دور هذا الجهاز وتحديد أعضائه الناشطين على المحاكمات العامة في العام 1953 التي خضع لها «الإخوان»، ما أدى إلى إصدار أولى أحكام الإعدام بحقهم من قبل النظام الناصري الجديد.

طبعاً، لا يجب الاعتماد على هذه المقاربات كثيراً، إنما يمكن استخدامها من باب شرح بعض الديناميات الأساسية في الأنظمة الشمولية ذات الحزب الواحد التي تعتمد على السيطرة على كل القوى الاجتماعية المحلية. لذا، من شأن أي تنظيم تتمركز قيادته في الخارج أن يثير الشكوك، فيما يمكن اتهام أي منظمة دينية داخلية على أنها تخطط للفتنة، وهو مفهوم يقع في قلب الناصرية كما هو الحال اليوم في تركيا مع «العدالة والتنمية».

وأخيراً، ثمة العامل النفسي، حيث يعرف الحلفاء السابقون بعضهم بعضاً، بمعنى أنهم يعرفون بعضهم جيداً ويعرفون ألاعيبهم التجارية وما يمكن القيام به لتحقيق مبتغاهم.

نتيجةً لذلك، تعتبر مصر هنا درساً مهماً، فعندما قام نظام عبد الناصر باقتلاع أعضاء «الإخوان المسلمين» من الخدمة العامة والوظائف، حرم البلد من طاقم كبير من الأساتذة والأطباء والمهندسين الأكفياء وغيرهم في حين لم يكن يستطع تحمل هذه الخسارة. تماماً كما تهدد حملة الرئيس أردوغان بالتطهير إثر محاولة الانقلاب المستقبل التربوي لملايين الشباب الأتراك.

وفي الختام، هناك سؤال يتكرر طرحه: هل يتعلّم من هم في السلطة من التاريخ؟ يمكن طرح هذا السؤال في ما يتعلق بالوضع في مصر اليوم، حيث يجد كثير من الشبان الموهوبين أنفسهم مدفوعين الى الهجرة. أما بالنسبة إلى أردوغان، فهوسه بمن يعتبرهم أعداء من الداخل يدفعه الى تقويض سمعة المؤسسات البحثية داخل بلاده المحترمة دولياً، بالإضافة إلى القطاع السياحي الناجح.

هل تعتبر تركيا جزءاً من الشرق الأوسط أم من أوروبا؟ مرة أخرى يطرح هذه السؤال القديم في ظل هوس الرئيس أردوغان بقمع حرية التعبير، وفي ما يجره تنظيم الرأي الديني إلى العالم الإسلامي في وقت كانت تركيا قد بدأت بالاستفادة مالياً وغيره من دورها المحوري في إدارة أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط. اليوم، وفيما ينظر أعضاء الاتحاد الأوروبي بحذر واستغراب إلى عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتم إعادة النظر في النظام العالمي السياسي والعسكري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

روجر أوين

صحيفة الحياة اللندنية